خاص "هي" مهرجان برلين السينمائي 2024- فيلم "شاي أسود".. عندما يؤدي تعدد النكهات إلى غياب الطعم
بعد غياب 10 سنوات كاملة من فيلمه الأبرز "Timbuktu" (تيبموكتو) الذي حصل على العديد من الجواز ورُشح للأوسكار، يعود المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو بفيلمه الجديد "Black Tea" (شاي أسود)، المشارك في مسابقة مهرجان برلين في دورته الرابعة والسبعين، ولكنها لم تكن العودة المنتظرة على الإطلاق.
تبدأ الأحداث بحفل زفاف مجمع، ونشاهد العروس آية (نينا ميلو) ترفض الموافقة على عريسها أمام الجميع، ثم تنتقل إلى الصين لتعمل في محل متخصص في بيع الشاي، يديره الصيني ساي (تشانغ هان)، يتقرب الاثنان من بعضهما، ويؤثر كل منهما في الآخر، ليس فقط على المستوى الشخصي بل أيضًا على مستوى الأسرة في ما يخص ساي. في الحقيقة تأتي بداية الفيلم مشوقة وتعد بالكثير جدًا. لدينا هذا اللقاء النادر بين الثقافة الإفريقية والآسيوية، في إطار غير معتاد وداخل الصين، كم فيلم رأينا فيه هذا التلاقي؟ عادة ما يهتم كل مخرج -في الأفلام المشابهة- بعرض ثقافة بلده، أو بعرض ثقافة بلد أخرى، مثلما نشاهد في الكثير من الأفلام الأوروبية الاستشراقية، ولكن سياسكو اختار هذه الزاوية المختلفة.
لن نحتاج وقتًا طويلًا حتى ندرك أن الشاي الذي نشاهد في الفيلم الكثير من أنواعه وطرق تحضيره، هو إشارة إلى التنوع الثقافي والشخصي، مثل الموجود في شخصيات الفيلم، لكن الأزمة أن مشاهد تحضير الشاي كانت أكثر ثراءً من تركيبة الشخصيات نفسها، وأكثر وضوحًا أيضًا في وضعها داخل الفيلم. إذا وقفنا عند الشخصية الرئيسية، آية، فإننا لن ندرك حتى نهاية الفيلم سر متابعتنا لهذه الشخصية. آية هي شخصية قوية وعقلها حاضر، كما نُدرك من المشهد الافتتاحي، لكن ماذا بعد؟ إعجابها بساي وتعاملها مع أصدقائها الأفارقة في المنطقة، أو زملاء عملها الآسيويين لم يضف الكثير إلى الفيلم أو إلى شخصيتها، فكما تبدأ تنتهي.
وبينما يبدو "شاي أسود" في البداية وكأنه يركز على شخصية آية بشكل رئيسي، فإنه سريعًا ما يفسح مساحات كثيرة للشخصيات الثانوية، مثل زميلتها في العمل، وصاحبة محل تصفيف الشعر الذي تذهب إليه، وجارتها في العمل صاحبة محل الحقائب، وحتى أحد أفراد الأمن الذي لا يظهر إلا في مشاهد معدودة جدًا. إن عدنا إلى الفكرة التعدد الثقافي والاختلافات التي ذكرناها، فإن هذه الشخصيات يمكن أن تكون إضافة غنية للفيلم، ولكن المشكلة أن السيناريو كان تائهًا بين التركيز على آية نفسها، وبين الآخرين في مشاهد أخرى، وكانت النتيجة أننا لم نتمكن من ملاحظة قيمة هذه الشخصيات بشكل حقيقي، أو حتى متابعة تأثيرهم على بطلة الفيلم.
الأمر نفسه يحدث عندما نتابع ساي، الذي تضم حياته الكثير من التفاصيل، زيجة غير ناجحة، وابنة تعيش بعيدًا عنه وابن يعيش معه، وهو يعاني جراء كل هذا التاريخ الأسري الصعب. مرة أخرى، إن كنا شاهدنا هذه التفاصيل بتركيز أكبر داخل السيناريو لكانت النتيجة اختلفت، ولكن ساي هو الآخر تاهت تفاصيل حياته وسط تفاصيل الشخصيات الأخرى، فحتى علاقتة بآية لا يمكن الوقوف على كونها قصة حب حقيقية داخل الأحداث أم ممكن إعجاب عابر بينهما.
لا تنتهي أزمات الفيلم هنا، فمع كل الإشارات التي يرسلها سيساكو عن التنوع من خلال مشاهد الشاي، فإنه لا يكتفي بها بل يتجه في الفصل الأخير إلى استخدام حوار شديد المباشرة على لسان الشخصيات، بعبارات عن أهمية احترام الاختلاف ونصائح بين الأجيال المختلفة. مع هذا الحوار، بالإضافة لما ذكرناه من قبل، نشعر أن الفيلم وكأنه مسلسل تلفزيوني ضل طريقه إلى السينما، وربما كانت هذه الشخصيات لتأخذ مساحة أفضل من خلال عدة حلقات.