خاص "هي"- فيلم "إن شاء الله ولد".. كل الرجال أشرار؟!
الإقبال على مشاهدة فيلم "إن شاء الله ولد" للمخرج أمجد الرشيد كان متوقعًا، الفيلم يعرض لأول مرة عربيًا بعد مشاركته في مهرجان "كان" السينمائي، والأهم بعد اختياره لتمثيل السينما الأردنية في سباق أوسكار أفضل فيلم أجنبي، بالتالي اتجهت الأنظار مرتين إلى قاعات سينما مهرجان البحر الأحمر بحثًا عن إجابة السؤال المتكرر مع كل حالة مماثلة: هل يستحق الفيلم فعلا العشر جوائز التي حصل عليها حتى الآن والترشح للأوسكار؟
قصة بسيطة متكررة بحرفية فنية عالية
بكل تأكيد الإجابة نعم، الفيلم من الناحية الفنية تمت صياغته بحرفية عالية؛ قصة غاية في البساطة والتكرار في معظم المجتمعات العربية، ملايين من هذه القصص يعرف تفاصيلها من يعملون في المحاكم خصوصًا المختصين بقضايا الأسرة، ربما عكس ذلك الرتابة التي اتسم بها –عن قصد– أداء القضاء والقرارات المتوقعة مسبقا من كل قاضٍ لأنه ببساطة ينظر إلى الورق لا إلى البشر.
قضية متكررة تبدأ بوفاة مفاجئة لزوج وأب لطفلة وحيدة، لتنقلب حياة الأم رأسًا على عقب، الشقة باسم الزوج لكنها ساهمت في تسديد الأقساط من خلال عملها كممرضة في منزل عائلة مسيحية ثرية، لا شيء يثبت أنها شريكة في المنزل، لكن القانون والشرع يعطي للعم الحق في الحصول على نصيب لأن شقيقه لم ينجب ذكرًا.
تبدأ معركة تدخلها الأم "منى حوا" بدون أسلحة تذكر، العم يريد بيع سيارة الشقيق الراحل لتسديد بعض الديون ويريد بيع الشقة على أن يقسم عائدها بينه من جهة وبين الأرملة واليتيمة من جهة أخرى، ضغوط من كل جانب تحيط بالبطلة تتوازى معها ضغوط أخرى تحيط بابنة العائلة المسيحية التي تعاني خيانة زوجها ولا تملك دليلًا تقدمه للكنيسة، ثم تبدأ المفارقة؛ الزوجة المسيحية حامل ولا ترغب في الإنجاب، والأرملة المسلمة تدّعي أنها حامل لتؤجل قرار إخلاء الشقة حتى الوضع.
أليس فيهم رجل رشيد؟
وسط كل ما سبق، الرسالة المباشرة موجودة؛ كل الرجال سيئون في هذا الفيلم، سواء الحاضر أو الغائب، سواء المتحجج بالشرع أو بالحب.
• الأب الراحل تكتشف الزوجة أنه لم يدخلها أبدًا في حياته، لم تكن تعرف بديونه أو مشكلاته في العمل واكتشفت خيانته لها بعد الرحيل وبالصدفة البحتة، فقط لأنها كان يعاملها كشريكة سكن وليست كحبيبة وزوجة وأم لطفلته الوحيدة.
• شقيق الأب يعاني من ضائقة مالية، مصدوم لرحيل شقيقه لكن "الحي أبقى من الميت"، يريد بيع السيارة للحصول على أموال أخذها منه الأخ الراجل، يعيش في شقة بالإيجار ويريد حقه في شقة تمليك هي كل ما لدى الأرملة وابنتها.
• الأخ يحب شقيقته ويحاول مساعدتها لكنه من جهة فقير ولا يملك تقديم أي أموال لإسكات العم، وفي نفس الوقت يعيش بالعقلية نفسها ويرى أن العم غير مخطئ وأن شقيقته عليها أن تجلس في البيت فترة الحداد، ويرفض طبيعة عملها التي تمنعها من الرد على الهاتف الجوال.
• زميل العمل يبدأ الطمع في الأرملة في رابع أيام الوفاة، يريد أن يقيم معها علاقة مدعيًا الحب لا الشعور بالمسئولية، تكاد تستسلم لكنها تفيق وترفض الحصول على مساعدة مادية قد تكلفها علاقة جسدية.
• زوج الشابة المسيحية لا يظهر مطلقًا لكنه دمر حياتها بخياناته المتعددة، وعندما علم بخبر الاجهاض مارس ضدها كل أشكال القهر.
• طبيب الإجهاض يعلم أن ما يفعله حرام لكنه يمارس ذلك بحجة أنه يجري فقط العمليات المبكرة قبل بث الروح في جسد الجنين.
الفيلم إذن ينتصر للمرأة في قضايا تبدو عادلة للغاية لكنه ينمّط الرجل تمامًا، ويجعله وحده مسئولا عن تنفيذ قوانين وشرائع لا يريد الناس التعامل مع روحها وليس نصوصها المكتوبة، لكن أليس في المجتمع رجال يؤيدون حقوق المرأة، هل كان من الصعب على الأرملة "نوال" أن تجد رجلا واحدًا متفهمًا يحاول أن يساعد دون أن يطلب المقابل؟
رمزية الفأر والسيارة
ربما كان الشريط ليصبح أكثر تماسكًا لو لم يتغافل عن وجود أنماط عديدة من الرجال كما قدم السيدات بالشكل نفسه؛ فسيدة العائلة المسيحية تنصر الزوج الخائن على ابنتها خوفًا من التقاليد، فيما الابنة والبطلة يصدمان ويبحثان عن حلول وإن بدت متوقعة للمتفرج فور اكتشاف السيدة المسيحية حملها بينما تحاول البطلة الحصول على اختبار حمل إيجابي كاذب.
على المستوى الفني نجح المخرج أمجد الرشيد في تقديم شريط جذاب سينمائيا، بممثلين كلهم مناسبين للشخصيات حتى من ظهروا في لقطات معدودة مثل الشاب المتحرش، معتمدًا مع السيناريست رولا ناصر على تكرار الرموز على مدى الأحداث، بداية من المشهد الافتتاحي حيث تحاول البطلة إنقاذ قطعة ملابس داخلية من السقوط لكن من وراء ستار خوفًا من الحرج الاجتماعي، ثم تزامن ظهور الفأر في المطبخ مع دخول العم للشقة ومحاولة إخراجهما منها، ثم الرمز الأهم السيارة التي تركها الأب وهي لا تعرف كيف تقود أو تحركها وبعد تدريبات مع زميل العمل المستقل اكتسبت الثقة الكافية لقيادة السيارة وتحريكها، خصوصا بعدما أظهرت الاختبارات أنها بالفعل حامل لكن سينتظر الجميع معاد الوضع، فلو أن المولود ذكر سيخسر العم السباق ولو أنه أنثى فكأنها حصلت فقط على هدنة من الحصار المجتمعي، ليترك المخرج السؤال مفتوحًا تأكيدًا على أن القضية ستظل متكررة طالما القانون ينصر الذكر، ويخرج الجمهور متعاطفًا مع البطلة وداعيًا مثلها "إن شاء الله ولد" .
الفيلم من إخراج أمجد الرشيد يشاركه التأليف دلفين أوغت ورولا ناصر، وبطولة منى حوا وهيثم عمري ويمنى مروان وسلوى نقارة ومحمد جيزاوي وإسلام العوضي وسيلينا ربابعة، وإنتاج The Imaginarium films (رولا ناصر وأسيل أبو عياش) بمشاركة بيت الشوارب (يوسف عبد النبي) وجورج فيلمز (نيكولا لوبرتر ورافايل آلكساندر)، والمنتجين المشاركين علاء كركوتي وماهر دياب وشاهيناز العقاد، وتشارك Lagoonie Film Production في مهام توزيع الفيلم في العالم العربي، بينما تتولى شركة Pyramide International المبيعات الدولية.