هدر الطعام في رمضان.. عادةٌ سلبية ينبغي التخلص منها
للأسف، تسود في مجتمعاتنا العربية والعالمية، العديد من الثقافات السلبية التي يتربى عليها جيلٌ بأكمله من الصغار والمراهقين، الذين قد لا يدركون مخاطر هذه الثقافات والمفاهيم الخاطئة إلا بعد فوات الأوان.
ومن هذه الثقافات السلبية جدًا، هدر الطعام، هدر النعمة التي أنعمَ الله سبحانه وتعالى على خلقه بها للتزود بالصحة والطاقة وبناء الجسم وإعانته على القيام بكافة المهام الموكلة إليه. "ثم لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ"، حريٌ بنا التفكر جيدًا بهذه الآية الكريمة التي تحمل الكثير من المعاني والدلائل على وجوب مراجعة النفس وتخفيف الهدر المخيف لمواردنا الغذائية بكافة الأشكال.
فمئاتٌ بل آلاف الأطنان من الطعام، تُلقى سنويًا في القمامة من بقايا الوجبات الرمضانية التي يتخلص منها الناس في البيوت والمطاعم والعزائم وغيرها.. أطنانٌ كفيلةٌ بإطعام الملايين من البشر من الفقراء والمحتاجين، لو أننا تعلمنا فعلًا التوقف عن التباهي والمظاهر الكاذبة، وعدنا للقيم السماوية السامية التي تدعونا للحفاظ على النعم تحسبًا للنقم التي لا تُحمد عقباها.
وكشفت تقارير منظمة الأغذية والزراعة "الفاو"، عن خطورة زيادة معدلات هدر الطعام بمختلف دول العالم ومنها مصر؛ إذ اثبتت الدراسات أن متوسط حجم الهدر الغذائي للفرد الواحد في مصر يبلغ حوالي 91 كيلوجرامًا من الطعام سنويًا. وفي دراسة مماثلة لمنظمة "الفاو"، تبين أن حوالي 50% من الخضار والفواكه، و40% من الأسماك، و30% من الحليب والقمح يتم هدرها سنويًا في مصر.
وتتزايد نسبة الهدر هذه في العديد من المناسبات الخاصة والأعياد، حيث يتم التخلص من 60% على الأقل من الأطعمة الصالحة للأكل. وفيما يسود الفقر والهدر الغذائي في جميع النظم الغذائية والزراعية العالمية، فقد قدَرت منظمة "الفاو" أن حوالي 931 طن (17%) من المواد الغذائية المتاحة للمستهلكين، تم إلقاؤها في العام 2019 في صناديق القمامة للبيوت والمطاعم وتجاز التجزئة.
وخلال شهر رمضان المبارك، تزداد ظاهرة إهدار الطعام ورميه في القمامة، في مشاهد مُخزية وحزينة لهدر نعمة الأكل التي أوصانا الله ورسوله بالحفاظ عليها، ضمن النعم العديدة الأخرى التي بين يدينا.
فما هي أسباب هدر الطعام في رمضان، وكيف نتخلص من هذه الظاهرة المشينة ونحدّ من انتشارها وانتقالها للأجيال القادمة؟ سنحاول معًا في موضوعنا اليوم التطرق لأسباب هذه الظاهرة السلبية وتقديم الحلول الناجعة لها، علها تكون بدايةً مثمرة لنمط حياة عاقل وخالي من الهدر على كافة الصُعد.
أسباب هدر الطعام في رمضان
تكثر بواقي الطعام في رمضان وتفيض عن حاجة الصائم لتناولها، ما يجعل الناس يلقون بها في صناديق النفايات . وهذه الظاهرة لا تقتصر على الدول الغنية والمتقدمة فقط، بل أنها قد تنتشر في بعض الدول الفقيرة والعربية خصوصًا خلال شهر رمضان.
ونقل موقع "ويب طب" أن أحصائيات تابعة لجهاز أبوظبي للرقابة الغذائية أفادت بأن دول الشرق الأوسط تضيع ما مقداره 1.3 مليار طن من المواد الغذائية سنويًا؛ أي ما يساوي تريلون دولار أمريكي. بمعنى آخر، فإن ربع هذه الكمية التي تُرمى في القمامة، قادرةٌ على إطعام الفقراء والجوعى في العالم!
وفي بعض الأمثلة عن الطعام المهدور في بعض الدول العربية، نجد الآتي:
- في العام 2012، كانت نسبة النفايات من الطعام في إمارة دبي 55% من حجم النفايات المنزلية؛ أي ما يقارب من 1,850 طن من الطعام يومياً خلال شهر رمضان.
- في البحرين، وصل حجم الطعام المُلقى في النفايات يوميًا خلال شهر رمضان في السنوات الفائتة، لا يزيد عن 400 طن بناءً حسبما كشف المسؤولين عن وحدة التخلص من النفايات في المملكة.
- نصف الطعام المُعدَ يوميًا خلال شهر رمضان في دولة قطر، يتم التخلص منه في النفايات.
- تُقدَر إحدى الدراسات أن معدل هدر الفرد من الطعام في المملكة السعودية، يصل إلى 105 كيلوجرام سنويًا، أو ما يزيد على ثلاثة ملايين طن سنويًا على مستوى المملكة.
بشكل عام، يهدر سكان منطقة الخليج والشرق الأوسط معدلات مرتفعة من الطعام تفوق في بعض الدول، معدلات هدر الطعام في أوروبا وشمال أمريكا. وترجع زيادة الهدر إلى المبالغة في تقديرات استهلاك الأسر للطعام، كما تلعب بعض العادات الاجتماعية دورًا في زيادة هدر الطعام بسبب المغالاة في الولائم والعزائم اليومية التي لا يتناول الصائمون فيها سوى النذر اليسير من الأكل.
كما أن ارتفاع كميات هدر الطعام في رمضان، سببه أيضًا المبالغة الكبيرة في شراء وتقديرات استهلاك الطعام، وتحوَل الشهر إلى موسم للطبخ وإعداد وتناول ما لذ وطاب. ومع حلول الشهر الفضيل، يزداد الإنفاق على الطعام ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى هدر غير مقبول للأكل، وهو ما تحذر منه منظمات دولية وعربية قبل وخلال الشهر الكريم، محذرة من الهدر والإسراف غير المدروس في رمضان.
كل هذه الأرقام والأسباب، إن دلت على شيء فإنها تدل على مبالغة لا توصف نهانا عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأكدت عليه الآية الكريمة: "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ".
هدر الطعام ليس مشكلةً عربية فقط
أشار الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة أفيردا في مجلس التعاون الخليجي، جيروين فينسنت إلى أن هدر وتبذير الطعام ليس أمرًا جديدًا، ولا يقتصر على دول الخليج فقط . وهو مشكلةٌ متزايدة في حال لم تتوافر حلولٌ جذرية وفعالة للحد من هذه الثقافة السلبية المشينة.
وتوضح الإحصائيات أن ثلث إمداد الغذاء العالمي، أي ما يقارب 1.3 مليار طن، يتم هدره سنويًا وبشكل خاص في المناسبات والأعياد مثل شهر رمضان مثلًا. ويعلق فينسنت على هذا الأمر بالقول: "عادةً ما يقوم الأشخاص ذوي الدخل المرتفع، بإهدار كميات كبيرة من الطعام وبالأخص في شهر رمضان، مقارنةً مع الفئات الأخرى؛ ويعود ذلك بالأساس إلى العقلية التي تُشكَك بأن الطعام على سفرة رمضان قد لا يكفي لجميع أفراد الأسرة الصائمين والذين يشعرون بجوع شديد، ليكون مصير أكثر من نصف طعام سفرة رمضان هو سلة القمامة".
إعادة تدوير عوضًا عن الرمي بالقمامة
هو الحل الذي يقدمه الخبراء والعديد من المهتمين بالشأن الغذائي، في محاولة لوقف الهدر اللامعقول للطعام وإيجاد حل جذري وفعال لهذه المشكلة؛ وذلك من خلال إعادة التفكير والنظر في نماذج جديدة وبناء نظام أكثر ذكاءً في المدن المختلفة، عن طريق إعادة تدوير هذه الأطعمة واستخدامها مجددًا بطرق تساعد في إطعام الفقراء والجوعى حول العالم.
لكن معالجة الأطعمة ليست الحل السحري الوحيد الذي سيساهم في علاج مشكلة هدر الطعام؛ بل أن التوعية تُعدَ نصف العلاج، لذا ينبغي تثقيف الناس وتعلميهم حول أهمية الطعام وتغيير نظرتهم إليه على أنه مظهرٌ من مظاهر التفاخر الإجتماعي.
ويساعد العمل على هذا الموضوع بالإتجاهين (التوعية ومعالجة الطعام المهدور) في تقليل حاجة الناس لهدر الأموال على التبضع فوق حاجاتهم الغذائية، وكذلك تقليل حاجة الدول لاستيراد المواد الغذائية. وبحسب فينسنت، فإن كلًا من دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر وعُمان، تقوم بإستيراد أكثر من 90% من احتياجاتها الغذائية سنويًا. وبالتالي فإن معالجة الطعام المهدور سيقلل من كمية الطعام المستوردة ومن ثم خفض هذه التكاليف.
كيفية التوقف عن هدر الطعام في رمضان
يقدم موقع منظمة الأغذية والزراعة التابع للأمم المتحدة (الفاو)، 15 نصيحة سريعة وفعالة للحد من هدر الطعام الذي نشهده طوال العام، وبشكل خاص خلال شهر رمضان، نختار بعضها على الشكل التالي:
- اعتماد نمط غذائي أكثر صحة واستدامة.
- الحرص على شراء حاجتكم فقط من الغذاء.
- تخزين الأطعمة بحكمة، بحيث لا تنتهي صلاحيتها قبل استخدامها وبالتالي تضطرون لرميها.
- البدء باستهلاك كميات أصغر من الطعام قبل حلول شهر رمضان وخلاله.
- عدم إلقاء بواقي الطعام في النفايات، بل استخدامها في تحضير أطباق جديدة ومبتكرة .
- احترام الطعام كنعمة ربانية، وتثقيف الصغار وجيل المراهقين والشباب على هذا المبدأ.
- مشاركة الطعام مع الآخرين لتعزيز التواصل الاجتماعي.
كما أن تغيير نظرة الصائم لمفهوم سفرة رمضان وتحويلها من منصة للتباهي والاستعراض إلى مائدة تسدَ الجوع وتروي العطش بعد صيام يوم طويل؛ زيادة وعي المجتمعات المختلفة حول موضوع إهدار الطعام؛ سن وإصدار تشريعات قوية لمنع إهدار الطعام؛ تعزيز مفهوم ومبدأ إعادة تدوير طعام رمضان، ومشاركة المجتمعات في حل وعلاج المشكلة، كلها أمورٌ تسهم دون شك في التوقف عن هدر الطعام خلال الشهر الفضيل، للتوقف لاحقًا عن هذه الآفة الاجتماعية طوال العام.