مسلسل الكبير اوي

عالم "المزاريطة" المفقود.. كيف احترقت الهُوِيّة الدرامية لـ"الكبير أوي" وتحول إلى مسلسل للأطفال!

إيهاب التركي
21 مارس 2024

قبل أسابيع من بداية ماراثون مسلسلات شهر رمضان، التهم حريق كبير لوكيشن تصوير مسلسل (الكبير أوي 8)، وبالتحديد موقع التصوير الداخلي لدوار العمدة، حيث يعيش البطل وعائلته، وتدور داخله أغلب الأحداث. الأمر الجيد هو أن الحريق لم يتسبب في إصابة أحد، والأمر السيئ هو احتراق ديكورات تصوير أغلب مشاهد العمل، في مراحل مُبكرة من التصوير؛ فالأحداث تدور في قرية المزاريطة، وهي قرية خيالية تقع في صعيد مصر، ومبنى الدوار الداخلي هو مكان تصوير كثير من مشاهد العمل؛ واحتراقه بالكامل يُعطل العمل، ولكن على طريقة "جوني"، "Guess what"، لم يتأثر المسلسل، واستمر التصوير، وجاري عرض حلقاته بانتظام.

كوميديا الدراما الصعيدية!

مسلسل الكبير منذ بدايته، يُقدم نوعية كُوميدية مُحددة، تقف تحت مظلة السيت كوم، ويستخدم البارودي لغة للعمل؛ فهو سخر من بعض العادات الصعيدية كما قدمتها الدراما المصرية في السينما والتليفزيون. شخصية "الكبير"، العُمدة الديكتاتور، هي النموذج النمطي للعُمدة الشرير، كما جاء في أعمال درامية مصرية عدّة، ورسم العمل للبطل، العمدة الشاب، ملامح مُعاصرة؛ تبرر افيهاته الحديثة، ووجود توأم الكبير المُتفرنج صنع صراع بين ثقافتي الشقيقين؛ الأول مُتزمت ورجعي، والثاني مُتحرر، وأضاف كاراكتر "حزلقوم"، الشقيق الثالث الكثير من الضحك؛ فهو شخص شديد السذاجة وفاحش الثراء، ويتكلم بصورة مُضحكة.

غ

بالطبع استمرار "جوني" في العيش في المزاريطة حتى الآن، وصُحبته للقروي الساذج هجرس "محمد سلام"، لا يُساير المنطق، ومفهوم بالطبع ضرورة وجوده دراميًا؛ من أجل الحفاظ على التناقض الكاريكاتوري.

مر المسلسل بكثير من الحكايات التي تستلهم عادات وأجواء الصعيد، سواء تستلهم الواقع، أو تقتبس من تراث الدراما الصعيدية، ولكنه بدأ تدريجيًا يُقدم قصص وحكايات لا تعتمد على ثقافة مكان الأحداث، وإن حافظ بالطبع على ملامح الشخصيات نفسها، وأضاف شخصيات جديدة أخرى، مثل نفادي "حاتم صلاح"، وطبازة "عبد الرحمن ظاظا"، والعترة "مصطفى غريب"، ومربوحة "رحمة أحمد"؛ وذلك تعويضًا لغياب شخصيات مثل "دنيا سمير غانم"؛ وقلة ظهور شخصيات فزاع "هشام إسماعيل"، وأشرف "حسين أبو حجاج"، وبدا أن عالم المزاريطة يستمر.

غ

اقتباسات أجنبية!

بعد عودته من توقف طويل، وتحديدًا، بداية من الموسم السادس، أصبح المسلسل مولعًا بتقديم اقتباسات ساخرة من الأعمال الأجنبية، وكما نجح "أحمد مكي" في تقديم تتر مسلسل صعيدي بمزج لطيف بين إيقاعات الراب وأنغام الربابة والناي، حاول تقديم نسخة ساخرة من مسلسلات مثل "لُعبة الحبار" "Squid Game"، في الموسم السادس، و"لاكازا دي بابل" "La Casa De Papel"، في الموسم الثامن، وألقى الأبطال عشرات الافيهات التي تستلهم الدراما الأجنبية.

غ

حدث هذا التطور مع حِقْبَة انتشار منصات البث، وانتشار ثقافة مُتابعة الأعمال الأجنبية من مُختلف الثقافات، ووجد المسلسل ضالته؛ فما قدمه في البدايات كافيهات تُبرز تناقض الثقافات أصبح الآن مادة خصبة لنوعية من البارودي؛ الذي يصنع افيهات لن يفهمها سوى مُشاهد مُتابع للأعمال الأجنبية، ولم يهتم السيناريو كثيرًا بربط هذه الأعمال بأفكار وموضوعات من بيئة المزاريطة، وبدت حبكات "لُعبة الحبار" و"لا كازا دي بابل" تسعى لتقديم تريند درامي جذاب؛ يسعى لجمهور السوشيال ميديا ونتفليكس، وهو هدف تُجاري مقبول، وإن أثر تكراره على حكايات المزاريطة الحقيقية، ونوعية الكوميديا التي انطلق منها حَلْقات المسلسل منذ بدايته.

غ

شم النسيم وشم الكبير!

بدأت حَلْقات الموسم الثامن بحكاية عن إفساد الكبير روح شم النسيم؛ لأنه لم يستحم، وتخبره مربوحة بأسطورة الجنية الشمامة؛ وهي الجنية التي تمتلك حاسة شم قوية، تستطيع شم كل من أهمل غسل أسنانه أو يديه أو لم يستحمم، وهي أسطورة مصرية كانت تُخبرها الجدات والأمهات للأطفال؛ لحثهم على النظافة الشخصية؛ وفي إطار طفولي فانتازي تشم الجنية "صفاء الطوخي" الكبير، وتُرسل مُساعدها شاكر "محمد ثروت" لإحضار الكبير إلى عالم الجنية الموازي، وعقابه.

لوهلة ظننت أنني أُشاهد مسلسل أطفال، أو أن حبكة هذه الحَلْقات اختطفها "أحمد مكي" من شخصية العترة، وهو ابنه الطفل، الذي شرب لبن تجريبي، اخترعه الدكتور ربيع "بيومي فؤاد"؛ وتسبب في حصول الطفل على جسد رجل بالغ، وظل عقله عقل طفل صغير، وهو حل درامي كوميدي؛ للتخلص من فكرة قيام الممثل الطفل "عبد الرحمن طه" بدوري توأم.

غ

الحَلْقات الخمسة الأولى ركزت على الحبكة الطفولية للجنية الشمامة، وتحول الكبير إلى بينوكيو؛ يطول أنفه كلما كذب، ولم تكن استهلالًا موفقًا، وحول أداء "محمد ثروت" المُبالغ فيه الحَلْقات إلى شيء في غاية الابتذال.

أفهم أن صُناع المسلسل يسعون لبقائه على قمة التريند في رمضان، ويهمه جذب جَمهور الصغار، ولكنه لم يكن يحتاج إلى الخروج من تحت مظلة نوعيته الدرامية؛ فهو ليس مسلسل إرشادي موجه للأطفال، على العكس، هو يضم افيهات وإشارات لا تصلح للصغار، وهم يتابعون العمل؛ لأنه مُضحك، وبسبب هذه النوعية الافيهات، ولا ينتظرون منه أن يحثهم على الاستحمام.

ه

البحث عن أفكار جديدة!

يُعاني مسلسل (الكبير أوي) - حاليًا - من الإطار الدرامي المحدد له سلفًا، ومن المكان والشخصيات الثابتة منذ الحلقة الأولى، وقد تحول بعد الموسم الخامس إلى مسلسل أخر، يشبه المسلسل الأصلي في أشياء، ومتابعة حلقاته تؤكد أنه فقد هويته وأصبح يعتمد على تنويعات درامية تحت مظلة كوميديا الباردوي؛ التي تسخر من الأعمال الدرامية الأخرى، وتريندات السوشيال ميديا، حتى أعمال "أحمد مكي" السابقة، أصبحت مادة افيهات، بداية من فيلمه الأول "الحاسة السابعة"، الذي أخرجه عام 2005، مرورًا بأفلام مثل "طير إنت" و"لا تراجع ولا استسلام - القبضة الدامية".

غابت أجواء المزاريطة وحكايات العُمدة المُتسلط، وأصبح دوار الكبير مجرد محطة انطلاق إلى عوالم خيالية أخرى؛ عالم الجنية الشمامة وبينوكيو، ولم يفرق كثيرًا احتراق ديكورات دوار الكبير؛ فدور الدوار أصبح هامشيًا، وقبل احتراق الديكورات الخشبية احترقت الهُوِيّة الدرامية للعمل، ولم يعد في جُعبة المؤلفين أفكار أصيلة تصلح لعالم المزاريطة.

ربما تأتي الحَلْقات القادمة بحكايات أفضل؛ فحتى الآن لم أجد من ملامح المسلسل القديم سوى حبكة ارتباط شخصية نفادي بالممثلة "أمينة خليل"، التي تُجسد شخصيتها الحقيقية، وهي حبكة ساخرة كانت تحتاج إلى مساحة أكبر؛ فهذه العَلاقة المستحيلة كانت نواة تفاصيل تُبرز التناقض الشديد بين الشخصيات، واختلاف ثقافة كل منهما، وأظن مُتابعة محاولة الشخصيتين التكيف والارتباط مادة كوميدية أفضل من صيحات "محمد ثروت" المُزعجة، وافيهات "بيومي فؤاد" الفاترة، وأنف الكبير الذي يطول كلما كذب.

غ

الصور من التريلر وصفحة المتحدة