
خاص "هي": وقفة سعودية في الحكمة والتجارب.. صوت الحاضر يهمس للماضي
لو أتيح لنا أن نعود لحظة واحدة إلى الوراء، لا لنُغير ما حدث، بل لنهمس في أذن ذواتنا الصغيرة بكلمة طمأنينة، بنصيحة دافئة، أو حتى بصمت مطمئن، فماذا كنا سنقول؟ هل كنا سنحذّرها من العثرات، أم نتركها تتعثر لتكتشف قوتها بنفسها؟
من د. بدرية البشر، الكاتبة والروائية السعودية التي تكتب بروح المرأة التي واجهت القيود بالكلمة والاختيار، إلى د. عواطف القنيبط، الفنانة التشكيلية ورئيسة جمعية الخزف التعاونية التي مزجت بين الطين والهوية، مروراً بعبدالله الخريّف، المهندس والفنان البصري الذي يرى في الضوء والظل لغة تتجاوز الكلمات. في هذه الوقفات، لا نحتفل بالماضي، بل نُعيد اكتشاف الحاضر من خلاله. نحتضن الأخطاء، وننصت إلى صوت التجربة، ونُكرّم الرحلة بكل ما فيها من تعلّم وتأمل.
د. بدرية البشر كاتبة وروائية سعودية
بين الفكر والسرد، تمضي الدكتورة بدرية البشر في مسارٍ تتقاطع فيه المعرفة بالحس الإنساني العميق. كاتبة وروائية وأكاديمية سعودية، تحمل في صوتها الأدبي بُعدًا اجتماعيًا وفلسفيًا، نتج عن رحلة علمية امتدت إلى نيل الدكتوراه في الفلسفة الاجتماعية، وعن سنوات من المراقبة الدقيقة لمجتمع يتغير، وثقافة تُعاد صياغتها.
كتبت بدرية في الصحافة العربية لأكثر من عقدين، وكانت مقالاتها بمثابة مرآة تعكس هموم الإنسان وتطلعاته، تنقل النبض اليومي إلى صفحات الرأي بأسلوب رشيق، ووعي نقدي يقف على مسافة واحدة من الحدث والفكرة. أما في الرواية، فصاغت أعمالًا مثل هند والعسكر وزائرات الخميس، استطاعت من خلالها رسم عوالم نسائية معقدة، تُضيء ما هو صامت في التجربة الإنسانية، وتمنح الهامش صوتًا.
أعرف الآن ما لم تكوني تعرفينه يومها:
"حين رأيتها ذات ليلة تشعر بالتخلي وأنها ضائعة، كنت سأقول لها: لا تخافي، ستهتدين إلى الطريق، أنتِ ذكية بما يكفي لتعرفي الطريق وحدك، ثقي بقلبك قدر استطاعتك، لا تتعجلي حين تظنين أن الليل قد طال فبعد كل ليل فجر جديد. وتأكدي أن الحكمة مخبأة في داخلك وأنك ستظلين تبحثين عنها في الخارج حتى تدركي يومًا نداءها العميق.
كوني أنت، كوني حقيقتك مهما أثقلوك الآخرون بالشكوك، مهما حاولوا تغييرك، ولو قلدتهم بعضًا من الوقت ستعلمين في الوقت المناسب لماذا خلقت؟ سيلهمك قلبك الكلمات التي ستمهد الطريق قد تشكين فيها أحيانًا، لكنك في نهاية الأمر ستتصلين باليقين النابع من فيض القلب ستعرفينه، وستصدقينه. أيضا أريد تذكيرك "التوقيت الإلهي" في بعض الأحيان لا يمكنك دفع الأشياء، كي تحدث أحيانا نحتاج إلى الجلوس والسماح للأشياء بالظهور في إيقاعها الخاص، لا شيء كما ظننت في الخارج، كل ما أردته كان في الداخل، ومن هذه الحكمة ستشع حكمتك وتنير روحك وسيراك من هو مثلك يبحث عن حقيقته ويتبعك"
عبدالله الخريّف المهندس والفنان البصري
بين الهندسة والفن، تتقاطع مسارات الإبداع في رحلة عبدالله عبدالرحمن الخريّف، المهندس والمصمم الإبداعي الذي يجمع بين العقل التحليلي والرؤية الجمالية. درس الهندسة الصناعية، التصميم الداخلي، والإدارة، ليكوّن خلفية متعددة الأبعاد تنعكس بوضوح في أعماله الفنية التي تتنوع بين الرسم، تصميم الفضاءات، وتصميم الأزياء. يؤمن عبدالله بأن لكل شيء سببًا ونتيجة، وهي فلسفة يترجمها بصريًا في إبداعاته، حيث تُبنى كل تفصيلة على فكرة، ويولد كل شكل من معنى.
لا يقتصر حضوره على عالم الفن فقط، بل يمتد إلى تطوير العقارات وكتابة المقالات المتخصصة في التصميم والهندسة، مؤكدًا على ترابط هذه المجالات التي يرى أنها تشكل نسيج الحياة اليومية وتؤثر في أسلوب معيشة الإنسان وثقافته. عبدالله لا يكتفي بابتكار أعمال جميلة بصريًا، بل يسعى إلى خلق تجارب فريدة تمس الإحساس وتدعو للتأمل، مؤمنًا بأن التصميم ليس مجرد مهنة، بل وسيلة للتعبير والتأثير. في كل مشروع يخوضه، هناك حكاية تُروى، وفكرة تُجسَّد، لتصنع عالمًا من الجمال الوظيفي والمغزى العميق.
إلى من كنت في البدايات:
"لا تخف من أحلامك، ولا من الناس، ولا من الخطأ. كل خطأ يمكن إصلاحه، بل ربما يكون هو من يقودك إلى الطريق الصحيح. تقدّم، تشجّع، وثق بنفسك وبقدراتك، واستمتع بما يميزك، وبكل لحظة في رحلتك. وبتوفيق الله، ستصل في الوقت المناسب لك، وسيكون شكل النجاح أجمل وأعمق مما كنت تتخيل"
د. عواطف القنيبط فنانة تشكيلية ورئيسة جمعية الخزف التعاونية

بين الطين والتراث وصولًا إلى صالات الفن المعاصر، تمضي الدكتورة عواطف القنيبط في مسيرة استثنائية تجمع بين الحس الفني العميق والرؤية المتجددة. فنانة تشكيلية سعودية ورئيسة الجمعية التعاونية للخزف، تخصّصت في فن الخزف والنحت، وحصلت على درجة الماجستير في الفن والدكتوراه في الآثار.
كما قامت بتأليف كتاب “أزياء القصيم” بهدف توثيق التراث الملبسي في المنطقة وحفظه من الاندثار. وفي عام 2003، نشرت أعمالها في معارض مختلفة في الولايات المتحدة بعد حصولها على جائزة أفضل فنان إبداعي للسيراميك، مما فتح لها آفاقًا جديدة للمشاركة في معارض دولية.
لم تكتفِ بالإبداع الفني، بل كانت أيضًا رائدة في دعم الفنانين، إذ خصصت في عام 2009 معرضًا مجانيًا في منزلها بالرياض، ليكون مساحة حرة لعرض الأعمال بعيدًا عن القيود. كما أنها قيادية بارزة في عدد من المجالات الاجتماعية والرياضية التطوعية، مما يعكس التزامها بخدمة المجتمع إلى جانب دورها الفني.
وختامًا، لم تقتصر جهود القنيبط على الفنون والتراث البصري، بل امتدت إلى توثيق المطبخ السعودي التقليدي، حيث أصدرت كتاب “مذاق من التراث السعودي”، الذي يجمع وصفات تراثية تعكس أصالة المطبخ السعودي ونكهاته الفريدة، مساهمةً بذلك في الحفاظ على التراث الثقافي للمملكة.
إليكِ يا صغيرة، أكتب لك من مستقبلٍ
"عيشي اللحظة كما هي، ولا ترهقي قلبك بالقلق من المستقبل، فهو سيمضي كما كُتب له، وستكونين بخير. أحلامكِ قد تأخذ مسارات غير متوقعة، لكنها ستظل جزءا منك، وإن بدت مختلفة عمّا رسمه خيالك ذات يوم. الطريق لن يكون سهلا دائما، لكنه سيكشف لك عن صبرك، وعن قوتك التي لم تكوني تعرفينها. وحتى حين تشعرين بأن جهودك تُسرق أو تُطفأ، لا تجعلي الإحباط يقترب منك".