تاريخ نشأة احتفالات اليوبيل الماسي الملكية وعلاقتها باحتفالات الذكرى السنوية الستين للزيجات
احتفالات اليوبيل الماسي....هذه العبارة وبالرغم من ندرة حدثوها في عصرنا الحديث (حيث يندر أن تصل فترة حكم ملك أوروبي إلى ستين عام)، أصبحت واحدة من أشهر العبارات في التاريخ الملكي، بفضل ارتباطاها باثنين من أشهر ملكات بريطانيا، الملكة فيكتوريا Queen Victoria، والملكة إليزابيث الثانية Queen Elizabeth II، حيث شاءت الأقدار أن تتوج كل منهما ملكة حاكمة لبريطانيا، وهي في سن صغيرة إلى حد كبير (الثامنة عشر في حالة الملكة فيكتوريا، والخامسة والعشرين في حالة الملكة إليزابيث الثانية) ونتيجة لذلك احتفلت كل منهما بإنجاز هائل وقلما يتكرر في العصر الحديث وهو البقاء على العرش لمدة ستين عام، وهي مناسبة تتطلب احتفالات ملكية ضخمة، أصبح العالم يعرفها باسم، احتفالات اليوبيل الماسي، ولكن متى وكيف نشأت ولماذا اختير لها هذا الاسم؟
متى وكيف نشأت احتفالات اليوبيل الماسي
نشأ مصطلح "اليوبيل الماسي" وتم استخدامه للمرة الأولى في أوائل تسعينيات القرن التاسع عشر، واستلهمت فكرته من الذكرى السنوية الماسية للزواج والتي تشير إلى ذكرى مرور ستين عام على الزواج، أما صاحب الفكرة فهو سياسي بريطاني يتمتع بالكثير من الذكاء والدهاء، أراد إثارة إعجاب الملكة فيكتوريا، ولأن الطريق لتحقيق ذلك، والتقرب من الملكة فيكتوريا، كما كان يعرف الجميع حينها، كان غالبا ما يكون بالإشارة إلى زوجها الحبيب والمتوفى منذ فترة سنوات طويلة، الأمير ألبرت Prince Albert، توصل السياسي الذكي إلى هذه الفكرة والتي تتلخص بتشجيع على إقامة احتفالات ملكية ضخمة بمناسبة الذكرى السنوية الستين لوصول الملكة فيكتوريا إلى العرش، واستلهام هذه الفكرة، من احتفال مميز بالنسبة للأزواج أصحاب الزيجات التي يصل عمرها إلى ستين عام، وبذلك نشأت فكرة احتفالات اليوبيل الماسي والتي أظهر من خلالها ذلك السياسي الماكر، ولائه للملكة فيكتوريا بشكل علني، وقام من خلالها أيضا بإنشاء احتفالات مستوحاة من فكرة احتفال مميز بزواج طويل وناجح، لا شك أنه سيذكر الملكة فيكتوريا، بزواجها الطويل والناجح بالأمير ألبرت والذي ظلت حزينة على وفاته، وترتدي ملابس الحداد السوداء، منذ وفاته في عام 1861 وحتى آخر يوم في حياتها، والتي استمرت لعدة عقود بعد وفاة زوجها.
يمكن القول أيضا أن فكرة احتفالات اليوبيل الماسي، بدأتها الملكة فيكتوريا، بسبب عادتها في تذكر-وتذكير من حولها-بزوجها الراحلة، في كل مناسبة هامة حياتها، وحياة أفراد عائلتها، والحديث عن افتقادها له في تلك المناسبات، بداية من احتفالات زفاف ابنيها الأكبر سنا، والتي تضمنت قيام الابنين، بناء على رغبة والدتهما، بالتقاط الصور في احتفالات زفافهما، بجوار تمثال نصفي لوالده الراحل، وحتى احتفالات الذكرى السنوية الخمسين لإعلانها ملكة، والتي أقيمت في عام 1887، وكانت إحدى ملاحظاتها الرئيسية في ذلك اليوم هي حزنها لتواجدها في تلك الاحتفالات الرسمية الضخمة، دون أن يكون بجوارها زوجها الحبيب، ليشاركها هذه اللحظات، ولم يكن الأمر أن فيكتوريا فرضت حالة من الوجوم على احتفالات اليوبيل في ذلك العام، أو رفضت فكرة الاحتفال، ولكن الحقيقة أنها أرادت حقا الاستمتاع بهذه الاحتفالات وتلك المناسبة المميزة في عهدها الملكي الطويل، واستخدامها في التأكيد على نفوذها وتأثيرها في الحياة الملكية، كما تبين لاحقا، مما كتبته في مذكراتها الشخصية بخصوص ذلك الشأن، ولكن غياب زوجها الحبيب في مثل هذا الوقت المميز في حياتها، أثر عليها بشدة.
انطباع الملكة فيكتوريا وانطباع مواطنيها عن احتفالات اليوبيل الماسي
فكرة احتفالات اليوبيل الماسي، لاقت ترحيب كبيرا في بلاط الملكة فيكتوريا، وهو ما ترتب عليه إقناع الملكة فيكتوريا، بالمضي قدما وتنفيذ هذه الفكرة، والتي لاقت نجاحا كبيرا بين أفراد الجمهور، ومع ذلك، فإن الاحتفالات الضخمة باليوبيل الماسي للملكة فيكتوريا، لم تكن مناسبة سعيدة بالنسبة للمكلة فيكتوريا، لأنها زادت من افتقادها لزوجها الراحل، كما هو الحال بالنسبة لجميع المناسبات الهامة والمميزة في حياة الملكة فيكتوريا، بالإضافة إلى حقيقة أن الملكة فيكتوريا تحملت الجزء الأكبر من تكاليف إقامة هذه الاحتفالات الضخمة من أموالها الشخصية، حتى لا تحمل الدولة تكلفة تلك الاحتفالات الضخمة التي تحتفل بمرور ستين عام على صعودها إلى العرش، ولذلك يمكن القول إن احتفالات اليوبيل الماسي للملكة فيكتوريا، كان بالنسبة للملكة فيكتوريا، مناسبة تسببت في إهدار الكثير من وقتها وجهدها وأموالها، وقامت بتذكريها بألم فقدان زوجها الراحل، ومع ذلك فلقد أدركت مثل حكومتها أن فكرة إقامة مثل ذلك الاحتفال، ضرورية باعتبارها احتفال شعبي جديد، سيساهم في إسعاد أفراد الجمهور وإظهار ولائهم للملكة، إلى جانب كونه مناسبة مثالية لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بدول الجوار والعائلات الملكية الأوروبية الأخرى، بفضل دعوة ممثلين عن هذه الدول والعائلات الملكية العديدة إلى هذه الاحتفالات والتي تحولت لاحقا إلى حدث دبلوماسي ضخم.
منذ ذلك الحين
لقد ظل مصطلح "اليوبيل الماسي" عالقا في الأذهان، وتقليد ملكي شهير، ومميز للغاية، واشتهر بشكل خاص، بعد أن احتفالات الحفيدة الكبرى للملكة فكتوريا، وهي الملكة إليزابيث الثانية، باليوبيل الماسي لعهدها، في عام 2012، والذي ربما كان أيضا، العام الأكثر نجاحا في عهدها التاريخي.
إن الاستمرار ستين عام من الحكم يعد إنجازا كبيرا، بدون شك في عصرنا الحالي، وهو ما ينطبق أيضا على الزيجات الناجحة التي تستمر لمدة ستين عام، ولذلك لا تزال احتفالات اليوبيل الماسي الملكية ترتبط ارتباط وثيق باحتفالات الذكرى الماسية للزيجات بالنسبة للعائلة المالكة البريطانية، حتى أن الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، اعتادت على إرسال التهاني إلى أولئك الذين يحتفلون بستة عقود من الحياة الزوجية، وهو تقليد استمر فيه الملك تشارلز الثالث King Charles III، وزوجته الملكة كاميلا Queen Camilla حتى أنهما قاما مؤخرا بإرسال التهاني، لجدي تحرير رويال سنترال، تشارلي بروكتور Charlie Proctor، بمناسبة الذكرى السنوية 60 لزواج جديه في يوم 12 أكتوبر 2023، وهي احتفال زواج مميز سيظل إلى الأبد يرتبط بمناسبة ملكية مميزة للغاية – اليوبيل الماسي.