فيلم المستعمرة

خاص "هي" مهرجان برلين السينمائي 2025- فيلم "المستعمرة" الهروب من الماضي إلى الماضي

أندرو محسن
20 فبراير 2025

هل يجب أن يُكفر الأبناء عن خطايا الآباء؟ طبقًا للكثير من الأفكار والمعتقدات المتوارثة، فإن ذنب الآباء يمتد لأبنائهم، ما لم يحاولوا التكفير عنه بشكل أو بآخر، إن استطاعوا لذلك سبيلًا، لكن ماذا لو كانت خطايا الآباء معنوية ولا يمكن الإمساك بها أو تحديدها بأي شكل؟ ماذا سيفعل الأبناء في هذه الحالة؟

هذا التساؤل هو واحد من الأفكار التي طرحها فيلم ”المستعمرة“، الروائي الطويل الأول للمخرج محمد رشاد، والذي يشارك في مسابقة ”وجهات نظر“ (Perspecitves) ضمن مهرجان برلين السينمائي الدولي في دورته 75.

يأتي هذا الفيلم نتاج عدة سنوات من العمل المتواصل، بعد فيلم رشاد الوثائقي الطويل السابق ”النسور الصغيرة“ والذي دار أيضًا عن العلاقة بين الآباء والأبناء وإن كان بشكل أكثر وضوحًا. في ”المستعمرة“ يقدم لنا المخرج والمؤلف محمد رشاد الشاب حسام (أدهم شكري) الذي ابتعد عن عائلته لسنوات وانخرط مع عصابات لتوزيع المخدرات، ليعود للعمل محل أبيه في مصنع خراطة عتيق ضخم، وذلك بعد الوفاة المفاجئة للأب.

فيلم "المستعمرة"
فيلم "المستعمرة"

تفاصيل القصة تتكشف لنا تدريجيًا خلال الأحداث، فإن كان رحيل الأب هو أمر ندركه من المشهد الأول، لكن علاقة حسام بالأسرة ومن تبقى منها الأم (هنادي عبد الخالق) وشقيقه المراهق مارو (زياد إسلام)، تتضح معالمها مشهد بعد الآخر. لكن هذا لا يعني أن الفيلم يمنحنا إجابات شافية عن كل شيء، بل يتركنا نستكمل بعض الفراغات بخيالنا طبقًا للأحداث، مفسحًا مجالًا أكبر لعناصر أخرى، أبرزها المصنع، الذي يُطلق عليه ”المستعمرة“.

أغلب أحداث الفيلم تدور داخل هذا المكان الذي يبدو خارجًا من تصورات ما بعد نهاية العالم (post apocalypse)، وإن كان للأسف مصنعًا حقيقيًا. منذ لحظة الدخول لهذا المكان نشعر بانقباض، نتيجة كل شيء وليس شيئًا محددًا، ألوان الجدران، أو ما تبقى من هذه الألوان، والممرات الضيقة، وغرفة الطعام الكئيبة، التي لا تُخرجها من كآبتها محاولات العمال للسخرية من بعضهم، وأخيرًا الماكينات التي حملت إحداها لوحة تشير إلى أنها صُنعت في الاتحاد السوفيتي أي أنها تعمل منذ ما يزيد على 35 على أقل تقدير.

فيلم "المستعمرة"
فيلم "المستعمرة"

الوقوف عند هذه الماكينات التي تعمل بطريقة بدائية وتتعطل أكثر مما تنتج كان أمرًا محوريًا لدى المخرج، فهنا يعمل حسام، وهنا كان يعمل الأب أيضًا، وعندما مات الأب نتيجة خطأ ما داخل المصنع، سمحوا لحسام بأن يحل محله، وهذا ما يعيدنا إلى تساؤل البداية.

في حقيقة الأمر الأب لم يورث الابن دَينًا أو ثأرًا، بل ورثه وظيفة، وهو ما يبدو للسامع أمرًا جيدًا، ولكن عندما ننظر لهذه الوظيفة سندرك أن الأب قد ورط ابنه في هذا العالم الكابوسي، وجعله واحدًا آخر ممن يمارسون عملًا لا ينتهي، وربما لا يدركون حتى جدواه، ولا نفهم إن كان هناك من يستخدم إنتاج هذا المصنع أم أن هؤلاء العمال يعملون على طريقة أسطورة سيزيف الذي كان يحمل الصخرة ليلقيها من أعلى الجبل ثم يكرر هذه العملية إلى ما لا نهاية. في الحقيقة لم يكن بطل الفيلم يحمل هذا الإرث من والده فقط، بل من ماضيه الشخصي أيضًا، إذ أن عمله السابق في تجارة المخدرات ظل يطارده حتى بعد أن تركه وقرر أن يبتعد عنه بشكل صادق، ليبقى وصمًا لا يمكن معالجته.

فيلم "المستعمرة"
فيلم "المستعمرة"

لكن بقدر ما نجح المخرج في إيصال تفاصيل الحالة الشعورية داخل هذا المكان، فإن الغموض ربما كان أكثر من اللازم في بعض الأحيان، إذ سنقضي وقتًا لنفهم ما الذي يفعله الأخ الأصغر داخل المصنع، ووقتًا آخر لنُدرك أن هناك عاملات هناك وليس عمال فقط، بالإضافة لعدم وضوح العلاقة التي نشأت بين حسام وإحدى العاملات (هاجر عمر)، والتي لم نفهم دوافعها بشكل كافٍ للتفاعل معها، أو للإحساس بتأثيرها على حسام نفسه. وربما كانت الشخصية موجودة لوضع المزيد من الحِمل على الشخصية الرئيسية، ولكن تأثيرها لم يكن بالقدر المطلوب، وجعلت هناك بعض القفزات الشعورية غير المفهومة داخل الأحداث.

فيلم "المستعمرة"
فيلم "المستعمرة"

فيلم ”المستعمرة“ يقدم شخصية مأساوية، مُطاردة بين ماضيين، ماضيها الشخصي وماضي الأب أيضًا، وهو ما نجح المخرج في إيصاله بصريًا، رغم وجود بعض الغموض الذي كان يمكن معالجته.

الصور من موقع مهرجان برلين السينمائي.