خاص "هي" ـ أنجلينا جولي.. آلام وبهجة آخر النساء المُلهِمات!
أثارت نحافة أنجلينا جولي الجدل دائمًا حول صحتها الجسمانية، خاصة بعد ظهورها الأخير في مهرجان فينيسيا، يُقال أن وزنها بلغ حوالي 44 كيلو مؤخرًا، وإذا أضفنا طولها (173 سم)، ووجهها المستطيل الطويل وعُنقها النحيف الممتد، ستبدو كأنها خرجت من لوحة للفنان الإيطالي موديلياني؛ وقد يكون هذا من أسباب اختيار المخرج التشيلي الأصل "بابلو لارين" لها، لتجسيد شخصية مُطربة الأوبرا اليونانية الأصل، "ماريا كالاس" (1923-1977). يقترب طول قامة "ماريا" من طول "أنجلينا" تقريبًا، ولها نفس العيون الواسعة المُحدقة، ولأنها عانت البدانة في بداية مسيرتها الفنية، وأصبحت تتعب من أقل مجهود؛ فقد التزمت بحمية صارمة وتخلصت من وزنها الزائد، واقتربت كثيرًا من نحافة "أنجلينا جولي". لا يُمكن أن يكون هذا فقط هو الخيط المشترك بين أيقونة الأوبرا الراحلة ونجمة هوليوود المشهورة.
فتاة مُضطربة!
بدأت "أنجلينا" مسيرتها الفنية بأدوار شبابية جريئة، أظهرت تمردها وشغفها بتحدي الأنماط التقليدية في هوليوود، لكنها سرعان ما نضجت اختياراتها السينمائية لتصبح من أبرز المبدعين الذين يُحركون عجلة الفن في هوليوود. تأثيرها لا يقتصر على تمثيل أدوار المرأة القوية، بل يمتد ليشمل إحداث ثورة في فهم دور الفن كأداة للتعبير عن المعاناة الإنسانية، ما جعلها أيقونة تتخطى حدود الشاشة.
نشأت "أنجلينا جولي" في بيئة مضطربة منذ نعومة أظافرها. والدها، الممثل الشهير "جون فوايت"، كان له تأثير سلبي على حياتها الشخصية على الرغْم من في السينما. تركها وهي طفلة صغيرة بعد انفصاله عن والدتها، مما أثر عميقًا على علاقتها به وترك نَدَبَة في قلبها، لم تلتئم بسهولة. هذه العَلاقة المعقدة كانت سببًا في أن تختار أنجلينا أن تُبرز اسم والدتها على حساب والدها في وثائق هويتها الرسمية. رأت "أنجلينا" صورة من طفولتها في طفولة "ماريا" المضطربة؛ إذ عانت عدم الوفاق بين والديها.
في مرحلة الدراسة الثانوية، عدّ الصبية والبنات "أنجلينا" قبيحة، بسبب نظارتها السميكة وتقويم الأسنان، في مرحلة مُبكرة من شبابها أخفقت في أول تجرِبة أداء كعارضة للأزياء، وأصبح خيالها مُلبدًا بغيوم الغرابة والكآبة؛ فحلمت وهي مُراهقة بالعمل مُتعهدة دفن الموتى في دار للجنائز، وقررت أن الشر هو حليفها، فلتصبح "أنجلينا جولي" الجميلة صاحبة القلب الشرير القاتم إلى الأبد، هل يمكن أن تكون تلك المرحلة الغائمة بذرة شخصية "ماليفسنت" الشريرة؟
في بداية الألفية قدمت "أنجلينا" فيلم "فتاة مُضطربة" "Girl, Interrupted"، وهو دور مُساعد أدته أمام نجمة شباك التذاكر وقتها، "وينونا رايدر"، وحصلت "أنجلينا" على أول أوسكار في حياتها؛ ربما كانت الشخصية المُضطربة أسهل شخصية يُمكن أن تؤديها، عليها فقط التصرف بتلقائية وترك العِنان لجموحها الشخصي.غرابة أطوارها لم تعن أنها شخصية تُعاني مشكلات نفسية، كما وصفها والدها في تصريح أحمق، خلال استضافته في برنامج "Access Hollywood"، بل هي فقط فتاة شديدة الحساسية تفتقد الدفء والرعاية وتفهم عواطفها شديدة التأثر.
الأوبرا سينما الأكشن!
في أحدث أفلامها، تجسد أنجلينا جولي شخصية أيقونة الأوبرا "ماريا كالاس"، وهو دور يتطلب من جولي القدرة على تجسيد القوة الداخلية والشجن العاطفي الذي ميّز حياة المغنية الشهيرة. رغم اختلاف التحديات الجسدية والفنية بين الشخصيتين، إلا أن كلاً من "جولي وكالاس" تعيشان تناقضات الشهرة والمعاناة الشخصية بعمق كبير
على مدار العقود الثلاثة التي عملت فيها جولي في هوليوود، قدمت مجموعة متنوعة من الأدوار والأفلام التي غطت طيفًا واسعًا من الأنواع السينمائية؛ وقد حرصت هوليوود على حصرها في أدوار الفتاة الجميلة الفاتنة، شديدة الخطورة؛ هي مثلًا، عالمة آثار تواجه لصوص الآثار بالدهاء والحيلة والقوة البدنية، في سلسلة أفلام "لارا كروفت" "Lara Croft"، وهي الشخصية التي صنعت منها نجمة شباك تذاكر الأفلام التجارية، كانت تحتاج للخروج من فقاعة هوليوود، والتعرف على جوانب أكثر انسانية من العالم.
في أثناء تصوير أحد أجزاء "لارا كروفت" في كمبوديا، لمست الفقر المُدقع في البلاد، وتأثرت كثيرًا بالوضع الإنساني السيئ هناك، وكانت زيارة مُلهمة لها، قدمت لاحقًا الكثير من الدعم المادي والمعنوي للمنظمات الخيرية هناك، وتبنت طفلها الأول، "مادوكس"، من أصول كمبودية، لاحقًا اقترح عليها "مادوكس" اخراج رواية بعنوان "في البَدْء قتلوا أبي" "First They Killed My Father"، عن مُعاناة كمبوديا في ظل حُكم جماعة الخمير الحمر، وهذا هو الفيلم الخامس الذي تخرجه (أخرجت ستة أفلام حتى الآن).
عائلة برانجلينا!
قدمت بعدها شخصية القاتلة المُحترفة، صاحبة المهارات القتالية الفائقة في فيلم "السيد والسيدة سميث" "Mr.& Mrs. Smith"، في الظاهر هي زوجة عادية تعيش حياة هادئة مع رجل أعمال وسيم، وهذه غطاء عملها الحقيقي كقاتلة محترفة. نجاح الفيلم جماهيريًا كرس نجاحها في سينما الأكشن، ومنحها قلب فتى هوليوود الأشقر "براد بيت" في الواقع، وأصبحا أشهر زوجين سعيدين في العالم، حتى إن الصِّحافة أطلقت عليهما لقب يجمع بين اسميهما معًا، وهو اسم "برانجلينا"، هذا قبل أن تتحول حياتهما الزوجية إلى نسخة مُصغرة موازية من فيلم "السيد والسيدة سميث"، بعد طلاقهما.
اكتشف "كلينت ايستوود"، في "أنجلينا جولي" بعدًا أعمق من أداء أدوار العنف المُسلي على الشاشة، ورأى خلف عضلاتها قلبًا رقيقًا، مُحبًا للأطفال؛ فاختارها بطلة فيلم يخرجه وينتجه، هو فيلم "التبديل" "Changeling"، و أدّت فيه دورًا مؤثرًا، عن أم فقد طفلها وأعادته لها السلطات بعد سنوات، وشكت في أنه طفلها الحقيقي، وحصلت "أنجلينا" على ترشيحها الأول للأوسكار؛ عن تجسيدها العميق لمشاعر أم تتنازعها السعادة والإحباط، وهى ترى أمامها طفلها المفقود حيًا، وهي على يقين أنه الطفل الخطأ.
حاربت شخصية "أنجلينا" في فيلم "التبديل" السلطات؛ من أجل معرفة مصير ابنها الحقيقي، واستعدت للوصول لأخر المدى في الدفاع عن طفلها المفقود، تقمص "أنجلينا" الشخصية المؤثرة لم يكن مُجرد براعة أداء، وكان على "براد بيت" استيعاب حقيقة شراسة "أنجلينا" من أجل الدفاع عن أطفالها، قبل أن يُطلق العِنان لغضبه وعنفه في منزل الزوجية، أمام أطفال "أنجلينا" الكُثر بعد أعوام من عرض الفيلم
الساحرة الشريرة!
طموح "أنجلينا" في الشر ظل قابعًا في حجرة ذكريات المُراهقة القديمة، حتى جاء إليها دور الساحرة الشريرة في فيلم "ماليفيسنت" "Maleficent"، وقررت أن تؤديه، ربما من أجل أطفالها، كما صرحت مرة، وربما من أجل الحنين لمشاعر الشر الذي طارد روحها وهي صغيرة.
يأست "أنجلينا" من تغيير صورة بطلة أفلام الأكشن في السينما؛ فلم تأخذها هوليوود بجدية كافية؛ وسعت إلى إخراج أفلامها الخاصة، لم تُشارك في بطولة مُعظمها، ولكنها حققت طموحها في طرح عدد من القضايا الإنسانية، وتداعيات الحروب على الإنسان، وهي أمور لمستها في أثناء عملها سفيرة نوايا حسنة للمفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة.
الجائزة الحقيقية في بطولتها فيلم "ماريا" هو أنه واحد من الأفلام القليلة التي تبتعد فيه أنجلينا عن موضوعات السينما التجارية، وهذا اختيار المخرج "بابلو لاينا" الذي يُقدم فيه أخر فيلم في ثلاثية فيلمية عن النساء المُلهمات، بدأها باختيار "ناتالي بورتمان" بطلة لفيلم "جاكي" "Jackie"، عن الأوقات العصيبة التي عاشتها "جاكلين كينيدي" بعد اغتيال زوجها، وتلاها باختيار "كريستين ستيوارت" لبطولة فيلم "سبنسر" "Spencer"، عن حِقْبَة توتر عَلاقة الليدي "ديانا" بالعائلة الملكية البريطانية، وكانت نهاية الثلاثية عن السنوات الأخيرة التي قضتها "ماريا كالاس" في باريس.
حياة "ماريا كالاس" العائلية جزء من ألم ظل يصحبها حتى نهاية حياتها؛ فقد تركت مُعاملة أمها السيئة لها في طفولتها نَدَبَة لا تمح، وحينما كانت "أنجلينا جولي" تقف بماكياج "ماريا" أمام المرآة لابد كانت تشعر بنوع من الألفة بين نَدَبَة قلب "ماريا" ونَدَبَتها الخاصة.
الصور من حسابات مهرجان تورنتو وفنيسيا على انستجرام وAFP.