مسلسل "نُص الشعب اسمه محمد".. كوميديا الأكاذيب والمُصادفات واللف والدوران!
من اللحظات التي تصنع فيها الدراما ذروة التشويق تلك اللحظة التي يرى فيها المُتفرج أكاذيب البطل على وشك الانكشاف، ثم تتدخل صدفة تنقذه في آخر لحظة؛ يصنع هذا حالة من الإحباط، لكن المتفرج يتوقع أن الصدف لن تتكرر وأنه سيسقط لا محالة المرة القادمة. ولكن الصدف تتكرر وتُنقذ محمد عشرات المرات في مسلسل "نص الشعب اسمه محمد"، تأليف محمد رجاء وإخراج عبد العزيز النجار. وبين أفكار الكاتب لتكرار فكرة جذابة، ومُعالجة المخرج للمواقف التي يتعرض لها البطل، يقف المسلسل بين فكرة كوميدية ذكية استهلكها الكاتب وحاول المخرج تمرير التكرار والاستهلاك، فنجح أحيانًا ولم ينجح في أحيان أخرى.
كلام معسول!
مسلسل "نص الشعب اسمه محمد" من الأعمال خفيفة الظل التي عُرضت في النصف الثاني من شهر رمضان، وهو كوميديا اجتماعية تتناول شخصية شاب أناني يستخدم الفهلوة والكلام المعسول للحصول على ما يريد. يستغل من حوله بذكاء وخطط محفوفة بالمخاطر، ورغم أنه زوج وأب لبنت صغيرة، يدخل في علاقات عاطفية مُتعددة. وحتى يُحافظ على تلك العلاقات كأسرار، يصنع نسخًا متعددة من الأكاذيب، وكلما تعمق محمد في أكاذيبه زادت مشاكله وتعمقت، وهو على يقين أن ذكاءه وقدرته على الكذب ببراعة ستنقذه.
تدور الحبكة حول محمد (عصام عمر)، مهندس تكييف يعيش حياة زوجية مملة بسبب فتور علاقته مع زوجته (هاجر السراج)، فيسعى لتغيير نمط حياته عبر الوقوع في حب زميلته في العمل (مايان السيد) بعد أن أقنعها أن حياته الزوجية كئيبة، ويُحافظ عليها فقط من أجل ابنته الصغيرة. على جانب آخر، تتسلى صديقة خطيبته، وهي الفتاة اللعوب نجلاء (دنيا سامي)، بضعف محمد نحو النساء وتورطه في زواج سري يزيد من أسراره ويدفعه إلى اختراع مزيد من الأكاذيب.
نص مسلسل!
تعتمد كوميديا المسلسل على مُصادفات زرعها السيناريو في البداية لتحقيق أزمة البطل: هو يكذب، ثم يُكاد يُكتشف، ثم يكذب من جديد، وهكذا. لكن الأمر تم دون تخطيط درامي جيد؛ فنمت بدون حساب وبصورة مُفرطة خلال باقي الحلقات، وخلقت تعقيدات درامية يدعمها السيناريو بمُبررات لينجو محمد في كل مرة تقترب كذبته من الانكشاف. وقد زاد الأمر حتى أن ثلاثة أرباع المسلسل كان مجموعة من المصادفات التي يصعب تصديقها، وسلسلة من إنقاذ البطل من انفجار الوضع بأكمله لو اكتشف من حوله كذبه، خاصة أن علاقاته بثلاث نساء تزداد صعوبة حينما تتقارب عائلة زوجته وعائلة خطيبته دون أن يدري، ودون أن تُدرك العائلتان أن زوج ابنة العائلة الأولى هو نفسه خطيب ابنة العائلة الثانية. وتزداد المواقف غرابة في مشاهد مثل حوار البطل مع عائلة خطيبته حول الشبكة ومطالب الزواج في الوقت الذي كانت زوجته وحماته في غرفة أخرى بنفس المنزل ضيوفًا على العائلة.
حاول المخرج عبد العزيز النجار مُعالجة تكرار المشاهد بلمسات إخراجية تستخدم الإيقاع السريع للقطات وتوظيف الموسيقى للتعبير عن تناقض الشخصيات، وقد برز هذا التكثيف والسيطرة على الإيقاع في الحلقة الأولى. ولكنه لم يجتهد في تطوير تلك الأدوات لتعميق الحالة الكوميدية في كثير من المواقف التي كان الخناق يضيق على محمد.
كثير من حلقات المسلسل كانت استهلاكًا للوقت والحبكة، والنتيجة نص مسلسل جيد ونص مُحبط للغاية.
ثلاث زوجات
كوميديا الأكاذيب العاطفية والمفارقات التي تصنعها نمط كلاسيكي معروف، وقدمته الدراما كثيرًا؛ فقد مارس محمد فوزي نوعية مشابهة من الأكاذيب في فيلم "فاطمة وماريكا وراشيل"، حينما بدأ علاقات عاطفية متعددة مع ثلاث نساء جميلات في نفس الوقت، وكان الاختلاف بينهن في العرق والدين. ولكن حبكة "نص الشعب اسمه محمد" بنت الحبكة على علاقات اجتماعية مألوفة: "زواج تقليدي، خطبة ومشروع زوجة ثانية، علاقة عابثة تحولت إلى زواج سري". استغل السيناريو تفاصيل اجتماعية لخلق عالم محمد، الذي يدور بين عائلة زوجته، حماته السيدة الساذجة التي تترك لزوج ابنتها إدارة محل لعب أطفال فيسرقها، وعائلة خطيبته المكونة من فاطمة الأم المتسلطة (رانيا يوسف)، وسمير الأب الخاضع لزوجته مُعظم الوقت (محمد عبد العظيم)، وعائلة محمد نفسه، الخال حسن (محمد محمود) وهو مُسن أعزب طيب يتورط في أكاذيب ابن شقيقته الذي يستغل ميل الخال لحماته ميرفت (شيرين)، والأم منيرة (ألفت إمام) وهي صوت الضمير في المسلسل، أرملة طيبة تعيش مُنعزلة في بيتها ومزرعتها في الإسماعيلية، وترفض تصرفات ابنها.
بطة وميرفت!
محمد شخصية غير مثالية، سيكره المُشاهد تصرفاته بعد الحلقة الأولى، ولكنه سيجد فيه ملامح كثيرة من شخصيات حوله، وهذا واحد من الميزات الأصيلة التي لعب عليها الكاتب محمد رجاء في رسم شخصية محمد الذي يتشابه اسمه، وربما عقليته، مع كثير من الشخصيات التي تُصادفنا في الحياة ولا تلفت نظرنا كثيرًا. الشخصية لا تحمل صفات بطولية مُميزة، هو شخص يبحث عن ملذاته ومصالحه، ويبرر لنفسه تصرفاته الشائنة.
الحلقة الأولى من المسلسل من أكثر الحلقات المكتوبة بذكاء وكثافة، وتُدخلنا عالم محمد المُتشابك من العلاقات والأكاذيب. ولكن الحلقات بعد ذلك تميل للنمطية والمصادفات والتكرار، خاصة بعد أن استخدم السيناريو فكرة اكتشاف أكاذيب محمد طُعمًا للمشاهد حتى يُحافظ على متابعته للحلقات. ولكن هذا التقنية تسببت في إحباط متكرر لمشاهد ملَّ المُصادفات والتشويق الزائف، ويبحث عن تطوير للدراما.
ساهم الأداء في إنقاذ المسلسل في حلقات استهلاك المصادفات، وبشكل خاص ثنائي "رانيا يوسف" و"شيرين" وعلاقة الصداقة الحيوية بين امرأتين في منتصف العمر جمعت بينهما صداقة سريعة. حاولت كل منهما تعويض حاجتهما إلى علاقة الصديقة أو الشقيقة؛ شخصية شيرين، معلمة لغة عربية سابقة، أرملة وحيدة بلا أقارب، وجدت في شخصية "فاطمة/بطة" الحيوية مشاعر الونس والصداقة، وفي المقابل وجدت فاطمة في ميرفت الطيبة تعويضًا عن علاقتها المسمومة بشقيقتها الشريرة (غادة إبراهيم).
أداء الشخصيات!
الأداء النسائي تدرج من الفتور إلى الحيوية المُفرطة. تحتل "هاجر السراج"، وبدرجة أقل "مايان السيد"، منطقة الفتور بجدارة، حيث أدت الأولى شخصية الزوجة المخدوعة العصبية بسطحية، والثانية شخصية الخطيبة التي تقبل دور الزوجة الثانية بانفعالات مُحايدة على الرغم من تعقيد شخصيتها. على جانب آخر، تفوقت "رانيا يوسف" بأداء شخصية فاطمة، المرأة الصاخبة التي تجمع بين الطيبة والتسلط وقليل من الشر، وهذا صنع لشخصيتها ملامح مُميزة، وينضم هذا الأداء إلى أدائها خفيف الظل في مسلسل "موضوع عائلي 2"، حيث ساهمت شخصية عبلة في إضافة حيوية لأحداث عمل بدأ يُكرر نفسه.
أداء "هاجر السراج" و"مايان السيد" هو الأقل، ولكن ذلك لا يعود إلى إمكانيات فنية فقط، بل إلى سطحية كتابة الشخصيات وتأثيرها الدرامي الباهت في أغلب الأحيان، وهو أمر تكرر مع شخصية سمير التي تبدو ضعيفة ثم قوية وحازمة في مشاهد أخرى. قد يكون هذا مقبولًا مع شخصية كاريكاتورية مثل شخصية الريس حنفي التي أداها الراحل عبد الفتاح القصري، لكن في المسلسل يؤدي "محمد عبد العظيم" الشخصية من منطقة جادة تميل للخضوع لزوجته التي تُسيطر عليه بجمالها وتُعايره بعجزه، ثم يأتي غضبه وثورته بعد شكه في سلوكها، ثم يعود خاضعًا مرة أخرى حينما يكتشف خطأه. وهذا التلاعب بالشخصيات صنع تناقضًا للسلوك المتوقع للشخصية.
في ظني، حكاية "نص الشعب اسمه محمد" كانت تصلح لفيلم ساعتين، مشاهده مكثفة وسريعة على طريقة الحلقة الأولى، مع تطوير حبكات الشخصيات الجانبية لإضافة عمق للدراما والشخصيات، ونهاية أكثر جاذبية من نهاية المسلسل الوعظية النمطية المُتوقعة التي لا تليق بمغامرة محمد مع الأكاذيب وتلاعبه بالعديد من الشخصيات.
