فيلم "The Substance".. نسخة ديمي مور النسوية المرعبة ودراما جريئة عن الهوس بالجمال!
عاشت "ديمي مور" طفولة عائلية قلقة ومُراهقة مُضطربة، اكتشفت أنها جميلة وفاتنة للغاية في سن مُبكرة؛ فهجرت المدرسة في سن 16 سنة، وعملت موديل وفتاة إعلانات، وفي عمر 19 عامًا شاركت بالتمثيل في مسلسل "General Hospital" "المستشفى العام"، وحينما حصلت على أجرها الأول أقامت حفلات صاخبة وتعاطت الكوكايين، واستمر الأمر سنوات، ولم تتوقف حتى هددها المخرج "جول شوماخر" باستبعادها من بطوله فيلمه "St. Elmo's Fire"، وكان ذلك في منتصف الثمانينيات. شقت طريقها الفني لاحقًا بالتزام أكبر بعد توقفها التام عن التعاطي، واشتهرت بتقديم المشاهد الجريئة وأغلفة المجلات العارية، واختياراتها الدرامية التي تتشابك بالسلب والإيجاب مع أزمة جسد المرأة والجمال.
نافورة الشباب الدائم!
المُدهش فعلًا أن هناك تشابه ما بين حياة "ديمي مور" الشخصية في بداياتها، وشخصية سو من فيلمها الجديد "The Substance" "المادة"، وهو فيلم كتبته وأخرجته "كورالي فارجيت" ويصور مُعالجة جريئة وصادمة لفكرة الشباب والجمال والشيخوخة، ربما به ملامح من رواية (صورة دوريان جراي) للكاتب "أوسكار وايلد" التي تناولت لعنة؛ تسببت في أن تتغير ملامحه في بورتريه مرسوم خاص به، كلما تقدم في السن وزاد جشعه، يظهر في الصورة عجوزًا وقبيحًا، بينما يظل في الواقع شابًا وسيمًا، بينما يُقدم فيلم "ديمي مور" صورة مُعاصرة للولع بالجمال الجسدي، وتجاوز كل الحدود في سبيل الحصول على الجمال الدائم.
من الأساطير التي صورتها هوليوود بواسطة العديد من حكاياتها السينمائية، أسطورة إكسير الجمال الدائم ونافورة الشباب، تحدثت بعض الأفلام عن هذا النوع من المياه التي تحتوي مادة سحرية تُعطل مظاهر الشيخوخة، تُعيد الجسد إلى مراحل الشباب، واحدة من مغامرات شخصية عالم الأثريات الشهير "انديانا جونز" كانت البحث عن مكان نافورة الشاب الدائم، التي تُعيد العجوز إلى صباه، وذلك في أحداث فيلم "انديانا جونز ومملكة الجمجمة الكريستالية" "Indiana Jones and the Kingdom of the Crystal Skull" عام 2008، هي حكاية خيالية جسدها "هاريسون فورد" في عمر 66 عامًا، قبل أن تمنحه هوليوود عام 2023 اكسير الشباب فعلًا في جزء جديد من سلسلة "انديانا جونز"، وذلك من خلالة تقنية التحكم في العمر De-aging إذ قدمت نسخة شابة من خبير الأثار في أحداث فيلم "انديانا جونز ونداء القدر" "Indiana Jones and the Dial of Destiny"؛ ظهر هاريسون فورد في الثلاثين من عمره في بعض مشاهد الفيلم مع أنّه تجاوز الثمانين في الواقع.
الجمال بين الذبول والازدهار!
السعي إلى الجمال الدائم هاجس أُنثوي يُقابل هاجس القوة الدائمة الذكوري، وفيلم "The Substance" "المادة" صناعة هوليوودية تتناول الهوس بالجمال، ولا يُخفي الفيلم إدانته لقطاع الترفيه (السينما/الإعلام)، الذي يتعامل مع الجمال كبضاعة، لها سنوات رواج، وتاريخ صلاحِيَة، تُصبح بعد انتهائها غير مرغوبة، هذا ما واجهته إليزابيث سباركل "ديمي مور" بطلة فيلم "The Substance"، بعد استغناء مدير القناة التليفزيونية البغيض "دينيس كويد" عنها؛ لتحل الفتاة الشابة الحسناء سو "مرجريت كوالي" محلها.
يُمكن القول أن "ديمي مور" لها تاريخ غريب ومثير تعاملت مع فكرة جسد المرأة، صورته في عدد من أعمالها الشهيرة؛ تجاوزت مثلًا الحاجز الفاصل بين الذكورة والأنوثة في فيلم "G.I. Jane" "جي آي جين"، حيث جسدت دور مُجندة تُحاول التفوق جسديًا على زُملائها الذكور في تدريبات جسدية قاسية للغاية، تؤهلها للالتحاق بفرقة النخبة للعمليات الخاصة، كان عليها حلق شعرها والتعامل مع جسدها كأداة قوة وسلاح فتاك كجزء من مُتطلبات مُهمتها، وعلى العكس جاء فيلم "Striptease" "راقصة تعر" مُحاولة لتلمس الحاجز الهش بين استخدام الجسد كوسيلة ترفيه عن الآخرين، والتعامل مع الأمر كمهنة لكسب الرزق، وهناك أعمال أخرى صورت فيها "ديمي مور" موضوع الجسد من زوايا الفتنة والغواية والشهوة؛ في أفلام "Indecent Proposal" "عرض غير مشروع"؛ عن زوجة تقبل عرض مالي سخي للغاية مُقابل قضاء ليلة واحدة مع مليونير مُعجب بها، و"Disclosure" "إفشاء"، وهو نسخة معكوسة عن حكاية تحرش في أحد المكاتب، هي ليست الضحية هنا بل المُتهمة بالتحرش ببطل الفيلم "مايكل دوجلاس".
النسخة الأخرى!
في كل واحد من هذه الأفلام يؤدّي الجسد دورًا محوريًا في الدراما، وتصل مور" إلى ذروة الفكرة في فيلم "المادة"؛ حيث تواجه وحش الشيخوخة بعقار غامض، حصلت عليه في أثناء العلاج من حادث سير، يستنسخ العقّار منها امرأة أخرى، شابة وجميلة وفاتنة، ولكن عليها تبادل الظهور مع نسختها الجديدة، أسبوع لكل منهما، دون استثناءات، مع تعليمات طبية صارمة؛ تهدف إلى الحفاظ على جسديهما.
يخرج من جسد إليزابيث سباركل المُسنة فتاة في غاية الجمال، لا تشبهها سوى في الجينات والمصير المشتركان، لا يبدو هذا التحول شبيه بتحول الدكتور هنري جيكل إلى المجرم الشرير إدوارد هايد في رواية (قضية الدكتور جيكل والسيد هايد الغريبة) للكاتب "روبرت لويس ستيفنسون"، أو هكذا يبدو الأمر في البدايات الهادئة لتجربة تشهد تحولات جذرية غير مُتوقعة مع تطور أحداث الفيلم.
مواجهة مع الرجل!
الرجل هو الزاوية الأخري لقيمة الجمال في حياة المرأة؛ فهو المُشاهد والحكم والمُشتري لبضاعة الأنوثة، نعم يبدو الأمر بمثل وقاحة الجملة السابقة دون مُحاولة للتلطيف. إليزابيث مُمثلة حصدت بعض النجاح ثم هجرت التمثيل وأصبحت مُقدمة عرض رياضي تليفزيوني ناجح، ربما فقدت إليزابيث سحرها كممثلة مطلوبة لكنها ظلت الأنثى الجميلة التي تسعى النساء للحصول على فورمة قوامها، تحمس مدير القناة هارفي "دينيس كويد" لها لسنوات قبل انقلابه عليها لتقدمها في السن.
في بداية الفيلم تتعمد المخرجة "كورالي فارجيت" تصوير شخصية هارفي "دينيس كويد" من زوايا تبرزه بصورة مُنفرة؛ يتناول طعامه بشكل مُقزز وتعبيرات وجهه بواسطة لقطات مُقربة تصوره مثل حيوان مُتوحش؛ هو شخص انتهازي جشع لا يُقيم وزنًا للاعتبارات الإنسانية، يُدير شبكة تليفزيونية ويسعى للتخلص من إليزابيث سباركل "ديمي مور"، واستبدالها بفتاة أصغر منها سنًا وأكثر شبابًا وجمالًا. هذه الصورة القبيحة للرجل جزء من مُناقشة الفيلم لصورة الجسد، ونظرة الرجل له، وقيمة الجمال الجسدي بالنسبة للمرأة، وبشكل خاص في مجال الترفيه والرياضة النسائية، حيث يُمثل الجمال ومقاييس الجسد المِثالية كل شيء بالنسبة للمرأة.
سينما الصدمة!
شخصية سو أو النسخة الشابة من إليزابيث سباركل تؤديها الممثلة "مرجريت كوالي"، هي تجسيد لأمنية البطلة التي أصبحت واقعًا من لحم ودم؛ المرأة الكبيرة في السن تعود إلى برنامجها الرياضي بملامح جديدة وجسد جديد، ولكن شروط تعاطي العقّار تمنحها أسبوع واحد للتمتع بجمالها، وتتبادل الأدوار مع شخصيتها الأصلية، أسبوع لكل منهما، مع كثير من التفاصيل الطبية لتُحافظ كل منهما على حياة الأخرى خلال الأسبوع الذي تغيب فيه عن الوعي؛ فقانون المادة يسمح بظهور واحدة فقط منهما.
قدمت المخرجة "كورالي فارجيت" فيلمًا مُتماسكًا على مستوى الصنعة، وأصيلًا على مستوى مُعالجة الفكرة سينمائيًا، وهذا يؤهله ليكون واحد من أكثر أفلام العام جرأة، وقد كرست كورالي" مشاهدة صادمة مُكثفة من أجل صناعة دراما مُرعبة، تخلق صراعًا دراميًا بين شخصيتي البطلة، الأكبر سنًا وحكمة، والأصغر سنًا، التي يفتنها جمالها ويدفعها لتصرفات طائشة، وقد استخدمت عناصر الصوت؛ المؤثرات المخيفة، والموسيقى ذات الإيقاعات العميقة المثيرة، والصورة الموغلة في تفاصيل الجسد المشوه والمُمزق، ومشاهد المنزل الكبير وممر الاستوديو الطويل للتعبير عن وحدتها في المنزل والممر الذي أصبح طويلًا وقاعة الاستوديو التي تبدو بعيدة للغاية، والمونتاج الذي يلهث وهو يُتابع روتين تبادل الحياة بين الجسدين، وتوتر اكتشاف التداعيات والخطر الذي يُفضي إلى ذروة الصراع.
مُثير للاشمئزاز!
قدمت "ديمي مور" (63 عامًا) دور صعب للغاية، وعلى الرغم من غيابها الطويل عن الشاشة، بدت في حالة حضور وتوحد مع الشخصية، هي تؤدي دور قاتم لامرأة تفتقد شبابها الذي تسرب من يديها مع تقدمها في العمر، هي غالبًا حجزت مكانًا لها في ترشيحات الأوسكار القادم؛ الجائزة التي لم تفز أو تُرشح لها من قبل.
يتعامل "المادة" مع الجسد بشكل يتجاوز الحفاوة بالجمال والرثاء للشيخوخة؛ انه يصنع نوعًا من الغيرة والصراع بينهما، اللقطات المُقربة تصور الجسد مادة للجرح والحقن والدماء والمُخلفات البشرية، المشاهد تصور كواليس الجمال الجسدي خارج إطار الشكل المُثير الذي تصنعه الكاميرات وتنقله للمُشاهد الذي يظن، لقطات مُقربة مُزعجة وموسيقى تصويرية مُخيفة ومونتاج يصنع حالة من التوتر والذعر، ومؤثرات خاصة شديدة التعقيد، تجعل ما يحدث على الشاشة واقعيًا وفظيعًا، المًشاهد مُختطف بصورة ما، مُنغمس في قلب الحدث، كل الدماء والأحشاء والتجاعيد البغيضة قريبة للغاية وتقتحمه، هو صراع شديد القسوة ومُثير للاشمئزاز، ويُغلف أفكاره وفلسفته بصدمات بصرية لا تلائم كل المشاهدين بالتأكيد.
الصور من حساب الفيلم على X "تويتر"