جيم هينسون... الرجل الذي صنع دُمى الضفدع كيرميت ومس بيجي وعالمه البديع!
ربما يمر اسم "جيم هينسون" دون أن يعرفه القاريء أو المستمع، في ذات الوقت الذي يندر أن يجهل أحد شخصية "الضفدع كيرميت" أو "الضفدع كامل" في نسخته العربية، هذه الدُمية المُضحكة، على هيئة ضفدع ساخر خفيف الظل، وهو واحد من عشرات الدُمى التي صممها "جيم هينسون" ومنحها ملامح من القطن والقماش والفرو. بالإضافة إلى تصميم وتنفيذ الدُمى، جسد "هينسون" بصوته عشرات من أصوات الدمى شديدة التنوع والاختلاف، ولا يمكن تصديق أن كل هذه الأصوات صدرت من حَنجرة رجل واحد، وقد ظل سنوات يؤدي أصوات "الضفدع كيرميت" و"الشيف السويدي" و"الكلب رولف" و"إيرني" وعشرات من الأصوات الأخرى، حتى التهبت أحباله الصوتية وبدأت يسعل بصورة مُثيرة للقلق.
عقل آخر جميل!
هو مثل أي مُحرك دُمى لم يحصل على شهرة الدُمية التي يُحركها ويتكلم بصوتها، وعدد قليل للغاية كان يتعرف إلى الرجل النحيل الطويل، صاحب اللحية الكثيفة، المهووس بالدُمى، لقد ترك ارثًا كبيرًا من البرامج والأفلام والعروض المسرحية، أبطالها نافسوا نُجوم السينما والغناء في الشهرة وحب الجُمهور.
المُخرج "رون هاوارد"، الفائز بأوسكار أفضل اخراج عن فيلم ""A Beautiful Mind (عقل جميل)، أعاد تصوير العقل الجميل لمُصمم الدُمى الراحل "جيم هينسون" (1936-1990)، وذلك بواسطة مشاهد فيلمه الوثائقي الأخير "Jim Henson: Idea Man" (جيم هينسون: رجل الفكرة)، وقد عُرض الفيلم في مهرجان كان أول مرة، ورُشح لجائزة العين الذهبية، وبدأت شركة "ديزني"، مُنتجة الفيلم في بثه جماهيريًا على منصتها "Disney+"، وفاز الفيلم بخمس جوائز إيمي، عن فئات الانتاج والمونتاج والموسيقى والديكور وهندسة الصوت، وهو مُرشح لجائزة جمعية النُقاد الأمريكية، التي ستُعلن جوائزها في العاشر من شهر نوفمبر القادم.
يُعد جيم هينسون أحد أبرز الشخصيات في عالم الفن والابتكار، ولا يزال تأثيره يمتد إلى يومنا هذا على صناعة الترفيه. إن شغفه وإبداعه غير المسبوق قاداه ليصبح أحد الرواد في مجال الرسوم المتحركة وعروض الدمى، خاصة مع ابتكاره لشخصيات عالمية مثل "الضفدع كيرميت" وشخصيات عرض "المابيتس" الشهير. هذه الشخصيات ليست مجرد دمى متحركة، بل هي جزء من ثقافة جماهيرية عالمية استمرت على مدى أجيال.
الدُمى تغزو الواقع!
بدأ شغف "جيم هينسون" بتصميم الدمى وتحريكها منذ الطفولة، ولم يفارقه هذا الشغف في مراحل الصبا والمُراهقة والشباب، وقد تأثر بصناعة الترفيه الإذاعي والتليفزيوني وقتذاك، وحينما التحق بالجامعة بدأ العمل في برنامَج تليفزيوني محلي يسمى "Sam and Friends"، ولفتت موهبته الاستثنائية النظر؛ فقد بدأ في تحريك الدمى بصورة تختلف عن الصورة السائدة؛ بدت الدُمى بين يديه أكثر حيوية وقربًا إلى الواقع، وحينما بدأ مشاركته في برنامَج الأطفال التعليمي الشهير "Sesame Street" عام 1969 أضاف لمساته الخاصة في تحريك الدمى، وقدم أول مرة فقرات تمزج بين الدمى وشخصيات حية، ونجح هذا التطوير والدمج في منح شخصياته لمسات من الحيوية، وتطور الأمر في عروضه اللاحقة، وأصبح من المعتاد أن تتبادل الدمى الحِوار مع النجوم والمشاهير خلال برنامَج "المابت شو" الشهير.
منح المشاهير العروض مزيد من الشهرة والجاذبية، وبذل النجوم مجهود كبير لمعايشة أجواء عالم دمى "المابت شو"، وإن بدا أغلبهم سعيد بالتجربة، ويتحدثون مع الدُمى كأنهم أصدقاء قدامى، وقد ابتكر "هينسون" سيناريوهات مُبتكرة للاسكتشات حتى لا يكون ظهور النجوم في البرنامج مجرد حجة مُصطنعة لجذب مزيد من الجمهور.
من بين عشرات النجوم الذين ظهروا في ال برنامَج خلال سنوات عرضه؛ "بوب هوب" و"بيتر أوستينوف" و"التون جون" و"ستيف مارتن" و"بيتر سيلرز" و"سيلفستر ستالوني" و"جولي أندروز"، و"روجر مور" و"شارل أزنافور" و"بروك شيلدز".
مزيد من الابداع!
يظهر الفيلم الوثائقي "Jim Henson: Idea Man" كيف تمكن "هينسون" من تحويل عرض ترفيهي بسيط إلى فكرة ثورية وجزء من الثقافة الشعبية في العالم، وذلك بواسطة المزج بين الفكاهة والحوار الذكي والتعليقات الساخرة، حتى التعليقات التي تتهكم على العرض نفسه، وتصدر عن دمية متفرج عجوز يؤدي صوته "هينسون" وهو دائم التهكم على العرض وشخصياته بصورة لاذعة.
طاقة الإبداع لدى "هينسون" دفعته للبحث عن وسائل أخرى لتجسيد خيالاته وأحلامه؛ فأخرج عدد من الأفلام التي تضمنت رؤية ابداعية خاصة في مجال الرسوم المُتحركة، ومنها أفلام "The Dark Crystal" (البلورة السوداء) و"Labyrinth" (المتاهة)، وهى أفلام لم تنجح تُجاريًا وقتها، ورغم ذلك أصبحت حاليًا من الكلاسيكيات التي يُقبل على مُشاهدتها جَمهور المنصات التليفزيونية، ويجد فيها لمحات من الخيال والابتكار سبقت زمنها.
جزء من نجاح أعمال "هينسون" يعود إلى إيمانه بالعمل الجماعي، وقد كان يمنح أعضاء فريقه حرية الابتكار وتطوير العمل، وكان مُنفتحًا للغاية في التعامل مع الأفكار الجديدة، وشارك في ورشات عمل مع عديد من المصممين الموهوبين؛ من أجل ابتكار شخصيات وحكايات جديدة، كان دائم التحدي لنفسه، يبحث عن أفكار جديدة ومُختلفة عما قدمه سابقًا؛ وهذا سبب رئيس لنجاحه واستمرارية برامجه وشخصياته حتى الآن، بالرغم من مرور 34 عامًا على وفاته.
ما صنعه هينسون بواسطة التعاون مع فريقه كان له الأثر الكبير في استمرا ارثه حتى اليوم؛ وذلك بواسطة شركة "Henson Company"، المستمرة حتى الآن في إنتاج العروض الفنية والرسوم المتحركة والأفلام.
صدمة النهاية وإرث لا ينتهي!
وُلد جيم هينسون في 24 سبتمبر 1936 في جرينفيل بولاية ميسيسيبي، وكانت وفاته المُفاجئة عام 1990 صدمة لجمهوره وعائلته؛ فأثناء جولة فنية ناجحة، اصطحب فيها ابنته، عانى ضيق بالتنفس والتهاب في الحلق؛ تسببت في نوبات سعال مُزعجة، وشعر بخطورة حالته حينما صاحب السعال نِقَاط دماء، واكتشف بعد الفحص أن لديه عدوى بكتيرية بالرئتين، وذهب للمستشفى لتلقي العلاج حتى يتمكن من استئناف جولته الفنية التي تضمنت أيضًا خططًا عائلية لزيارة والده وزوجة أبيه، ونجح الأطباء في وقف تأثير العدوى والنزيف، إلا أن المضادات الحيوية القوية وأدوية أخرى سببت ضررًا بالغًا في بعض الأعضاء الحيوية في جسمه؛ مما تسبب في وفاته يوم 16 مايو عن عمر لم يتجاوز 53 عامًا.
على الرغْم من الهدف الواضح لأعماله الفنية؛ وهو الترفية والإضحاك، إلا أن المُحلل لأعماله سيجد أن هناك مُنطلق إنساني وراء الكوميديا والتسلية، وكانت رسائله بسيطة وتتعاطى مع قيم التسامح والتعاون والصداقة، وأيضًا الوفاء والتفهم وحب الخير.
قصة جيم هينسون ليست فقط عن صانع دُمى شغوف بمهنته، بل هي قصة عن مُبدع حول خياله إلى واقع ساحر وأصيل، وأصبح إبداعه مُلهما للمُشاهدين والمُبدعين، ظل يبتكر الدُمية تلو الأخرى، ويصنع لها تفاصيل شكلية وشخصية حتى صدق جَمهور المشاهدين أن عالم "المابيت شو" واقعًا حقيقيًا، تسكن شخصياته في مكان ما، تعيش حياة عادية مثل البشر، ولديهم في المساء مُهمة تليفزيونية خاصة، وهي الإطلال على مُشاهدي المسرح والتليفزيون والسينما وإسعادهم جميعاً، الكبار والصغار.
الصور من موقع شركة جيم هينسون وتريلر الفيلم.