الفنانة المغربية منال تكتب لـ"هي": الموسيقى يمكن أن تغيّر العالم
الموسيقى كلمة كبيرة، يتصوّرها كل فرد على طريقته الخاصّة.
فالبعض ينظر إلى الموسيقى على أنها الأغاني التي يستمع إليها عند قيادة السيارة، بينما يراها البعض الآخر هروبا من الواقع، أو مجرّد قائمة أغانٍ موجودة على الهاتف المحمول. وقد يتخيلها بعضنا نوتات أو آلات موسيقية أو حتّى أشخاصا.
بالنسبة لي، الموسيقى هي لغة الروح، هي شعور لا يمكن وصفه، مزيج من الأحاسيس، وطريقة للتعبير عمّا أشعر به حين تعجز الكلمات عن ذلك. لطالما عشقتُ الموسيقى، فالحقيقة المضحكة هي أنّ والدتي كانت تستمع إلى أمّ كلثوم ووردة عندما كانت حاملا بي. لذا، بإمكاني القول إنّ الموسيقى كانت جزءا لا يتجزّأ من حياتي كاملة، وصولا إلى يومنا هذا.
استمــعتُ منذــ صغـري إلى مغنين متعددين، وكنـتُ من أشــــدّ المعجــــبـــــــين بـ"سيــــليــن ديون" و"بيونسيه"، واهتمـــمت كثيرا باكتشاف كيف عملتا على الألـحــــان والتنــــــاغمات. أعشـــق الانسـجـــــامات الموسيقية، فهي تجعلني سعيدة للغاية؛ لذلك، عنـــدما أكتــــب أغنية، أحـــــرص على وجود جميع التناغمات التي يمكنني الحصول عليها، وذلك من أجل المتعة فقط!
كان حلمي الأكبر أن أصبح مغنية، وشعرتُ بذلك في أعماق قلبي. أردتُ أن أصبح مغنية، وأتشارك مشــاعري وأغنــياتي مع العـــــــالم. عندما اكتشـــفت والــــدتي شغـــفي بالموسيـــــقى، اشتــــرت لي غيتـــــاري الأوّل، وبدأ مدرّس خاص يعلّمني أساسيـــــات الآلة. لكـــن سرعان ما شعـــــرتُ بالملل، وأوقـــفـــــتُ الـــدروس، وبدأتُ أتعلّم مباشرة من فيـــديوهـــات "يوتيــــــوب" التعـــليميـــــة.
بدأتُ أكتب الأغاني عندما بلغتُ الـ11 من عمري. استلهمتُ من أغاني "ديزني"، ومن موضوعات أكثر جديّة مثل الحرب في العراق. أتذكّر أنني كتبتُ ذات مرّة أغنية تنادي بوقف الحرب، وأعتقد دائما أنّ الموسيقى هي وسيلة لمشاركة رسائل مهمّة ولتغيير العالم.
أمّا اليوم، فأنا أكثر حماسة لأشارك العالم حبّي للموسيقى، وذلك بطرق مختلفة، فالترفيه أمر أساسي، لكن بالنسبة لي، الرسالة الكامنة وراءه هي ما يحثّني على الاستمرار في الكتابة والابتكار. لا أريد أن تكون الموسيقى الخاصة بي رائجة أو جيّدة فحسب، بل أريدها أن تحض الناس على التفكير والمناقشة. أريدها أن تحرّك مشاعرهم، وأن تساعدهم على تخطّي الأوقات الصعبة، وأن تدفعهم للشعور بأن هناك من يحبّهم ويفهمهم، والشعور بقيمتهم وأهميّتهم.
أختار موضوعاتي بطريقة فريدة. ما الموضوعات التي لا أحد يتحدّث عنها؟ ماذا أريد أن أغيّر في عالمي كأنثى وفنانة مغربية؟ ما الذي تحتاج إليه الموسيقى المغربية أو العربية اليوم؟ كيف أستطيع التأثير بشكل إيجابي من خلال الموسيقى الخاصة بي؟ وما الهدف منها؟ أطرح على نفسي تلك الأسئلة دائما قبل أن أفكّر في أي أغنية.
ثقافتنا غنية جدّا، إيماننا رائع، لغتنا يصعب نشرها حول العالم، لكن ذلك ليس بالأمر المستحيل! هدفي هو نقل الموسيقى والجمال والثقافة العربية إلى العالم. فالموسيقى تفوق حدود فهم الكلمات، إذ يمكنك الشعور بالعاطفة والطاقة اللتين تبثّهما الأغنية من دون حتّى أن تفهمي كلماتها. جميل جدا أن أتشارك ذلك مع أشخاص يعيشون في أقطار العالم كافة، مثل هونغ كونغ أو أستراليا.
تمحورت مشاريعي حول تمكين المرأة، وكسر الصور النمطية التي نعيش فيها في المغرب. لكن بالتأكيد، تطال الموضوعات جميع نساء الشرق الأوسط، لأنّ ثقافتنا وقيمنا متشابهة للغاية.
بدأتُ أكسر الصور النمطية عن طريق إظهار نساء يؤدين أعمالا لم نتخيّلهن فيها، مثل العمل في ملحمة. وترونهن أيضا يغنّين الراب في أغنيتي "تاج"، تصدّيا للتحرّش الجنسي والتمييز، ويواجهن الانتقاد والبيئة السامّة التي تشكّلها أحيانا وسائل التواصل الاجتماعي. ونجد للأسف نساء لا يدعمن بعضهنّ البعض، الأمر الذي كان موضوع أغنية SLAY، وآمل أن يتغيّر هذا الأمر. كما تناولتُ قضيّة العنف الأسري. فتوصّلتُ إلى أغنية "عاري" المميّزة، والتي تنشر الوعي حول أهمية تغيير الأمور، وتأثير العنف في هدم الأسر وهدم الأجيال المستقبلية.
فضلا عن ذلك، أطلقتُ أغاني تتحدّث عن الحب، لكن ذات معاني جوهرية، مثل كيف يحب البعض تحطيم علاقة ثنائي لمجرّد رؤيتهما سعيدين في أغنية "نتا"، أو كيف يمكن للثنائي أن يتخطى المشاكل، ويقوّي العلاقة في أغنية "ما خلوا ما قالوا".
ســاعدتني تجــــاربي الشخصـــــية كثيــــرا، وشكّـــلت مصــــدر الإلـــــهام بالنــــســبة لي عنــــدما يتعلّق الأمر باختيار موضوع الأغنية.
لكنني أيضا متنبّهة جدا لما يدور من حولي، لقصص أصدقائي، والأشخاص الذين ألتقي بهم، والقضايا المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، والشهادات التي أسمعها عبر الراديو، وأي شيء آخر أصادفه. لذلك، أحب أن آخذ وقتا كافيا لتحضير مشروعٍ معيّن، وبكل صراحة إن فريق عملي هو الأفضل، لكونه الداعم الضروري لكل فنّان يحتاج إلى الشعور بالأمان والتركيز على الموسيقى.
اليوم، أرى الموسيقى طريقة لتغيير العالم، ومشاركة المشاعر مع الناس، والاستمتاع، وتحقيق ذاتي كامرأة وكفنّانة. أؤمن بأن مستقبل الموسيقى عربي. وقتنا قد حان، وثقافتنا تستحق الشهرة العالمية، وأنا متحمّسة جدا لكي أطلق مشروعي التالي الذي أمضيت حياتي بأكملها أعمل عليه، وقد مررنا بتحديات كبيرة أنا وفريق العمل لنحقق النتائج المرجوّة.
لذا أراكم فور إطلاقه!