احتفلي بوصول العام الجديد على ضوء مصابيح فيينا ووسط دفء أسواقها التقليدية
يشتد صقيع الخريف استعدادًا لأيام الشتاء الأولى، حاملًا النفناف الثلجي الأثيري الذي يطل بين الحين والآخر لينثر آخر رشة سحر فوق الأجواء الاحتفالية في مدينة فيينا خلال موسم أعياد نهاية السنة. بين منتصف نوفمبر والأسبوع الأول من يناير، تترصع عاصمة النمسا بنور ملايين المصابيح الثنائية الباعثة للضوء التي تضيء أهم شوارعها، وتتنفس أشهر ساحاتها حياة وطاقة وبهجة مع الأسواق السنوية الاحتفالية التي تكرّم عامًا مضى وتترقب السنة الآتية.
لأسواق نهاية العام في فيينا نكهة أخرى مطعّمة بأريج المخبوزات والمعجنات الطازجة والحلويات والسكاكر والكستناء والبطاطس المشوية والشوكولاته الساخنة، ولها وهج آخر على ضوء آلاف الشموع التي ينعكس وميضها بألف لون ولون من الكرات الزجاجية الزينية، ولها صدى آخر تلحّن وقعه أصوات ضحكات اللقاء وانبهار براءة الطفولة بكل التفاصيل المدهشة الموجودة في كل ركن.
إذا كنت تبحثين عن وجهة مثالية تطوين فيها الصفحة الأخيرة من حكاية 2022 وتستقبلين أحلام 2023 مع شريك العمر أو العائلة أو بمفردك حتى، إن فيينا من أجمل الخيارات. قومي معنا بهذه الجولة على أبرز أسواقها السنوية الاحتفالية التي تزيدها جمالًا وسحرًا في موسم نهاية العام.
حرف وتقاليد على عتبة تاريخ عظيم
في أرجاء فيينا، مبان وقصور تاريخية تعود إلى عصر امبراطوري ذهبي له أثر ثقافي كبير حتى اليوم. وفي الربع الأخير من السنة، تستقبل ساحات المدينة وشوارعها التي تحيط بهذه المعالم الأثرية المهيبة بفخامتها وجماليتها، أسواق سنوية تقليدية مؤلفة من أكشاك خشبية تبيع أعمالًا حرفية خشبية وخزفية وزجاجية وقماشية، مثل الألعاب اليدوية الصنع، والزينة الاحتفالية، والشموع المعطرة بمكونات يمكن رؤيتها بسهولة داخل المادة الشمعية (مثل الأعشاب والورود والتوابل والفاكهة)، والبياضات والأغطية الفريدة المحبوكة بالكروشيه، والحلي والمجوهرات. وتجاورها طبعًا أكشاك تنشر رائحة أشهى المأكولات والمشروبات، مثل الكستناء المشوية مباشرة في الهواء الطلق، والتفاح المغطس بالسكر، ونافورة الشوكولاته، وكعكة الزنجبيل المنكهة بالعسل والتوابل الدافئة مثل القرنفل والقرفة والمصممة بأشكال كثيرة رائعة، وسترودل التفاح النمساوي الأيقوني، وكعكة "فانيلا كيبفرل" بشكل هلالي وطعم الفانيليا وقوام يذوب فعلًا في الفم.
وسط أجواء لا يمكن وصفها إلا بالساحرة، تشع ثلاثون من شوارع فيينا هذا العام بنور المصابيح الزينية المختلفة الأشكال والتصاميم، وتستقبل ساحاتها 17 سوقًا.
6 أسواق احتفالية لا تفوّت لدى زيارة فيينا هذا الشهر
أمام قصر "شونبرون" الامبراطوري الفاخر، وهو أهم قصور النمسا وأشهرها، تقف أكشاك حميمة تبيع أعمالًا حرفية وفنية تقليدية، وخلفها مشغل يعلّم بعض هذه الحرف اليدوية للأطفال. وفي ساحة "شتيفانسبلاتز" في قلب منطقة التسوق السياحية في فيينا، عشرات الأكشاك التي تبيع منتجات نمساوية عالية الجودة. وبالقرب منها، أمام دار الأوبرا، أكواخ خشبية تركز على روائع المطبخ المحلي مثل كعكة الزنجبيل الشهيرة المحشوة باللوز، وأنواع الأجبان والمخبوزات التقليدية المختلفة.
في جزء آخر من المدينة، سوق في ساحة "ماريا تيريزين" بين متحف الفن ومتحف التاريخ الطبيعي، مع عدد كبير من الأكشاك المزينة بلمسات احتفالية فائقة الجمال. وخارج مبنى "بيلفيدير" التاريخي، الذي يعتبر بعمارته الباروكية أحد أروع معالم المدينة، تباع أعمال حرفية كثيرة تستحق الاستكشاف والاستماع إلى قصصها.
بعض هذه الأسواق بدأ قبل عقود كثيرة حتى صار تاريخياً بالفعل، لكن السوق الأحدث بين أسواق فيينا الاحتفالية، سوق باسم "حلم فيينا" في ساحة قاعة المدينة. هنا تجدين أروع الأطعمة والحلويات والمشروبات الساخنة والقطع الفنية والزينة والهدايا، بعد الدخول تحت قنطرة مضاءة وملونة، إلى مساحة تشبه قرية خيالية من الأضواء والزينة. في سوق "حلم فيينا"، أضواء رائعة، و"شجرة القلوب" الشهيرة المضاءة بمصابيح حمراء على شكل قلوب معلقة على أغصانها، ودوامة كاروسيل متعددة الطبقات، وقطار موسمي، وحلبة للتزلج على الجليد بين انعكاسات الأضواء المدهشة، ومكان يعلّم الأطفال صناعة الشموع وأقراص الكوكي الموسمية الشهية.
التذكار الشتوي الأجمل
من أجمل ما تبيعه أسواق نهاية العام في فيينا، كرات الثلج! في الواقع، كان اختراع كرة الثلج في النمسا، حين قام "إروين برزي" مصنّع الآلات الجراحية في أواخر القرن التاسع عشر بابتكار أول كرة ثلج والحصول على براءة اختراع لها. تقول القصة إنه كان في صدد العمل على تطوير مصدر ضوئي فائق السطوع ليكون مصباحًا جراحيًا، وفيما كان يحاول تكثيف القوة المضيئة لزجاجة مليئة بالمياه كانت تستعمل منذ القرون الوسطى لتركيز الضوء، استعان بنثرات من مواد مختلفة عاكسة. وذكّره تأثير هذه الجزيئات بمشهد تساقط الثلج. هكذا، صمم أول كرة ثلج في التاريخ، وفتح متجرًا لبيعها في فيينا. ما زالت عائلته (على يدي حفيده "إروين برزي" الثالث) تحافظ على الشركة حتى اليوم وتتابع الإنتاج، وتصدّر آلاف الكرات إلى كل أنحاء العالم. تبقى المادة المستعملة والتقنية المستخدمة سرّين عائليين، لكنه بإمكانك شراء كرات الثلج المزينة بعشرات المشاهد والشخصيات والرسوم من عائلة مخترعها لدى زيارة فيينا، ومن أسواقها الاحتفالية!
تجربة متكاملة
إذا اخترت فيينا لتكون الوجهة التي تحتفلين فيها بقدوم عام جديد، وقررت استكشاف روائع أسواقها الموسمية، يمكنك القيام الذهاب مع مرشدين متخصصين حول أسواق المدينة ويشرحون لك عن تاريخ كل منها وخصائصها. نحن قمنا بجولة على الأسواق التقليدية مع المرشد الشاب "باستي كنوبل" وشقيقته "غابي"، وهما مؤسسا وكالة الجولات السياحية الفريدة والعصرية "ريبل تورز فيينا"Rebel Tours Vienna ، واستمتعنا بتعلم الكثير من الوقائع والأرقام والطرائف في جو من المرح والبهجة والحيوية.
ولا تنسي إتمام التجربة باحتساء أحد اختراعات القهوة الساخنة التي تشتهر بها فيينا في مقاهيها التي لا تعد ولا تحصى، وتناول أحد أنواع معجناتها وكعكاتها الاستثنائية مثل كعكة "زاخر" الأسطورية المثالية لعاشقات نكهة الشوكولاته. ولإضافة نكهة ثقافية فنية مترفة من نوع آخر إلى زيارتك، لم لا تشاهدين عرضًا موسيقيًا حيًا في دار أوبرا فيينا، أحد أجمل مباني المدينة وأعرقها والذي له سحره الخاص في هذا الوقت المميز من السنة...