الممثلة والمؤثرة ياسمين غيث لـ"هي": سرطان الثدي أعاد تعريف قوتي كإمرأة وأم
منذ إصابتها بسرطان الثدي عام 2016، سعت الممثلة والمؤثرة المصرية ياسمين غيث إلى تسليط الضوء على أهمية الكشف المبكر للمرض الخبيث، ملهمة كثيرات من مختلف أنحاء الدول العربية. تدرك غيث مسؤولية تأثيرها كوجه معروف، وتستخدم منصتها لدعم وتشجيع الآخرين الذين يمرون بتجارب مماثلة. تؤكد في حوارنا معها على قوة الإرادة الداخلية، الصمود، والدور الحيوي للعائلة، وخاصة ابنها، في دفعها لمواصلة الكفاح، وتشارك مع قارئات هي رحلتها الشخصية والعميقة من لحظة الاكتشاف، إلى الصدمة التي شعرت بها عند تلقي الخبر، والعاصفة العاطفية التي تبعتها، مؤكدة أن هذه التجربة غيّرت نظرتها للحياة، وزادت من امتنانها وأعادت تعريف قوتها كامرأة وأم وناجية.
كيف كانت تجربتك الأولى مع تشخيص سرطان الثدي؟ وكيف استقبلتِ الخبر؟ وما أول ردود أفعالك؟
الاكتشاف جاء بالصدفة حين لمست كتلة غريبة وأنا أبدّل ملابسي. لم تكن التوعية بهذا المرض وقتها بالمستوى الكافي، لكنني شعرت بأن هذا الشيء ليس عاديا. فورا، بادرت إلى طلب موعد من الطبيبة التي طلبت منّي بعد الفحص الأولي أن أخضع لفحوص مكثفة أكثر، أي تصوير الثدي الشعاعي، وتخطيط الصدى. والطبيبة التي أجرت فحص تخطيط الصدى أخبرتني بوجود ورم هو على الأرجح ورم سرطاني. ردة فعلي الفورية كانت البكاء والانهيار التام، وخارج الغرفة كان بانتظاري زوجي وابني الذي رآني للأسف في هذه الحالة. وقتها لم نكن نعرف ما نعرفه اليوم، وكل ما كنت أفكر فيه هو أنني سأموت، وأن حياتي انتهت، وأنا في الـ29 من عمري.
ما أبــــرز الصــعوبـــــات التي واجهــتــــك خــــلال رحلة العلاج؟ وكيف تــعـــاملـــــتِ مـــع هــــــــذه التــحــديـات ســـــواء من الناحية الجسدية أو النفسية؟
كانت رحلة صعبة للغاية، من العملية الجراحية إلى التعافي منها، ولا سيما بعد إزالة العقد اللمفاوية من الإبط، والتي لم أعرف أنني أحتاج بعدها إلى الخضوع لعلاج طبيعي، وتأخرت في البدء فيه أيضا، وهو ما زاد الألم في ذراعي. وطبعا لا أنسى مأساة العلاج الكيميائي، والعلاج الهرموني الذي غيّر كل هرمونات جسمي، وأدّى إلى انقطاع الطمث، واحتباس الماء، فتغيّرت كل مقاساتي، وزاد وزني 11 كيلوغراما في فترة قصيرة جــدا. أصابـــني اكتــئـــاب، إلى جـــــانب كل الأوجــــاع الجــســـديـــــة، فلجأت إلى أطباء نفسيين ومدرّبي حياة، إلى أن وجدت تحسّنا مع مدرب حياة رافقني في الجزء المتبقي من رحلتي، وحوّل طريقة تفكيري إلى طريقة تفكير أكثر إيجابية، وجنّبني تناول أدوية العلاج النفسي.
شاركتِ متابعيك العام الفائت خبر ظهور ورم جديد واستئصاله. كيف أثرت هذه التجربة في طريقة تفكيركِ وقوتكِ الداخلية؟
ما حدث في العام الفائت كان أيضا صعبا. مرة جديدة، جاء الاكتشاف بالصدفة، وأريد أن أذكّر هنا أن الاكتشاف المبكر لأي حالة مرضية يسهّل علاجها بشكل كبير. ما حصل هو أن فحص التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني أو الـ"بيت سكان" الذي خضع له جسمي كلّه وقت اكتشاف السرطان، وجد في غدّتي الدرقية عيبا خلقيا، فحجمها أكبر من العادي، وهي منخفضة عن مكانها الصحيح، ونصحوني وقتها بمراقبتها. لكنني لم أولِها اهتماما أبدا بسبب الحالة التي كنت أعيشها، وخصوصا أنني لم أعتقد أنها شيء خطير. مرّت سنوات عدّة، وفي أواخر عام 2022، تعبتُ فجأة، ولم أعد قادرة على التنفس، فدخلت إلى المستشفى وفي صدري ألم كبير، فاكتشف الأطباء أن في الرئة اليسرى حالة استرواح هوائي، أو ما يعرف أيضا بانكماش الرئة، وأظهرت التحاليل المكثفة وجود كتلة كبيرة للغاية على قصبة المريء عند مستوى منتصف الصدر تحديدا. ولدى دخولي قسم العناية الفائقة لتركيب أنبوب يُخرج الهواء من الرئة، ويعالج مشكلة الاسترواح، بقيت لأسبوعين بدلا من اليومين المقررين، إذ لم ينجح الإجراء من المرة الأولى. وفي الوقت نفسه، أخذ الأطباء عيّنة من الكتلة الموجودة على المريء، مع العلم أنهم حاولوا التكتّم حول كل ما يحصل، وهو ما أقلقني أكثر. لم أنم لأسبوعين وبقيت خائفة من النتائج! الحمدلله أن الورم كان حميدا، وهو عبارة عن كتلة من نسيج الغدّة الدرقية، ولكن اضطررت إلى الخضوع لعملية جراحية أخرى، وهي عملية صدر مفتوح في فبراير 2023 لإزالتها. وتبين أن حجم غدّتي الدرقية الكبير تسبب في انفصال جزء منها، وهي حالة نادرة للغاية.
في ظـل التــحـديــــات الصحيــــة الـــتي واجــهــــتِها في السنـــوات الأخيرة، ما الأمـــور الـــتي تعتـمديـنـــها للحفاظ على صحتك النفسية؟
حتى اليوم، ما زالت حالتي النفسية تمر بتقلبات، وما زلت أحلم أحلاما مرعبة عن إصابتي بالسرطان، فتوقظني وأنا أبكي وأصرخ. حتى لو كان الإنسان يبدو من الخارج طبيعيا وعاديا، فإن اللاوعي يخبر بقصة أخرى. فلا شك في أنها تجربة صعبة للغاية تبقى مؤثرة في نفسية الإنسان، مهما حاول البقاء إيجابيا. عند الـــحــاجــــــة، ألـــجـــأ إلى الــمـــعـــالج النــفـــسي، وأحـــــاول دائما الاستـــمــــاع إلى أحـــــــاديث إيــجــابــيــــة، وأمارس الريــــاضـــــة لأرفع معنوياتي؛ وهذا الأمر يتطلب جهدا متواصلا بكل تأكيد. لذا أبقي نفسي مشغولة بعملي رئيسة لقسم التسويق في شركة "قرضي"، وطبعا بأولوياتي أي ابني وزوجي وبيتي وعائلتي. فيكاد لا يبقى لي أي وقت للتفكير السلبي!
باعتبارك ممثلة معروفة، كيف ترين تأثير دورك في تسليط الضوء على قضايا الصحة النسائية ومكافحة السرطان؟
أرى أن دوري مهمّ جدا، مع الــعلم أنني اخترت بإرادتي عدم متابعة مسيرتي في مجال التمـــثـــيــل بعد تجربة جميلة على الـــشاشـــــة. ولكن لدي عــــدد من المتابـــعـــين، خصوصا أنني شـــاركت تــجــربـــــتي مـــع الــمـــــرض عــــــــلى مــــــواقـــــع التواصل قبل التمثيل، وانتشرت قصتي بشكل كبير حتى قبل دوري في مسلسل "حلاوة الدنيا"، الذي أسهم طبعا في إيصال صوتي إلى عدد أكبر من الناس. حتى اليوم، يتواصل معي أشخاص يقولون لي إنهم تأثروا بما مررت به، وإنه أحدث فرقا في حياتهم، وإنهم مرّوا بالتجربة ذاتها ويعودون إلى صفحتي ليستمدوا منها الأمل والإيجابية. أتـــواصـــل مـــع الكثــيــــر منــهـــم مـــن خـــــلال رســــــائل صوتية حتى لأشخاص لا أعرفهم. وأسمع منهم أن رسائلي أعطتهم الأمل، وأحدثت فرقا كبيرا في رحلاتهم. وهذا يسعدني جدا، لأنه كان هدفي منذ البداية. على الإنسان أن يتكلم، حتى لو شعر بأن كلماته ستحدث فرقا مع شخص واحد فقط. لكن كل ذلك لا يلغي الحاجة إلى الخصـــوصية في بعض الأحيان، وهو ما شعرت به بعد تجربة التمثيل والشهرة، فقررت الابتعاد عن هذا المجال. ولكن يهمّني جدا أن أصنع فرقا إيجابيا في حياة الناس.
هل غيرت هذه التجربة نظرتكِ للحياة وللأشياء الصغيرة التي قد نتجاهلها أحيانا؟
بالطبع غيّرت تجربتي نظرتي إلى الحياة بأكلمها، وصرت أرى الأمور، حتى أصغرها، من منظور مختلف تماما. تعلّمت ألّا أستخف بشيء، وألّا آخذ شيئا على أنه أمر مسلّم به. إن مجرّد الاستيقاظ من النوم والقدرة على النهوض من سريري بمفردي كانا في مرحلة ما حلما. أنا ممتنة جدا على كل شيء، وصرت أقدّر ابني وأهلي وحياتي أكثر، وأقدّر كل يوم جديد في حياتي، وأشكر الله عليه. إن الأوقات الصعبة، كتلك التي مررت بها، تجعل الإنسان يقدّر نعما كثيرة في حياته كان في السابق يعتبرها بديهية أو مسلما بها.
المــــرأة قوية وصلبة وأنت أكبر مثال على ذلك. كيف تعـــكـــس تجــربــتـــكِ مفــهــــوم الـــقـــوة الحقــيـقـــيـــــة في مواجهة المرض؟
المرأة بطبيعتها قوية جدا، ولكن قد لا يدرك الإنسان القوة الكامنة داخله إلا عندما يمر بتجربة معينة تُظهرها. اكتشفتُ أنني أملك قوة هائلة وقدرة تحمّل كبيرة. وأعتقد أن الله اختارني لسبب، لكي أثبت للناس أن في داخلنا قوة نكتشفها في المواقف الصعبة، وهي التي تساعدنا على مواصلة الرحلة والصمود، بهذه القوة الآتية من الله وبالإيمان.
حدثينا عن علاقتك بابنك خلال هذه الفترة. كيف أسهم وجوده في تعزيز قوتك وقدرتك على الاستمرار؟
في تلك الفترة الصعبة، كان ابني في الرابعة من عمره، لكن التجربة تظل حاضرة في لاوعيه وتظهر من حين لآخر. كل بضع سنوات، يسألني إن كنت مريضة في مرحلة ما من حياتنا. واليوم، وهو في الثانية عشرة من عمره، لا يتذكر كل التفاصيل، لكنه لعب دورا كبيرا، لأنني قلت لنفسي في ذلك الوقت إنني سأعيش لأجل ابني، وسأنهض وأتابع الرحلة وأكمل حياتي لأجله ولأجل زوجي. شعرت بأنني بحاجة إلى البقاء إلى جانبه، لأنني لم أكن أريد تركه وهو في الرابعة من عمره، ولأنه لا أحد يمكنه أن يفعل ما أفعله له، ولا أحد سيحبه مثلما أحبه. قوّاني ذلك بطريقة غير مباشرة، وكنت أحاول التحدث معه بقدر ما يستطيع استيعابه، بناء على نصيحة طبيبة نفسية للأطفال أكدت لي ضرورة أن نكون صادقين مع الأطفال، لأنهم أذكياء جدا، ويفهمون كل شيء، ولأن محاولة إخفاء الحقيقة عنهم ستقلقهم أكثر. أطلعـــته على نسبة كبيرة مما أمر به، أيضا لأنني كنت أضطر في بعض الأحيان إلى الابتعاد عنه لأيام بعد التعرض لإشعاعات معينة. كان الفراق صعبا! وأتذكر أنني أخبرته بأن طبيبي قال إن جزءا من علاجي هو الكثير من القبلات والعناق وسماع كلمة "أحبك"، لكي يكون الشفاء أسرع. وكان كثيرا ما يفاجئني بحضنه وقبلاته، ويقول لي "أنا أحبك".
ما رسالتك للنساء اللواتي يواجهن مرض سرطان الثدي؟
أقول لهن إن كل ظرف صعب سيمرّ، قد نشعر خلاله بأنه لن ينتهي أبدا، ولكنه سيمرّ وينتهي. علينا أن ندرك أن بداخلنا قوة تنتظر أن نكتشفها. وأنصحهن بالثقة بالله، والتقرب منه أكثر، فهذه التجربة قربتني منه كثيرا.ابحثن عن القوة في داخلكن، وستجدنها قبل أن تجدنها في محـيطكن. لا شك في أن من حولنا هم مصدر دعم لنا، لكن يجب أن تنبع القوة من داخلنا أولا، فتتكامل مع دعمهم. ففي بعــض الأحــــيان، قد يخــــــذلنا البــــــــــعض، لذلك لا ينبغي الاعتماد الكامل على الآخرين للصمود. يجب أن نثق بأنفسنا وبقوتنا الداخــــــلية أولا، ومـــن ثم يـــــــــــأتي دور دعم الآخرين. وتذكري أن كل شيء سيمرّ، بإذن الله، لذلك حاولي التركيز على الجوانب الإيجابية وإبرازها لنفسك.
ما مشاريعك المستقبلية؟
إن عائلتي، كما ذكرت، هي أولويتي الأهم. أكثر ما يهمّني ابني وزوجي وأهلي وحياتي وصحّتي، ولذلك أحرص على إجراء فحوص طبيـــة كل ســــتة أشــــهــــر بــــدلا مـــن كل سنة، وأتناول أطـــعمة صــحــيــــة وأمــــارس الــريـــــاضة. طبعا، إن كل شيء بيد الله، ولكن من المهم أن نساعد أجسادنا ونقويها لنخفف من احتمالية الإصابة بالمرض. أما بالنسبة لوظيفتي رئيسة قسم تسويق، فأنا أهتم بها كثيرا وأركز عليها، وأعمل دائما على تطوير نفسي مهنيا.