أميرة الفنون علياء السنوسي في حوار خاص مع "هي" حول الفن المعاصر وصيحاته المشوّقة

"أميرة الفنون" علياء السنوسي في حوار خاص مع "هي" حول الفن المعاصر وصيحاته المشوّقة

فالنتينا مارياني
2 سبتمبر 2024

من بين أكثر الشخصيات تأثيرا في عالم الفن اليوم، "علياء السنوسي" المعروفة بمساهماتها المؤثرة كراعية للفن المعاصر وقيّمة فنية. حاملة وجهة نظرها الفريدة ودعمها العازم للفنانين الناشئين، أصبحت معروفة بكونها صاحبة رؤية في هذا المجال؛ وبصفتها عضوا في لجنة المقتنيات الفنية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في متحف "تيت" ، تلعب "السنوسي" دورا محوريا في صياغة تمثيل فناني هذه المنطقة في المؤسسات الكبرى. وفضلا عن ذلك، فقد نال اهتمامها المتفاني بتعزيز الحوار والتفاهم الثقافيين من خلال الفن، استحسانا واسع النطاق.

في هذه المقابلة الحصرية، نغوص في فكر "علياء السنوسي" ، لنتعرّف إلى إلهامها وتحدياتها وتطلعاتها فيما يتعلق بالفن المعاصر وعالمه الديناميكي، فتشاركنا أفكارها ورؤيتها حول كيفية تشكّل عالم الفن في الوقت الحالي وفي المستقبل.

لنبدأ الحديث مع الصيحات الجديدة.. ما أبرز الصيحات الجديدة المشوّقة في عالم الفن اليوم؟ وكيف تعتقدين أنها تؤثر في مستقبل الفن وتوجّهه؟
يستخدم الفنانون أصواتهم ومنابرهم بشكل متزايد للتحدث عن الرؤية التي يريدون أن يشاهدوها تتجلّى في هذا العالم. نرى ذلك في المملكة العربية السعودية مثلا مع الفنانة "منال الضويان" التي كانت في طليعة هذا التوجّه طوال مسيرتها المهنية، وحديثا مع عرضها المذهل في مدينة البندقية. لطالما احتفت "منال" بالنساء، وكانت جزءا من النقاشات المحورية التي تناضل من أجل توسيع نطاق حقوق المرأة، وهي الآن إحدى النساء السعوديات المتمكنات اللواتي يرغبن في إظهار ذلك للعالم. وهناك "نان غولدين" المثال الرائع على الفنانة التي تؤمن بقوة السرد القصصي واستخدام عملها لتغيير العالم أيضا، وهي دائما تقف على الجهة الصحيحة وتناضل من أجل الجميع. لا شك في أن هناك دائما فنانين يركبون موجة الصيحات، وجامعي الأعمال الفنية الذين يتبعونهم، لكن النوعية الجيدة لن تكون يوما موضة عابرة. وفي هذه اللحظة التي يعيشها عالمنا حاليا، نرى تأثيرا في السوق، لكن مع ذلك هناك فنانون يواصلون تقديم أعمالهم، ويلقون تقديرا لممارساتهم. أحب التركيز على السكان الأصليين، والممارسات التي غالبا ما تنبع من هذه المجتمعات، وتحديدا مثل المنسوجات والحرف اليدوية التي يتم الاعتراف الآن بأنها فنون. إن النسيج هو شيء أنظر إليه بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بالممارسات الفنية الناشئة أو الناضجة التي تجاهلناها لوقت طويل.

" منال الضويان" ، "نطقت الرمال فتحرك الصوت" ، عمل تركيبي متعدد الوسائط، 2024. الصورة بعدسة VENICEDOCUMENTATIONPROJECT، وبإذن من هيئة الفنون البصرية، مفوّض الجناح الوطني السعودي
" منال الضويان" ، "نطقت الرمال فتحرك الصوت" ، عمل تركيبي متعدد الوسائط، 2024. الصورة بعدسة VENICEDOCUMENTATIONPROJECT، وبإذن من هيئة الفنون البصرية، مفوّض الجناح الوطني السعودي



بالنسبة إلى التكنولوجيا والفن، كيف ترين تأثير التكنولوجيا، ولا سيما التطورات مثل الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي، على ابتكار الفن وعيش تجربته في السنوات التالية؟
الذكاء الاصطناعي أمر مرعب بالنسبة لمعظم الناس، بمن فيهم أنا، لكنني أدرك أن تأثيره سيكون كبيرا وواسعا، على أمل أن يكون أداة أكثر من كونه عملا فنّيا في حد ذاته. يمكن للذكاء الاصطناعي أيضا أن يكون مهما للغاية في مجال الأبحاث، ويستطيع أن يساعدنا في مبادرات تعليمية متنوعة ضمن المجال الثقافي وخارجه. كما نلاحظ تركيزا كبيرا على الأعمال التركيبية الغامرة، مثل افتتاح "تيم لاب بلا حدود" مؤخرا في جدة، وآخر في أبوظبي في فترة لاحقة. ومع ذلك، لا يعتمد الفن الغامر فقط على التكنولوجيا، فلا ننسى ما قدمه "أولافور إلياسون" في قاعة "تورباين هول" في متحف "تيت" قبل أكثر من ٢٠ عاما، والذي غيّر بشكل جوهري الطريقة التي نختبر بها الأماكن العامة. ونرى "حقل القمح" للفنانة "أغنيس دينيس" التي أعادت تقديمه في الآونة الأخيرة ضمن معرض "آرت بازل"، حيث سيحظى الناس بفرصة حصاد القمح في نهاية الصيف. وسيكون إبداع "أغنيس" عنوانا لا يفوَّت في "وادي الفن"، الموقع الأروع لاختبار الانغماس الثقافي.

"مايكل أرميتاج" ، "شاهد" WITNESS ، 2022. الصورة بإذن من WHITE CUBE
"مايكل أرميتاج" ، "شاهد" WITNESS ، 2022. الصورة بإذن من WHITE CUBE


هل يمكنك أن تشاركينا أسماء بعض الفنانين الصاعدين الذين يجب أن نتابع جديدهم؟
دانا عورتاني"، و"أحمد ماطر"، و"نور جودة"، و"مايكل أرميتاج"، و"نان غولدين"، و"وولفغانغ تيلمانس"، و"بريشوس أوكويومون".

بريشوس أوكويومون" ، "بذر الأرض" EARTHSEED ، في معرض الفنون الحديثة، فرانكفورت، 2020. الصورة بعدسة ALEX SCHNEIDER
بريشوس أوكويومون" ، "بذر الأرض" EARTHSEED ، في معرض الفنون الحديثة، فرانكفورت، 2020. الصورة بعدسة ALEX SCHNEIDER


ما مدى أهمية الاستدامة برأيك في مستقبل الفن، من حيث المواد التي يستخدمها الفنانون وأيضا ممارسات صالات العرض والمتاحف؟
إن التغير المناخي أزمة طارئة حقيقية. لكنني أعتقد أننا جميعا بحاجة إلى إعادة التفكير في كيفية استجابتنا لها. أفهم أن هناك بصمة كربونية هائلة للمعارض المؤقتة وللسفر من أجل مشاهدة الفن، لكنني أرفض أن يعني ذلك أن نعزل أنفسنا عن بقية العالم بعدم ركوب الطائرة. إن بينالي الدرعية (للفن المعاصر والفنون الإسلامية) هو من أهم المنصات التي تقرّب أجزاء عالمنا بعضها من بعض، وأنا أؤمن إيمانا عميقا بأن رؤية الفن والتفاعل مع المجتمع ولم شمل الفنانين والرعاة والشخصيات الثقافية وغيرهم، هو ما يغير العالم للأفضل. صحيح أن تنظيم معرض وبرنامج كبيرين مثل "بينالي الدرعية للفن المعاصر" و"بينالي الفنون الإسلامية" يتطلّب كمّا هائلا من الموارد التي قد يقول البعض إنها مضرّة بالبيئة، لكنني أعتقد أننا إذا كنا منتبهين وواعين لاستخدام المواد والشحن والبناء، وفكّرنا في سبل إعادة الاستخدام، يمكننا تخفيف الضرر. هذا هو بالضبط ما يفعله البينالي، فانظروا إلى حي "جاكس" ، أو صالة الحجاج، وسترون أنها مساحات رائعة كانت بحاجة إلى حياة جديدة، وهو تماما ما حصلت عليه. أريد أن يأتي الناس من حول العالم لزيارتها والاحتفال بها، وهو ما لا يجب طبعا فعله من خلال المكالمات والفيديوهات! هناك الكثير من المنظمات التي تأتي بأفكار مبتكرة حول كيفية استخدام المواد، وكيفية بناء الأعمال الفنية وعرضها، بطرق أقل ضررا بكثير من الطرق القديمة الأكثر تقليدية. أرحّب بالمزيد من الابتكار، والمزيد من إعادة الاستخدام، والمزيد من السفر!

واجهة مبنى مؤسسة "بينالي الدرعية" ، وموقع معرض "بينالي الدرعية للفن المعاصر" في حي "جاكس" ، الدرعية. الصورة بإذن من مؤسسة "بينالي الدرعية"
واجهة مبنى مؤسسة "بينالي الدرعية" ، وموقع معرض "بينالي الدرعية للفن المعاصر" في حي "جاكس" ، الدرعية. الصورة بإذن من مؤسسة "بينالي الدرعية"



بصفتك راعية فنّية وجامعة فنّية بارزة، برأيك ما الدور المتطور الذي سيؤدّيه هواة جمع التحف الفنية في دعم وتشكيل المشهد الفني المستقبلي؟
أنا من أشد المؤمنين بأهمية صالات الغاليري، باعتبارها عنصرا أساسيا في منظومة عالم الفن، لأنها في جوهرها حامية الفنانين (الذين هم في الحقيقة محور عالم الفن) ومسيراتهم الفنية وتركاتهم إلى الأبد. وهذا ينطبق بشكل خاص على أسواق الفن اليافعة، وبالطبع هذا هو ما نراه تماما مع الفن الطليعي المعاصر في منطقة الخليج والعالم العربي عموما. ويجب على جامعي الأعمال الفنية أن يكونوا أعضاء مسؤولين في هذه المنظومة، وأن يفهموا أن دعمهم المالي هو سبب وجود ثقافة عظيمة في مدننا، وفنانين يستطيعون تكريس مواهبهم لأعمالهم. من خلال جمع الأعمال الفنية ودعم المؤسسات، يتيح هواة جمع الفن للشخصيات الأساسية في عالم الفن، أي الفنانين، أن يكونوا موجودين. أريد أن يكون في عالمنا المزيد من جامعي الأعمال الفنية، الذين يؤمنون بتمكين الفنانين والقيمين الفنّيين حتى يحلموا (ويعملوا) بطموح كبير، على غرار "مايا هوفمان" . ولو لم يكن لدينا جميعا منظمة مثل "لوما" (وأنا بالتأكيد لا أملك مثلها!)، يمكننا أن نؤدي أدوارنا الصغيرة لدعم الفنانين الذين هم جيراننا وأصدقاؤنا في مجتمعاتنا.