خاص "هي" مهرجان برلين السينمائي 2024- "Small things like these".. حزن مكثف ودائرة من الغموض والمبالغة
على عكس السنوات الأخيرة، يفتتح مهرجان برلين دورته 74 هذا العام بفيلم ذات طابع مأساوي بعض الشيء رغم أن أحداثه تدور في وقت احتفالات رأس السنة! الفيلم هو "Small Things Like These" (أمور صغيرة مثل هذه) للمخرج الإيرلندي تيم ميلانتس، وبطولة كيليان ميرفي، الذي يشارك أيضًا في إنتاج الفيلم.
الفيلم المبني على رواية بالعنوان نفسه للكاتبة كلير كيغان، تدور أحداثه في عام 1985، إذ نتابع بل فورلونغ (ميرفي) الذي يعمل في بيع الفحم، ويعتني بأسرته المكونة من زوجته وخمس بنات في المراحل الدراسية المختلفة. يكتشف بِل أمرًا غريبًا في دير الراهبات الذي يوصل إليه الفحم، مما يجعله يعيد النظر في ماضيه وحاضره.
بشكل ربما غير مقصود، يقسم المخرج فيلمه إلى نصفين، الأول نتابع فيه بائع الفحم وأسرته واستعدادهم لأعياد رأس السنة، لكن فورلونغ حزين لسبب نحاول أن نعرفه. وأقول هنا "نحاول" ليس لأننا سنقطع شوطًا طويلًا لاكتشاف سر الحزن، ولكن لأننا لا ندرك السبب الحقيقي وراء انفجار أحزانه حتى نهاية الفيلم!
ينتقل الفيلم بشكل متكرر بين الحاضر وماضي بِل، حين نشاهده طفلًا تعمل أمه في الخدمة في إحدى البيوت، بينما نُدرك أنها أم عزباء، ولهذا فإن بِل يحمل لقب عائلته، وهو ما يبدو أنه ترك آثاره بشكل قوي على شخصيته حتى بعد مرور السنوات.
يعكس المخرج حالة الوحدة والضياع التي يعانيها بطله، بتقديمه كلا بطل، لا نشاهده في الكثير من اللقطات القريبة، تتابعه الكاميرا من مسافة، ونشاهده فردًا وسط آخرين في بعض المشاهد أيضًا، فهو لا يشعر يملك قوة أو ميزة خاصة، كما إنه يشعر داخله بالضياع.
حتى منتصف الفيلم سيمكننا تقبل هذه الحالة، لكن السؤال الذي سيراود جميع المشاهدين: لماذا هو حزين؟ يحاول النصف الثاني الإجابة عن هذا السؤال عندما يصطدم بِل بفتاة داخل الدير تطلب منه أن يساعدها في الهرب.تذكره هذه الفتاة بأمه، إذ أن الكثير من الفتيات في هذا الدير يُجبرن على الإقامة فيه نتيجة حملهن خارج إطار الزواج، بينما يؤخذ أطفالهن منهن. وهنا ننتقل إلى الجزء الثاني من الفيلم، وهو صراع بطل الفيلم الداخلي، إن كان يجب أن يشتبك مع الدير وما يمثله من سلطة دينية، من أجل أن يساعد الفتاة، أم يتجاوز الأمر لأنه لا يخصه.
مشكلة هذا الفصل أنه كان مكررًا بشكل كبير، بالإضافة إلى أنه قدم شخصية الراهبة رئيسة الدير (إميلي واتسون) في صورة الشخصية الشريرة بشكل شديد التقليدية، فهي شخصية قوية وجافة تتصنع الود بشكل واضح، فلا نكاد نشعر حتى بإيمانها بما تفعله، حتى وإن اختلفنا معه.
رغم أننا نقترب أكثر من الشخصية الرئيسية في هذا الفصل، ونشاهد التحول الذي يمر به عن قرب فإننا نشعر بمزيد من الابتعاد عن عالمه الخاص المكون من أسرته وزوجته بالأساس، لا نكاد نشاهد بناته إلى في بعض اللقطات، بينما لا يقنعنا الفيلم بأن هذه الزوجة هي شريكة حياته، بل كأنه يعرفها منذ يومين ولا تعرف عنه هي شيئًا.
لا نجد تفسيرًا واضحًا لسبب انفجار حالة الحزن داخل بِل في هذه السنة تحديدًا، حتى وإن حاول السيناريو أن يربط بين بعض مآسيه وفترة رأس السنة، فإنه بالتأكيد مر بالكثير من الأعياد خلال سنوات زواجه وبعد رحيل أمه، فما الجديد هذه المرة؟ ولماذا يبدو أن أحزانه ظهرت كأنها مرض أصابه وظهرت أعراضه بأكملها بين يوم وليلة؟
على هذا فإن مشاهدة كيلين ميرفي في الدور ممتعة، فحتى وإن لم نفهم سر حزن البطل فإننا سنشعر به جليًا من خلال ميرفي، ودون حوارٍ حتى، هذا رجل يحمل الكثير من الهم دون أن يتفوه بكلمة. يعزز مشاعر الأسى الإضاءة المميزة التي تميل إلى المزيد من الظلام، والتي تعد من أفضل عناصر هذا الفيلم.
ربما يكون اختيار المهرجان لفيلم الافتتاح مختلفًا كما ذكرنا، ولكن مخرج الفيلم لم يجعلهم يهنأون بهذا الاختلاف إذ كان يحتاج إلى أن يدرس حالة المأساة التي قدمها بشكل أعمق.