لقطة من فيلم "Orion and the Dark"

فيلم "Orion and the Dark".. رسائل فلسفية في أنيميشن لطيف عن الخوف من الظلام!

إيهاب التركي
23 فبراير 2024

يطرح فيلم الأنيميش "أوريون والظلام" "Orion and the Dark"، الذي بدأت شبكة "نتفليكس" عرضه مؤخرًا، عدد من الأفكار الفلسفية العميقة؛ بعضها مُباشرًا، بعيون المُتفرج الناضج، أما فئة الصغار ستنجذب إلى الشخصيات اللطيفة المرحة، وستستمتع برحلة البطل الطفل لمواجهة مخاوفه من الظلام وأشياء أخرى. 

مواجهة المخاوف!

ربما تبدو الشخصيات الخيالية التي تصاحب الطفل في رحلته؛ مثل الأرق والأحلام السعيدة والنوم والضوضاء الغامضة، أشبه بشخصيات فيلم "Inside Out"؛ البهجة والخوف والحُزن والغضب، وهذا الشبه ظاهري وعابر؛ لأن سيناريو "أوريون والظلام" يتعامل بالأساس مع قضايا أكثر عُمقًا من فيلم بيكسار، ويمنح مساحة كبيرة لفكرة التعامل الجانب المُختلف والقاتم للحياة، كمُقابل يؤكد وجود الضياء والبهجة والألوان.

ف

الفيلم إنتاج وتنفيذ شركة "دريم ووركس"، مأخوذ عن قصة أطفال بنفس العنوان، تأليف الكاتبة "إيما يارليت"، واخراج "شين شارميتز"، وهو مخرج وكاتب وفنان ستوري بورد لعدد من أفلام الأنیميشن، وكتب سيناريو "أوريون والظلام" الكاتب "تشارلي كوفمان"، المعروف بأعماله التي تُقدم أفكارًا ومُعالجات سينمائية أصيلة، قدم خلال رحلته الإبداعية عدد من الأعمال شديدة التميز؛ من أبرزها "أن تكون جون مالكوفيتش" "Being John Malkovich"، وفيه يكتشف البطل، مُحرك الدمى، بوابة سرية، تؤدي إلى عقل النجم السينمائي "جون مالكوفيتش"، ودراما الرومانسية والخيال العلمي "الإشراق الأبدي للعقل الناصع" "Eternal Sunshine of the Spotless Mind"، وفي هذا العمل الحاصل على أوسكار أفضل سيناريو أصلي، يسعى البطل لإجراء عملية لمسح كل ذكريات علاقته بفتاة أحبها وهجرته وأجرت عملية مُشابهة، ولكنهما يلتقيان مرة أخرى ويقعان في الغرام مرة أخرى، دون أن يذكر أحدهما علاقتهما الماضية.

ف

الظلام الطيب!

يأخذنا سيناريو "تشارلي كوفمان" في عالم قريب من عوالمه الغريبة، مع قدر أقل من التعقيد بالطبع، نتابع رحلة الطفل "أوريون" لمواجهة مخاوفه، و"أوريون" تلميذ عمره 11 عام، لديه قلق وخوف من كل شيء حوله، قائمة مخاوفه طويلة؛ النحل، السقوط من ناطحات السحاب، المُتنمرون وأمور أخرى. 

هو أيضًا يخجل من التواصل مع سالي، الفتاة التي يميل إليها، أما رُعبه الأكبر هو الظلام؛ بعد أن مل من تذمره وذعره وصراخه في أثناء نوبات الهلع يتجسد له هذا الظلام على هيئة كائن أسود ضخم، يتباهى بقائمة كبيرة تضم أسماء من يخافون منه، نكتشف لاحقًا أن ظلام أيضًا لديه مخاوفه؛ وهي أن يتخلى عنه الآخرون.

ف

مهمة صعبة إقناع طفل مذعور وجبان أن الظلام ليس وحشًا، وأنه مُجرد ظاهرة ترتبط بالليل، يستمر وجوده عدة ساعات، حتى يبزغ ضوء النهار. يحاول الظلام "بول والتر هاوسر" تهدئة مخاوف أوريون "جاكوب تريمبلاي"، ويصحبه في رحلة ليلية للتعرف على معاونيه وطبيعة عمله.

الجزء الأول من الفيلم يبدو رتيبًا وتقليديًا؛ فهو مثل أي دراما بسيطة عن طفل لديه عُقدة أو خوف من أمر ما، ونعلم أنه سيتجاوز هذا الخوف في نهاية الفيلم، وبالفعل تحدث صداقة غير مُتوقعة بين أوريون والظلام، إذًا أين الحبكة الحقيقية؟ على عكس المُتوقع في مثل هذه النوعية من أفلام الأنیميشن لم يمنح الفيلم المغامرة الكثير من الوقت والتفاصيل.

غ

رحلة الليل والنهار!

نتجاوز مخاوف "أوريون" من الظلام ونصل إلى علاقته المتوترة بمعاونيه؛ "أرق- نات فاكسون" و"أحلام سعيدة- أنجيلا باسيت" و"ضوضاء غامضة- جولدا روشوفيل" و"هدوء- أبارنا نانشير" و"نوم- ناتاسيا ديمتريو"؛ وهي شخصيات مُعاونة للظلام تنشط في الليل، وتبدو في عيون "أوريون" شخصيات شريرة ومُريبة؛ حيث يتابع همس "أرق" في آذان النائمين بأمور مُخيفة تحرمهم من النوم، و"نوم" يستخدم مِطرقة ومنديل مُخدر وأشياء أخرى سخيفة لدفع الأشخاص للنوم، وتصل اختلافاته معهم إلى ذروتها حينما يُفسد أعمالهم في أثناء حضوره مُباشرتهم لمهامهم.

الفيلم لا يكتفي بقشرة حكاية الطفل الخائف من الظلام، أو حتى الفصل الثاني من الحكاية؛ حينما يتحول الخوف من "ظلام" إلى صداقة ورحلة مُلهمة، ويذهب الطفل إلى منطقة الشك؛ إذ يزرع - دون قصد - في عقول مساعدي الظلام أفكارًا مُربكة عن جمال النهار والضياء والألوان، ويفكر الجميع في الانضمام إلى الجانب الأخر؛ الأكثر بهجة وإشراقًا.

تر

الثلث الأخير من الفيلم مُحمل بكثير من التوريات الفلسفية التي لا تُفسد متعة الفيلم وبساطته، وهي تُضيف طبقات من الأفكار التي تقبع أسفل فكرة تجاوز رهاب الظلام والتواصل مع الآخرين؛ السيناريو لا يتعامل مع شخصيات بطولية تعرف الصواب دائمًا، وعلى الرغم من أنها تبدو مُبهرة ومُعتدة بمهاراتها، نجدها مرتبكة أحيانًا، وتواجه فشلها وندمها؛ فالضوء المغرور بنوره وألوانه وإشراقه لا يستطيع العمل وحده دون الظلام، ولا بأس من الخوف أحيانًا؛ فهو جزء أصيل من طبيعة الإنسان، دون أن يمنع الخوف من الحياة.

الفيلم يستمر في سرد حكايته بكل تفاصيلها العاطفية، في حكاية موازية أخرى، تتحول فيها القصة التي نُتابعها إلى حكاية أطفال ليلية يحكيها "أوريون" الناضج "كولن هانكس" إلى ابنته الصغيرة، وتتداخل حكايات المستقبل مع الماضي في خيط درامي إضافي يتضمن سفر عبر الزمن وكائنات شريرة ترغب في القضاء على "ظلام".

قدم كلا من "بول والتر هاوسر" و"جاكوب تريمبلاي" أداء صوتي جذاب، ومنحا علاقة "ظلام" و"أوريون" حالة لطيفة، ونجح المخرج "شين شارميتز" في تقديم مشاهد الظلام بشكل بصري جميل، وهي مهمة صعبة في حكاية تدور أغلب أحداثها في الظلام.

ل

الصور من موقع Dreamworks ولقطات من تريلر الفيلم