حوار خاص لـ"هي" مع الفنان علاء ابتكار

حوار خاص لـ"هي" مع الفنان علاء ابتكار: يسعى عملي إلى فهم أكبر لمكاننا في الكون

فالنتينا مارياني
9 أكتوبر 2024

في عالم الفن المعاصر، قلّة هم المبدعون الذين يأسرونك بفنّهم مثل علاء ابتكار . ببراعة مطلقة، يجمع الفنان المولود في الولايات المتحدة لأبوين إيرانيين، بين الفن الفارسي التقليدي والجماليات الحديثة، بانيا أسس لغة بصرية فريدة تتحدث عن موضوعات الهوية الثقافية والتاريخ والتقاء الشرق والغرب. وتشتهر أعماله المعقدة، التي تشمل اللوحات والرسومات والتركيبات، باستخدامها المبتكر للضوء والظل، وطابعها الحالم الذي يأسر المشاهد. مع معارضه التي يقيمها في مختلف أنحاء العالم، حصد "ابتكار" تقديرا عالميا، بعد أن ميّز نفسه بقدرته القوية على نسج خيوط العوالم القديمة والمعاصرة معا. حديثا، اختتم معرضه بعنوان "سماء الوديان السبعة" مع غاليري The Third Line في دبي، وتأرجح المعرض بين رحلات ملحمية وكائنات أبدية الوجود ومساحات الكون، داخل غرفة لامحدودة المنظور ولامتناهية الإمكانيات زيّنتها ثمار التقاطع بين التصوير الفوتوغرافي المتعدد الأطوال الموجية وضربات الفرشاة. جلسنا مع هذا الفنان الرؤيوي للتعمّق في عمليته الإبداعية، ومصادر الإلهام خلف أعماله، ومنظوره حول الحوار المتطور بين الثقافات في عالم الفن.

 حوار خاص لـ"هي" مع الفنان علاء ابتكار

تمزج أعمالك بين الفن المعاصر والتأثيرات الفارسية التقليدية، بطريقة رائعة. ما كان أوّل ما ألهمك دمج هذين العالمين في فنك؟
بكل الجوانب المتعددة لهويتي ورحلتي حتى الآن، إنه انعكاس محض يسمح لي ببناء حوار بين الماضي والحاضر.

 كونك فنّانا إيراني الجذور، كيف تتعامل مع تعقيدات الهوية الثقافية في عملك وتعبّر عنها؟
أتعامل مع تعقيدات الهوية الثقافية، وأعبّر عنها من خلال مجموعة متنوعة من الأساليب والمقاربات والمواد. على سبيل المثال، للجغرافيا والمجتمع تأثير كبير في عملي، لأنني أراعي دائما خصوصية موقع العمل أو المعرض. فقد يُعرض العمل نفسـه في قارتين مختلفتين، ولكنني أضع إطارا مختلفا للنقاش أو للمفهوم الأوسع، بناء على السياق.

 حوار خاص لـ"هي" مع الفنان علاء ابتكار

بين الرسومات واللوحات والأعمال التركيبية، قد جرّبت وسائط متنوعة. ما الذي يدفعك لاختيار وسيط معين لمشروع فنّي؟
في جوهر أعمالي، إن وسيطي الفنّي هو الوقت والضوء، بمختلف تجلياتهما.

تتعمق الكثير من أعمالك في موضوعَي الزمان والفضاء. هلا أخبرتنا أكثر عن اهتمامك بهذين المفهومين ووقعهما على عمليتك الفنّية؟
لطالما كنت مبهورا بالطريقة التي من الممكن بها أن ندرك بها العالم عبر مقاييس زمنية بديلة، وهو ما يشجع المشاهدين على التفكير في أفق زمني أوسع. ومن خلال الانخراط في مقاييس زمنية أكبر، يسعى عملي إلى تعزيز شعور أعمق بالتعاطف وفهم أكبر لمكاننا في الكون.

 حوار خاص لـ"هي" مع الفنان علاء ابتكار

 حظيت سلسلة "فن الترجمة" Art of Translation باهتمام كبير. كيف نشأ هذا المشروع؟ وما أهميته بالنسبة إليك؟
ولدت هذه السلسلة من محاولة لاستيعاب مفهوم "والتر بنيامين" عن "الهالة" في الأعمال المستمدة من نصوصها ومصادرها الأصلية. هذه السلسلة المستمرة محورية في فنّي، إذ تستكشف تقاطعات بين المخطوطات التاريخية والفن المعماري واللغة البصرية المعاصرة والشعر والترجمة.

للتعاون دور في مشاريعك. ما مقاربتك في العمل مع فنانين آخرين أو مؤسسات؟ وما أكثر جانب مجز بالنسبة إليك في المشاريع المشتركة؟
أنا مهتم دائما بقدرة التعاون، سواء كان مع شركاء جدد أو مألوفين، على إثراء العملية الإبداعية والنتيجة النهائية. وتصبح الثمرة الأخيرة صدى لكل الأفراد والمواقع المعنية.

 حوار خاص لـ"هي" مع الفنان علاء ابتكار

 كيف أثّرت خلفيتك الأكاديمية، بصفتك طالبا أو محاضرا، في ممارستك الإبداعية؟
لقد أثّرت خلفيتي الأكاديمية الرسمية وغير الرسمية على ممارستي الإبداعية بطرق لا حصر لها. من التعليم المبكر على أيدي كبار السن في مجتمعي إلى التعليم الرسمي من مرشدين أكاديميين، أسهمت كل تجربة في تشكيل فنّي. وبالعودة إلى سؤالك السابق حول كيفية التعامل مع تعقيدات الهوية الثقافية والتعبير عنها في عملي، فغالبا ما ينطوي ذلك على مقاربات وأدوار تربوية إلى جانب العمل في الاستوديو، مثل إدارة مبادرة "الفن والفضاء الاجتماعي والخطاب العام" في جامعة "ستانفورد". تتجسد هذه التعقيدات في بعض الأحيان كأشياء ملموسة، بينما تأخذ في أحيان أخرى شكل ندوات أو حوارات عامة، وكل منها يتطلب مواد ومنهجيات مختلفة.

 إن تقاطع العلم والفن هو موضوع متكرر في عملك. كيف تلهم الأفكار والاكتشافات العلمية إبداعاتك الفنية؟
أجد أن العلم والفن مترابطان بعمق، وفي معظم الأحيان أكثر مما نتصور. خلال نشأتي، أُعجبتُ بالكثير من العلماء المتعددي المجالات الذين مزجوا بسلاسة بين البحث العلمي والتعبير الفني، أو الذين كانوا على دراية جيدة بعدة تخصصات. هذه المقاربات المتعددة التخصصات أساسية في عملي. فعلى سبيل المثال، تتضمن تجاربي مع المواد العضوية والحساسة للضوء تقنيات مستوحاة من التصوير الفوتوغرافي والكيمياء وعلم الفلك، بحيث أتعامل مع الشمس والقمر والنجوم كمتعاونين فاعلين في عمليتي الإبداعية.

 حوار خاص لـ"هي" مع الفنان علاء ابتكار

هل يمكنك أن تخبرنا عن أحد المشاريع الصعبة التي نفذتها؟ وكيف تغلبت على العقبات التي واجهتك؟
قد يكون مشروع Luminous Ground هو الأكثر تحديا، إذ استمرّ لسبع سنوات من الاستكشاف والتجريب والتبلور. تكوّنت رؤيتي للمشروع في مرحلة مبكرة، لكنني لم أكن قد عملت مع الخزفيات منذ أيام الدراسة، ولم يسبق لي أن صنعت بلاطا، فضلا عن البلاط المعالج بعملية تصوير فوتوغرافي لجعل الطين حساسا للضوء. وبعد أشهر من المحاولات، نجحنا في طباعة صورة من صورة ضوئية سلبية على البلاط، باستخدام أشعة الشمس. وتمثّل التحدي الأكبر بعد ذلك في الحفاظ عليها أو تثبيتها لتتحمل الظروف الجوية في الأماكن العامة الخارجية. أردت أيضا أن يكون العمل "حيّا"، أي غير ثابت بشكل دائم، بل قطعة تعكس بيئتها وزمنها، ويتغير مظهرها مع كل موسم.

 حوار خاص لـ"هي" مع الفنان علاء ابتكار

 ما الرسالة أو التجربة التي تأمل أن يستخلصها المشاهدون من فنّك؟ وكيف ترى تطور أعمالك في المستقبل؟
أرى عملي بمنزلة دعوة للنظر إلى الخارج واستكشاف وسع الكون والزمن، والنظر إلى الداخل والتأمل في ذواتنا. آمل أن يجد المشاهدون شعورا بالدهشة، ويتمعّنوا في هذه الرحلة المزدوجة، مدركين الترابط بين كل الأشياء. أما بالنسبة للمستقبل، فأتخيل عملي مستمرّا في التطور من خلال تعميق هذا الحوار بين العالمين الخارجي والداخلي. بالتأكيد سوف أستفسر دائما، وسوف أدمج مواد وتقنيات جديدة مع بقائي متجذرا في التقاليد الغنية التي تلهمني. وسيظل تركيزي منصبا على ابتكار قطع ليست مجرد أشياء ثابتة، بل هي تجارب ديناميكية تتغير مع الوقت والسياق، معززة المشاركة والتأمل المستمرين.

 حوار خاص لـ"هي" مع الفنان علاء ابتكار

Credits