"إلى عالم مجهول"

خاص "هي": رسالة مهرجان البحر الأحمر - "إلى عالم مجهول".. قضية واحدة ومصائر مختلفة

محمد عبد الرحمن
7 ديسمبر 2024

يبدأ شريط المخرج الفلسطيني مهدي فليفل الجديد "إلى عالم مجهول" من مكان معلوم، هو العاصمة اليونانية أثينا، حيث نعرف سريعا أن الأبطال لاجئون، بلا أوراق، بلا مصدر رزق، الحاضر الوحيد هو هدف الوصول إلى ألمانيا لبداية حياة جديدة ولم الشمل، لكن الفيلم ينتهي إلى مجهول، حيث القضية واحدة، قضية اللاجئين الفلسطينيين لكن المصائر الفردية تختلف، وهو ما حدث بالضبط لـ"شاتيلا" و"رضا" بطلي الفيلم المشارك ضمن المسابقة الرسمية للدورة الرابعة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي بجدة.

"المجهول" هو العنوان الرئيس لتجربة المخرج مهدي فليفل الجديدة، الفيلم الذي انطلقت عروضه من مهرجان كان في مايو الماضي، ويعرض للمرة الأولى في الشرق الأوسط في جدة التاريخية، يدفع بالمتفرج للجلوس إلى جوار الأبطال، الكل حتى المشاهدين يجهلون  كثيرا مما يحدث، بل أن الفيلم ينتهي دون أن نعرف مصير أول عملية تهريب يخطط لها الشابان من أجل النزوح خارج اليونان، الفارق بينهما وبين الجمهور أنهما خططا لعملية آخرى لعل وعسى أن تنجح عكس الأولى، لكن الجمهور يظل لا يعرف شيئا عن مصائر معظم الأبطال، وهنا تتجلي اللغة السينمائية لمهدي فليفل الذي نجح في إصابة المتفرج نفسه بالتوتر، لا مجال للجلوس مستريحا أمام الشاشة باعتباره "مجرد فيلم" لا "نشرة أخبار" بها لقطات مزعجة للروح مؤلمة للمشاعر، بل حكايات بشر يعيشون حياة غير أدمية هربا من مخيمات هربوا هم أنفسهم إليها من أرضهم الأولى .

شاهد أيضًا: مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي يكشف عن أسماء متحدثين إضافيين في دورته الرابعة 2024

فيلم "إلى عالم مجهول"
فيلم  "إلى عالم مجهول"

"شاتيلا" من المخيم إلى اللامكان

"شاتيلا" وبالتأكيد للاسم رمزيته، ابن عم "رضا" كلاهما خرج من مخيم عين الحلوة بلبنان، إلى أوروبا، استقروا في اليونان التي تظهر لنا على الشاشة باعتبارها أقرب للدول العربية، الحياة فيها ليست بأفضل من المخيم الذي وصفه "شاتيلا" بالسجن، لا فارق عنده بين لبنان واليونان، فكلاهما ليسا الوطن .

يحاول "شاتيلا" حماية "رضا" من العودة للمخدرات، لكن الأخير حساس للغاية، وفاشل في جني الأموال، عكس الأول الذي ترك زوجته ورضيعه في عين الحلوة وترك قلبه أيضا هناك وبات بلا مشاعر مستعدا للنصب حتى على لاجئين مثله من فلسطين ومن سوريا، رغم ذلك كل محاولاته للتذاكي تفشل، يضع الخطة تلو الأخرى، لكن ثغرة ما تفسد كل شئ .

"شاتيلا" من المخيم إلى اللامكان
"شاتيلا" من المخيم إلى اللامكان

عمليات نصب مصيرها مجهول

يقابلان طفلا يدعى "مالك" جاء إلى اليونان بدلا من إيطاليا بسبب مناورات المهربين، وتصبح المشكلة كيف سيصل إلى إيطاليا حيث تقيم عمته، يقنع "شاتيلا" صديقته اليونانية "تاتيانا" بأن تمثل دور أمه وتتحرك به إلى إيطاليا وتقاسمهما في الأجر الذي ستدفعه العمة، لكنها والطفل والعمة الكل يختفي، وينتهي الفيلم ولا نعلم إلى أين ذهب الثلاثة، فيما ينخرط "شاتيلا" في خطة نصب أخرى، يدخل "رضا" في غيبوبة ويواصلا سويا الرحلة الجبرية إلى المجهول.

صحيح أن الفيلم يوصف بأنه يمزج بين الروائي والوثائقي، لكنني أعتبره "روائي" بالمقام الأول دون الحاجة لاستدعاء سمة التسجيلي، الذي يمكن أن نراه فقط في اختيار ممثلين غير محترفين أو ليسوا أصحاب تجارب متعددة، لكنهم تحت إدارة فليفل قدما أداءا رفيعا يجعل المتفرج يتابع الرحلة دون الحاجة للسؤال هل هم أشخاص حقيقيون أم ممثلون محترفون، جسد "شاتيلا" محمود بكري، وجسد "رضا" آرام صالح والأخير التحق بالمشروع اضطرارا بديلا لممثل لم يحصل على تأشيرة السفر، فيما أطل منذر رياحنة بشخصية "مروان" مزور الوثائق الرسمية، وجسدت تتيانا الممثلة اليونانية Angeliki Papoulia .

اقرأ أيضًا: أبرز 5 أحداث منتظرة في الدورة الرابعة من مهرجان البحر الأحمر

عمليات نصب مصيرها مجهول
عمليات نصب مصيرها مجهول

السؤال عن محمود درويش

عندما يمرق "رضا" لأول مرة إلى شقة اليونانية المختفية بصحبة "شاتيلا" يكون أول انطباعاته أنه لأول مرة في شقة بلا ضجيج أو زحام، في إشارة لنوعية الأماكن التي يقيم بها اللاجئون في اليونان، وعندما يردد صديقهما المدمن "أبو الحب" أبيات محمود درويش الشهيرة "حاصر حصارك لا مفر" يسأله أحدهم عن اسم الشاعر، في إشارة لانفصال بعض الفلسطينيين عن سرديتهم المتوارثة تحت وطأة الرغبة في النجاة، في الوصول إلى ألمانيا فقط لتأسيس قهوة في حي عربي، أحلام بسيطة لـ"شاتيلا" و"رضا" صاغها مهدي فليفل بعذوبة تعكس الدور بالغ الأهمية للسينما في توثيق معاناة الشعب الفلسطيني وباقي الشعوب القابعة تحت وطأة الظروف المؤسفة  .