من هي الملكة البريطانية الطموحة التي اتهمها أعدائها بأنها ساحرة
كلمتي ملكة وساحرة ليستا من الكلمات التي تتماشى معا، فلطالما ما كانت الساحرات يوصفن في الأعمال الأدبية والفنية، بأنهن نساء شريرات يقفن في طريق الملكات الطيبات والأميرات الجميلات أثناء بحثهن عن نهاية سعيدة، لذلك فإن استخدام كلمة ساحرة عند وصف الملكات غالبا ما تكون شكل من أشكال الانتقاد للملكات صاحبات النفوذ والقوة ممن يصعب انتقادهن صراحة أو طريقة يستخدمها الأعداء والمنافسين السياسيين للملكات للإساءة إليهن والتقليل من شأنهن، والأمثلة على ذلك كثيرة، وخاصة في التاريخ البريطاني، فعندما تزوج الملك هنري الثامن Henry VIII of England، صاحب النفوذ القوي والسلطة المطلقة في ذلك الوقت من آن بولين Anne Boleyn، بعد طلاقه لزوجته الأولى، كاثرين من أرغون Catherine of Aragon، والذي اعتبره الكثيرون من شعبه وقتها، بأنه طلاق غير شرعي، لم يجد عموم الشعب وقتها طريقة للتعبير عن غضبهم من طلاق ملكتهم المحبوبة كاثرين، وزواج ملكهم من آن بولين، سوى بوصف الأخيرة بأنها ساحرة، وسرعان ما انتشرت شائعات تتحدث عن تحالف آن بولين مع الشيطان واستخدامها للسحر الأسود للزواج من الملك، والمثير للاهتمام أن هنري الثامن استخدم هذه الشائعات للتخلص من آن بولين لاحقا، للزواج من زوجته الثالث جين سيمور Jane Seymour، أعلن صراحة أنها قامت بغوايته باستخدام السحر، قبل أن يتهمها بالزنا والخيانة، وينهي حياتها بإعدامها بهذه التهم (والتي يؤكد الكثير من المؤرخين أنها لا أساس لها من الصحة.
الملكة إيزابيلا من أنجوليم الملكة التي وصفها أعدائها بأنها ساحرة
بالإضافة إلى آن بولين، هناك ملكة بريطانية أخرى اتهمت بأنها ساحرة، وهي الملكة إيزابيلا من أنجوليم Isabella of Angouleme، إيزابيلا كانت مثل آن بولين ملكة قرينة، ووصفت بأنها واحدة من أكثر الملكات إثارة للجدل في العصور الوسطى، ولكن ولكي نكون منصفين لإيزابيلا، فإن زوج إيزابيلا، وهو الملك جون King John، كان هو الآخر مثير للجدل وكان أيضا سببا رئيسيا في الكثير من الجدل المثار حول إيزابيلا واتهام أعدائها لها بأنها ساحرة.
كيف أصبحت إيزابيلا من أنجوليم ملكة
لكن قبل أن نتحدث عن قصة إطلاق لقب ساحرة على الملكة إيزابيلا من أنجوليم-وهو اللقب الذي لاحقها لبقية حياتها-دعونا نتعرف معا على قصة حصولها على لقب ملكة، كانت إيزابيلا على الأرجح تبلغ من العمر اثني عشر عام تقريبا عندما تزوجت من جون عام 1200، وجاء زواجهما بعد وقت قصير من انتزاعه عرش إنجلترا بعد وفاة شقيقه ريتشارد الأول Richard I، إيزابيلا كانت قبل ذلك مخطوبة للملك هيو التاسع ملك لوزينيان Hugh IX of Lusignan، لكن عائلتها اختارت تزويجها بالملك الإنجليزي الجديد جون، باعتباره الخيار الأفضل من حيث القوة والنفوذ، إيزابيلا وصفت بأنها كانت رائعة الجمال، ولكن جمالها لم يكن فقط ما لفت انتباه الملك جون، وجعله حريصا على الزواج منها، فعائلتها كانت أيضا تتمتع بنفوذ كبير، وكانت أداة مفيدة للغاية بالنسبة له في معاركه الفرنسية، ولكن بعد وقت قصير من وصولها إلى إنجلترا، تعرضت سمعة إيزابيلا للهجوم، ووصفت بالساحرة.
لهذا السبب وصفت الملكة إيزابيلا من أنجوليم بالساحرة
بعد وقت قصير من وصول إيزابيلا من أنجوليم إلى إنجلترا وإعلانها ملكة قرينة للملك جون، بدا من الواضح أن الملك جون متعلق للغاية بزوجته الشابة، وكان حريصا للغاية على رعايتها، لدرجة أن بعض المقربين من الملك (وحتى بعض المؤرخين لاحقا) اتهموا إيزابيلا بأنها قامت بإغراء زوجها الملك بعيدا عن واجباته، وادعى المؤرخ البريطاني الشهير من القرن الثالث عشر، روجر من ويندوفر Roger of Wendover، أن مشاكل جون في نورماندي كانت جزئيا خطأ ملكته حيث ادعى روجر من ويندوفر أن الملك جون كان مشتتا عن حملاته العسكرية في نورماندي بسبب زوجته، وعلق روجر على ذلك قائلا: "لقد قيل إنه كان مفتونا بها بسبب السحر أو الشعوذة".
على العكس من روجر من ويندوفر والذي لمح فقط بأن الملكة إيزابيلا من أنجوليم قد سحرت زوجها الملك جون، قام كثيرون آخرون من أعدائها وأعداء الملك جون بوصفها صراحة بأنها ساحرة وبأنها استخدمت السحر الأسود لإغواء زوجها الملك جون
وظل وصف ساحرة مرتبط بإيزابيلا، منذ ذلك الوقت وحتى نهاية حياتها، والحقيقة أن إيزابيلا نفسها لم تفعل الكثير لاسترداد سمعتها الجيدة، خلال زواجها من الملك جون والذي أنجبت خلاله ولدين وثلاث بنات، وحتى بعد وفاته في عام 1216، بعد أن فقد عرشه، فبعد فترة قصيرة من وفاة زوجها، تزوجت إيزابيلا من هيو إكس دي لوزينيان Hugh X of Lusignan، ابن خطيبها السابق، هيو التاسع ملك لوزينيان، والأكثر إثارة للجدل أن هيو إكس دي لوزينيان كان يفترض أن يتزوج من ابنة إيزابيلا الكبرى، جوان، زواج مدبر، ولكن قيل إن هيو أعجب بجمال وذكاء إيزابيلا وقرر الزواج منها بدلا من ابنتها.
كيف انتهت حياة إيزابيلا بالنفي إلى دير
زواج إيزابيلا الثاني كان زواج مستقرا وناجحا وكانت إيزابيلا خلال السنوات الأولى من زواجها بعيدة عن الصراعات والنزاعات السياسية إلى حد كبير، سواء كانت في وطنها الأم فرنسا أو في وطنها الثاني إنجلترا، والذي كان يحكمه وقتها، ابنها هنري الثالث Henry III of England (والذي أنجبته من زوجها الأول الملك جون)، واستمر الأمر كذلك حتى اضطرت إيزابيلا وزوجها هيو في عام 1241، إلى أداء قسم الولاء لشقيق الملك الفرنسي، لويس التاسع Louis IX، ويقال إن والدة الملك، عاملت إيزابيلا وقتها بتعالي، وكسيدة نبيلة عادية، وليست كملكة أرملة ووالدة ملك إنجلترا، مما أغضب إيزابيلا كثيرا، ويقال أيضا إن ما دار بين إيزابيلا ووالدة الملك، كان سبب رئيسيا وراء دفع إيزابيلا لتشكيل تحالف ضد لويس التاسع، بعدها بفترة وجيزة، وإن كان هناك بالطبع العديد من الأسباب الأخرى التي دفعت إيزابيلا وهيو إلى اختيار مثل هذا المسار الخطير، والذي كان في النهاية سبب في اتهامها بالتآمر على تسميم الملك لويس التاسع، ففي عام 1244، قيل إن اثنين من الطهاة الذين تم القبض عليهما للاشتباه في تسميم الملك لويس اعترفا بأن إيزابيلا دفعت لهما المال في مقابل القيام بذلك، وفي حين أن الاتهام لم يكن قد وجه رسميا لإيزابيلا بعد، إلا أن إيزابيلا والتي لاحقتها تهم السحر في الماضي، ووجدت نفسها في موقف حرج بسبب معارضتها الواضحة للويس التاسع، لم ترغب في المجازفة ومحاولة إثبات براءتها، وهربت إلى دير فونتيفرود حيث مكثت هناك لبقية حياتها حيث عاشت آمنة من أعدائها، ومن اتهاماتهم لها بالسحر، حتى توفيت هناك في 4 يونيو 1246.
كيف تحدث المؤرخون عن إيزابيلا لاحقا
بالرغم من الشائعات التي لاحقت إيزابيلا طوال حياتها وحتى بعد وفاتها إلا أن سمعتها تعافت خلال القرون التي تلت ذلك، وخاصة في موطنها الأم فرنسا، حتى أن الكاتب الفرنسي الشهير ويليام دي نانجيس William de Nangis قال إن حقيقة معارضتها للويس التاسع، وما تردد عن تورطها في مؤامرة تسميم لويس - بغض النظر عما إذا كانت قد شاركت بالفعل في ذلك أم لا - أظهرت مدى قوة شخصيتها، والحقيقة أن الكثيرون يتفقون مع ويليام دي نانجيس في أن الملكة إيزابيلا من أنجوليم كانت امرأة قوية الإرادة وحازمة وطموحة، وهو ما تظهره قصتها بكل تأكيد، ولكن ربما تظهر قصتها أيضا مدى سهولة ربط صفات سلبية مثل "السحر والشعوذة" بامرأة قوية طموحة لديها الكثير من الأعداء، خاصة إذا كانت ملكة.