الفنانة التشكيلية اللبنانية لانا خياط لـ"هي" معرض زنابق مراكش البيضاء هو جسر بين التراث والتجريد

الفنانة التشكيلية اللبنانية لانا خياط لـ"هي" معرض زنابق مراكش البيضاء هو جسر بين التراث والتجريد

رهف القنيبط
4 مارس 2025

في تداخل فريد بين الخط، والطبيعة، والتجريد، تستكشف الفنانة التشكيلية اللبنانية لانا خياط لـ"هي" عمق الهوية والذاكرة الثقافية من خلال أعمالها، حيث تتحول الحروف إلى نبضٍ معاصر، وتصبح الطبيعة رمزًا للتحول والصمود. يتخذ المعرض من جاليري حافظ في حي جاكس في الدرعية مقراً له من 19 فبراير وحتى 26 مارس 2025. 

في معرضها الجديد "زنابق مراكش البيضاء"، تُعيد خياط صياغة العلاقة بين التاريخ والحداثة، بين الهشاشة والقوة، وبين الصمت والصوت، عبر أعمال تحاكي الزمن لكنها لا تخضع له. المعرض ليس مجرد تكريم لمئوية حديقة ماجوريل، بل هو احتفاء بصمود المرأة، وتطور اللغة، وتاريخ يُعاد قراءته بلغة الفن المعاصر.  

لانا خياط
كأول امرأة في عائلتها تحمل هذا الإرث الفني، تدرك لانا خياط أن مهمتها ليست فقط الحفاظ على الماضي، بل إعادة قراءته بلغة معاصرة

لم تكن رحلة لانا خياط في الفن وليدة المصادفة، بل امتدادٌ لإرث عائلي غني بالحرفة والإبداع. جدها الأكبر، محمد سليمان خياط، كان حرفيًا استثنائيًا، كرّس حياته لترميم غرف العجمي السورية، التي لا تزال محفوظة اليوم في مؤسسات عالمية كـ متحف المتروبوليتان ومتحف شانغريلا للفنون الإسلامية.  

نشأت لانا وسط تقديس للحرفية، مما منحها حسًا عميقًا بأهمية التاريخ كجسر للتعبير الفني. لكن رحلتها لم تكن محصورة في الماضي، بل تشكّلت عبر تنقلها بين ثقافات وبيئات مختلفة من الأندلس، إلى الصحراء العربية الشاسعة، ومن بيروت إلى نيويورك، حيث درست في مدرسة الفنون البصرية وعملت في متحف غوغنهايم، مما أتاح لها استكشاف كيف يمكن إعادة تأويل التراث ضمن سياق معاصر.  

الزنبق الأبيض.. المرأة كقوة تتجاوز الزمن  

في "زنابق مراكش البيضاء"، يصبح الزنبق الأبيض أكثر من مجرد عنصر نباتي، بل رمزًا للصمود والتجدد. فهو يمثل المرأة التي تتكيف، تقاوم، وتزهر رغم العوائق. عبر لوحاتها، تسلط لانا الضوء على النساء ليس كمُلهمات فقط، بل كمبدعات، ساردات للحكايات، وحارسات للثقافة.  

لانا خياط
في معرض زنابق مراكش البيضاء يصبح الزنبق الأبيض أكثر من مجرد عنصر نباتي

حروف تتنفس من جديد.. لغة بصرية متجددة  

تمتزج في أعمال لانا النصوص القديمة التيفيناغ، الفينيقية، والخط العربي مع التكوينات التجريدية والطبيعة، مما يُعيد تعريف علاقتنا باللغة والهوية. بالنسبة لها، اللغة ليست ثابتة، بل متغيرة، تمامًا كما أن الهوية ليست قالبًا جامدًا، بل كيان يتجدد.  

تقول لانا لـ"هي": "أحب تفكيك الحروف وإعادة تشكيلها، لجعلها تنساب بحرية داخل اللوحة، كما تفعل النساء في إعادة صياغة أدوارهن عبر الأجيال." من خلال هذه التوليفة البصرية، تحاول لانا أن تجعل الماضي يتفاعل مع الحاضر، حيث تتكسر أحرف التيفيناغ والخط العربي لتصبح أكثر انسيابية، مما يعكس إعادة تشكيل السرديات النسائية عبر الزمن.  

لانا خياط
تقول لانا: "أن تاريخ النساء مخفي لكنه متجذر في وعينا الجمعي، فإن هذه النصوص تعود للحياة في أعمالي، لتكون جسرًا بين الماضي والحاضر." 

مئوية ماجوريل.. مراكش كفضاء للفن والتاريخ  

اختارت لانا خياط أن يكون "زنابق مراكش البيضاء" احتفاءً بمئوية حديقة ماجوريل، حيث ترى فيها رمزًا للتجدد الفني والحفاظ الثقافي. هذه الحديقة لم تكن مجرد واحة نباتية، بل ملتقىً لفنانين، مفكرين، ومبدعين، مما جعلها مكانًا يعكس لقاء الثقافات والتاريخ والفن.  

عبر معرضها، تسعى لانا إلى إحياء روح هذا المكان، حيث يلتقي الشرق بالغرب، والتقاليد بالرؤية المستقبلية. فمن خلال استلهام العناصر النباتية والخطوط القديمة، تعيد قراءة هذه المساحة كموقعٍ يتجاوز كونه مجرد حديقة، ليصبح أرشيفًا بصريًا يحمل قصصًا منسية.  

لانا خياط
عبر معرضها، تسعى لانا إلى إحياء روح هذا المكان، حيث يلتقي الشرق بالغرب

فن يعيد تعريف الإرث.. بين التكريم وإعادة التأويل  

كأول امرأة في عائلتها تحمل هذا الإرث الفني، تدرك لانا خياط أن مهمتها ليست فقط الحفاظ على الماضي، بل إعادة قراءته بلغة معاصرة. إنها تأخذ الرموز، الحروف، والعناصر النباتية من التاريخ، لكنها لا تعيد إنتاجها كما هي، بل تمنحها حياة جديدة تتفاعل مع الزمن الحاضر.  

كما أن استخدامها للتيفيناغ والفينيقية، وهما لغتان غالبًا ما يتم تجاهلهما، هو بمثابة استعادة ثقافية، حيث تتحول هذه النصوص إلى تعبيرات بصرية تعكس الاستمرارية والتطور. تقول لانا: "كما أن تاريخ النساء مخفي لكنه متجذر في وعينا الجمعي، فإن هذه النصوص تعود للحياة في أعمالي، لتكون جسرًا بين الماضي والحاضر."