ماري... ابنة الملكة البريطانية القرينة التي اختفت من الحياة الملكية دون أثر
داخل أسوار واحدة من أجمل القلاع في إنجلترا، أنجبت ملكة بريطانية قرينة ابنتها الوحيدة، بعد سنوات طويلة من تمنت خلالها أن تصبح أم في يوم، ولذلك وكما هو متوقع، فإن ميلاد الطفلة ترقبه الكثيرون، وعلى رأسهم والدتها، وفور ميلاد الطفلة، نقلت إلى غرفة أطفال في نفس القلعة، مزينة باللونين القرمزي والذهبي حيث كان في انتظارها عدد كبير من المربيات الملكيات لضمان حصول الطفلة على أكبر قدر ممكن من العناية لحين تعافي والدتها من الولادة، ولكن في غضون أيام قليلة، انقلبت حياة هذه الطفلة رأسا على عقب، وبعد بضعة أشهر فقط أصبح مستقبلها بالكامل موضع تساؤل، وخلال السنوات التالية بدا وكأنها قد اختفت تماما من الحياة الملكية دون أثر، وبعدها بعقود طويلة، لم يعد هناك سوى قصاصات صغيرة من الأدلة تحكي التي تحكي عن حياة ابنة الملكة البريطانية القرينة المثيرة للدهشة، والتي تدعى ماري سيمور Mary Seymour وهي الطفلة الوحيدة لكاثرين بار Katherine Parr، الزوجة الثامنة والأخيرة للملك هنري الثامن Henry VIII.
لهذا السبب كان ميلاد ماري سيمور مفاجأة للجميع
ماري سيمور هي الطفلة الوحيدة لكاثرين بار، آخر زوجات الملك هنري الثامن، وولدت ماري في قلعة سوديلي Sudeley Castle في جلوسيسترشاير بعد مخاض طويل جاء في نهاية حمل، كان مفاجأة كبيرة بالنسبة لوالديها، كاثرين بار، وتوماس سيمور بارون سوديلي Thomas Seymour, Baron Sudeley، والسبب هو أن كاثرين بار كانت قد تزوجت قبل زواجها من توماس سيمور، ثلاث مرات من قبل، وطوال السنوات العشرين التي امتد فيها عمر زيجاتها الثلاث، لم تنجب أي طفل، ولكن بعد أشهر قليلة من زواجها الرابع، وفي وقت لاحق من نفس العام الذي تزوجت فيه من توماس سيمور، حملت للمرة الأولى والوحيدة في حياتها.
أنباء حمل كاثرين بار، كانت موضع ترحيب بقدر ما كانت مفاجئة، فكاثرين بار، كانت تحظى باحترام كبير بين معارفها، وكانت زوجة أب محبوبة لأطفال اثنين من أزواجها، وتحديدا زوجها الثاني جون نيفيل بارون لاتيمر الثالث John Neville, 3rd Baron Latimer، وهنري الثامن ملك بريطانيا، وتحدث المؤرخين عن أن جميع أطفال زوجيها الثاني والثالث، كانوا مغرمين بها حقا، ولكن جميعهم كان بعيد إلى حد كبير عن حياة كاثرين بار بحلول الوقت الذي تزوجت فيه من زوجها الرابع، فأطفال عائلة لاتيمر، كبروا وأصبح لديهم أبنائهم وحياة حافلة بالمسئوليات، أما أبناء زوجها الثالث، هنري الثامن، فلقد ابتعدوا عن حياتها لأسباب مختلفة، ربما كان أهمها هو انشغالهم في الصراع المرير فيما بينهم على العرش البريطاني.
أما والد ماري، توماس سيمور، والذي تسبب زواجه السري من كاثرين بار بعد أشهر قليلة من وفاة زوجها هنري الثامن، في الكثير من الجدل في البلاط الملكي لعائلة تيودور الملكية الحاكمة (والتي ينتمي إليها الملك هنري الثامن ونسله)، فهو شقيق جين سيمور Jane Seymour، الزوجة الثالثة لهنري الثامن والملكة البريطانية القرينة التي نجحت في تحقيق أمنية حياة الملك هنري الثامن وهي إنجاب وريث ذكر للعرش البريطاني، والذي حكم بريطانيا خلفا لوالده، وعرف باسم إدوارد السادس Edward VI.
لأن إدوارد السادس كان لا يزال قاصرا وقت وفاة والده، تولى إدوارد سيمور Edward Seymour، شقيق توماس وجين، منصب اللورد الحامي الذي يدير حكومة الملك البريطاني حديث السن، إدوارد السادس، ولكن توماس سيمور لم يكن سعيدا بذلك، لأنه وكاثرين بار شعرا، أنهما لديهما الحق أيضا في أن يكون لهما رأي في حكومة إدوارد السادس، ولكن إدوارد سيمور، قام بتهميشهما، وإبعادهما عن حياة الملك البريطاني الصغير، للاستحواذ على السلطة.
كيف تغيرت حياة ماري سيمور بعد أقل من يومين من ولادتها
في حين أن توماس سيمور، كان يأمل بأن تنجب زوجته كاثرين بار، صبي، ولكنه كان سعيدا للغاية بولادة ماري، وهو ما بدا واضحا من رسالته لشقيقه إدوارد سيمور والتي تحدث فيها كثيرا عن جمال طفلته حديثة الولادة، والتي اختار لها اسم ماري، وفقا للمؤرخين فإن توماس سيمور، كان يتوقع أن تفسح طفلته ماري الطريق أمامه ليعود للحياة الملكية مرة أخرى، وهي توقعات لم تبدو بعيدة تماما عن الواقع، لأسباب عديدة، أهمها أن كاثرين بار والدة الطفلة، لم تكن فقط ملكة بريطانية قرينة وأرملة ملك بريطانيا الراحل هنري الثامن، وإنما كانت بمثابة الأم الوحيدة التي عرفها الملك البريطاني الصغير، إدوارد الثامن والتي توفيت والدته جين سيمور بعد أيام من ولادته، وكان من المعروف أن إدوارد السادس، يحمل الكثير من الحب والاحترام اتجاه كاثرين بار، مثله في ذلك مثل شقيقتيه اللتان كان من المرجح وقتها أن تخلفاه في العرش (وهو ما حدث بالفعل لوفاة إدوارد السادس في سن صغيرة، وتولي شقيقته الكبرى الملكة ماري Queen Mary الحكم من بعدها، قبل أن تخلفها في ولاية العرش شقيقتهما إليزابيث الأولى Queen Elizabeth II)، إضافة إلى ذلك فإن كاثرين بار وتوماس سيمور كانت تربطهما صلات وعلاقات وثيقة بمجموعة من أكثر النبلاء نفوذ وثراء في داخل وخارج بريطانيا، لذلك توقع الكثيرين أن ماري سيمور ستنشأ كابنة ملكة، وتتمتع بالثروة والنفوذ وبمستقبل مليء بالفرص.
ولكن في أقل من ثمانية وأربعين ساعة تغير كل شيء، ففي حين أن كاثرين بار بدت بصحة جيدة وقت ولادة طفلها، وإن كانت متعبة بعض الشيء، ولكن سرعان ما بدأت تظهر عليها بعد الولادة أعراض حمى النفاس (والتي كانت السبب أيضا في وفاة جين سيمور)، وفي حين أن فريق من الأطباء، من بينهم طبيبها الموثوق به، روبرت هويكي Robert Huicke، كافح من أجل إنقاذ حياة كاثرين بار، ولكنهم لم يتمكنوا من فعل شيء، وعندما أدركت كاثرين بار أنها توشك على الموت، قامت بإملاء وصيتها والتي تركت فيها جميع ممتلكاتها لزوجها توماس سيمور، وهو أمر أثار دهشة الكثيرين، والذين توقعوا أن تترك كاثرين بار ممتلكاتها أو على الأقل جزء منها لطفلتها حديثة الولادة، ولكنها تركت ممتلكاتها الدنيوية وطفلتها ماري في رعاية زوجها، بالرغم من معرفتها لطبيعته المتسرعة والمتهورة والتي كانت سبب رئيسي في نهايته المأساوية.
وفاة كاثرين بار ونهاية توماس سيمور
توفيت كاثرين بار في الخامس من سبتمبر عام 1548 ودفنت في كنيسة قلعة سوديلي، وكما جرت العادة في ذلك الوقت، لم يحضر زوجها توماس جنازتها، وبعد ذلك بفترة وجيزة، سافر توماس سيمور بصحبة ابنته ماري إلى لندن، وتركها هناك في رعاية شقيقه إدوارد سيمور، وفي حين أن هذه البادرة قد تشير إلى المودة الأخوية، فإن تصرفات توماس الأخرى في ذلك الوقت لم تكن ودية على الإطلاق، ففي الوقت الذي نشأت فيه ماري مع أبناء عمومتها من عائلة سيمور، بدأ والدها في التخطيط للإطاحة بأخيه إدوارد، والتقرب من إدوارد السادس، ووصف توماس بأنه كان رجل عاطفي وطموح وعنيد، ومعروف عنه استيائه الشديد من شقيقه إدوارد، وفي يناير 1549، تم القبض عليه وهو يحاول التسلل إلى غرفة الملك إدوارد السادس، بينما كان مسلحا بمسدس، كما تسبب أيضا أثناء اشتباكه مع حرس الملك في قتل الكلب الأليف المفضل لإدوارد السادس، وسرعان ما اتهم بالخيانة بعدها، تم إعدامه في مارس 1549، وأصبحت ماري بذلك يتيمة الأب والأم.
من ابنة ملكة ثرية لفتاة يتيمة فقيرة
ماري فقدت أيضا ثروة والدها، والسبب أن القانون البريطاني وقتها كان ينص على مصادرة أملاك المدانين بالخيانة لصالح التاج البريطاني، وبما أن والدتها قد تركت كل ممتلكاتها لوالدها توماس سيمور، فقد تركت ماري بلا شيء، بعد إعدام والدها بتهمة الخيانة، ومن المؤكد أيضا أن عمها إدوارد سيمور لم يكن يريد أن تعيش ابنة أخيه الذي تآمر عليه وتم إعدامه بتهمة الخيانة، في منزله، لذلك شرع في القيام بالترتيبات اللازمة لتعين وصي لرعاية ماري والتي تحولت خلال سبعة أشهر فقط، من ابنة الملكة إلى ابنة خائن صودرت أملاكه.
نهاية غامضة لماري سيمور
وفقا للمؤرخين فإن كاثرين براندون Katherine Brandon, Duchess of Suffolk، دوقة سوفولك، والتي كانت صديقة مقربة من كاثرين بار، تم تعينها كوصية على ماري، كاثرين براندون، تدخلت بعدها في محاولة لاستعادة ممتلكات توماس سيمور المصادرة لصالح ماري، وكتبت إلى ويليام سيسيل William Cecil، وهو رجل مهم ومن أصحاب النفوذ في بلاط إدوارد سيمور، تطلب منه الأموال اللازمة لرعاية ماري، واستمرت في الضغط من أجل إعادة الممتلكات التي كانت يفترض أن ترثها ماري عن والديها، حتى نجحت أخيرا، في يناير 1550، واستعادت ماري أراضي والدها بموجب قانون صادر عن البرلمان، ومن هنا أصبحت قصة ماري سيمور أكثر غموضا، لأنه لم يتم تقديم أي مطالبة على الإطلاق بعدها بشأن تلك التركة، كما لم ينفق أي فلس من التركة بالنيابة عنها، وقد دفع ذلك العديد من المؤرخين إلى استنتاج أن ماري سيمور، ماتت وهي لا تزال طفلة، وهو أمر شائع في ذلك العصر والذي شهدت أعداد ضخمة من وفيات الأطفال بسبب المرض، وقيل إن ماري سيمور توفيت وهي في الثانية من عمرها، ولكن لم يتم العثور على أي سجل أو حتى ذكر لوفاتها في ذلك الوقت، وأثيرت الكثير من التكهنات حول ذلك حيث توقع غالبية المؤرخين أن السجل الذي ذكر فيه تاريخ وفاة ماري سيمور قد ضاع، كما حدث مع الكثير من السجلات الأخرى خلال القرون التالية، في حين يعتقد قلة من المؤرخين أن ماري سيمور قد عاشت حتى سن البلوغ وتزوجت، ولكنها اختارت ألا تطالب بتركة والدها توماس سيمور، لضمان البقاء بعيدا تماما عن الحياة الملكية وما تحمله من مخاطر ومؤامرات.