بعد 70 عامًا على عرضه الأول.. هل "عفريتة" إسماعيل يس لا تزال على قيد الحياة؟!
حسب أغلب المصادر، بدأ عرض فيلم (عفريتة إسماعيل يس) يوم الإثنين 31 مايو عام 1954، الموافق لـ 29 رمضان 1373؛ وهذا يعني أنه كان فيلم عيد الفطر قبل سبعين عامًا. يُعد هذا الفيلم من أبرز الأدوار التي جسدتها "كيتي" في مسيرتها الفنية في السينما. بالرغم من مشاركتها في عشرات الأفلام، فإن هذا الفيلم هو أكثر أعمالها من حيث مساحة ومشاهد التمثيل؛ إذ جسدت فيه شخصية درامية رئيسة مؤثرة في الأحداث بصورة كبيرة، ومساحة دورها الدرامي الناطق لا تقل عن مساحة الرقصات الاستعراضية التي شغلت جزءًا كبيرًا من النصف الأول من الفيلم.
شروق وغروب
في أحداث فيلم (عفريتة إسماعيل يس)، تُقتل الراقصة "كيتي"، ويظهر شبحها لإسماعيل يس، داعيًا إياه للبحث عن قاتلها. تطارد العفريتة إسماعيل في كل مكان وتفسد عليه حياته وعلاقته بخطيبته بتصرفاتها الطفولية الكوميدية. بقى الفيلم واحدًا من أكثر الأعمال الكوميدية الكلاسيكية الشعبية طرافة ومشاهدة حتى الآن. على أرض الواقع، رحل جميع من شارك في الفيلم عن دنيانا، وظلت العفريتة "كيتي" حية حتى يومنا هذا. إذا صحت هذه المعلومة، فقد بلغ عمرها 97 عامًا وبضعة أشهر الآن. ضحكت العفريتة على الجميع وهي تعيش حتى الآن شيخوخة فنانة تألقت في هوليوود الشرق بعد نهاية الحرب العالمية، وشهدت حياتها ومسيرتها الفنية منعطفات درامية عدّة.
لا توجد معلومة مؤكدة حول مصير الراقصة "كيتي" منذ انتقالها في منتصف الستينيات إلى اليونان، بلدها الأم. انقطعت أخبارها عن مصر؛ البلد الذي شهد مولدها ونشأتها وعملها في مجال الترفيه والسينما. بعض صفحات الإنترنت والتحقيقات الاستقصائية ذكرت أنها تعيش حتى الآن في عزلة اختيارية في منزلها في أثينا، وترفض الظهور في أي وسيلة إعلامية، ونُقل عنها أنها ترغب في أن يحتفظ الجُمهور بصورتها الشابة الجميلة التي سجلتها شرائط الأفلام في الخمسينيات والستينيات.
ثارت الكثير من الإشاعات حول خروج "كيتي" من مصر؛ أبرزها اتهامات بالجاسوسية. الأقرب للواقع أنها خرجت بعد تزايد حملات الكراهيَة ضد الأجانب، وصاحب ذلك عزوف جهات الإنتاج عن الاستعانة بها في الأعمال الفنية. في منتصف الستينيات، كان عمرها يقترب من الأربعين، وربما وجدت أن حياتها الفنية تقترب من نهايتها بالإضافة إلى إقامتها في مصر. في اليونان، شاركت "كيتي" بأدوار صغيرة في عدد من الأفلام والمسلسلات اليونانية، واعتزلت الحياة الفنية في الثمانينيات بعد أن تجاوز عمرها الخمسين.
كيتي فوتساكي
"كيتي فوتساكي" هو اسمها الكامل، وهي من مواليد حي الإبراهيمية بمدينة الإسكندرية. وُلدت في فبراير 1927 لعائلة أرثوذكسية غنية من جزيرة كريت. بدأت في طفولتها دراسة الباليه والرقص الكلاسيكي في مدرسة نيكولز، وهي مدرسة تأسست في الأصل في الإسكندرية وانتقلت لاحقًا إلى القاهرة. بالإضافة إلى الرقص، درست التمثيل في مدرسة الدراما التي أدارها مانو ديميتريو، وشاركت في عروضه المسرحية في بداية العشرينيات من عمرها، ودخلت عالم السينما المصرية من باب الرقص؛ فلم يكن أداؤها التمثيلي المتواضع ولكنتها المصرية الضعيفة يؤهلانها للحصول على أدوار تمثيلية هامة.
تمتعت "كيتي" بطلة خفيفة مُبهجة، وموهبة في المزج بين الرقص الشرقي والأجنبي؛ وشاركت بالرقص في عشرات الأفلام المصرية، وحصلت على بعض الفرص الصغيرة لأداء مشاهد صغيرة، وفي أغلبها ظهرت بشخصيتها الحقيقية "كيتي" الراقصة، وحصلت على مساحات تمثيلية أكبر في حِقْبَة الخمسينيات؛ في أفلام مثل "ابن ذوات" و"بنت البلد" و"الظلم حرام" و"عفريتة إسماعيل يس"، وربما يجمع بين هذه الأفلام "إسماعيل يس"؛ إذ شاركته عدد كبير من الأفلام، وكان مُتحمسًا لوجودها في أفلامه، ولكن العنصر الأهم في تلك الأفلام هو المخرج "حسن الصيفي"، وهو الشخصية الداعمة لكيتي في السينما، ومنحها مساحة كبيرة للتمثيل في عدد من أفلامه؛ وغالبًا يعود هذا لافتتانه الشخصي بها؛ إذ تزوجها عدة سنوات، وهو الزوج الوحيد في حياة "كيتي" حسب المصادر القليلة التي تناولت سيرة حياتها، وأبرزها موسوعة ويكيبيديا اليونانية.
بطلة الأحداث!
كان عمر "كيتي" 27 عامًا في أثناء تصوير فيلم (عفريتة إسماعيل يس)، وصورت في نفس العام خمسة أفلام أخرى. أهمية (عفريتة إسماعيل يس) في مسيرتها الفنية تعود إلى أنها بطلة العمل وشخصيتها رئيسية في الأحداث. احتفى بها صُناع الفيلم بشكل خاص خلال الأحداث؛ فقد غنى لها المطرب اللبناني "محمد سلمان" "أهلاً بكيتي أهلًا"، وهي أغنية طريفة تتغزل في جمالها وفتنتها وتصفها بأنها "أحلى من كل الغزلان". رقصت كيتي على أنغامها وحولها عشرات الراقصات يُرددن كلمات الأغنية. حسب السيناريو الذي كتبه المخرج "حسن الصيفي"، يبدأ الفيلم بشخصيتها؛ الراقصة الموهوبة التي تعاني تأخر صاحب الملهى في دفع أجرها هي وباقي فرقتها، وتقود الجميع لمواجهة صاحب الملهى مدمن القمار "سراج منير"، ومساعده المجرم "فريد شوقي". يظهر "إسماعيل يس" في أحداث الفيلم بعد مرور ما يقرب من 20 دقيقة، وتُسيطر شخصية "كيتي" حية وميتة على الخيوط الدرامية للفيلم؛ فهي البطلة الحقيقية للحبكة الدرامية على الرغْم من وجود اسم "إسماعيل يس" على تترات الفيلم. هذا هو الفيلم الثاني الذي حمل اسمه بعد فيلم (مغامرات إسماعيل يس) إنتاج عام 1954.
تُشير بعض الآراء إلى أن قصة الفيلم مُقتبسة عن مسرحية (الشبح) للكاتب "نويل كوارد". التشابه بعيد بين حبكة الفيلم وحبكة المسرحية، ربما باستثناء فكرة عودة الشبح لإفساد عَلاقة الزوجين (في المسرحية) والبطل وخطيبته (في الفيلم). الفيلم المصري كتب قصته وحواره "أبو السعود الإبياري".
الفيلم من أعمال الفانتازيا الكوميدية المحببة، واستخدم المخرج تقنيات المونتاج القديمة لإضافة صورة العفريتة كطيف شفاف يظهر في الظلام فقط حسب أقوال العفريتة للبطل البائس الذي تظهر له وحده حينما يُطفئ أنوار الغرفة. بالرغم من ذلك، خالفت العفريتة قانونها وظهرت في مواقف كان النهار فيها مُشرقًا وإضاءة الغرف ساطعة دون مُبرر. ولكن لا بأس بذلك، فالعفريتة تفعل ما تشاء!
الصور من صفحة ويكيبيديا اليونانية ولقطات من الفيلم.