أصوات الفكر: رحلة الباحثة السعودية جود الذكير في إحياء السرديات المنسية بين الصحراء والمنفى

أصوات الفكر: رحلة الباحثة السعودية جود الذكير في إحياء السرديات المنسية بين الصحراء والمنفى

رهف القنيبط
20 مارس 2025

في عوالم الأدب المترامي، تتقدم جود الذكير كصوت لا يعرف الانصياع للحدود. وفي سلسلة أصوات الفكر تتحدث "هي" مع الكاتبة والباحثة السعودية والحاصلة على منحة رودس، لتروي حكايات الصحراء وشعر النساء الشفهي بروحٍ تتأرجح بين الذاكرة والنسيان.

تخرجت الذكير من جامعة أوكسفورد حاملةً شهادة الماجستير في الأدب المقارن والترجمة النقدية، حيث أبحرت في سياسات الصحراء وسرديات ما بعد الاستعمار، ونسجت بحرفية فريدة خيوط اللغة لتمزج بين ما لا يُترجم وما يبقى صامتًا في عمق النصوص.

جود الذكير
الباحثة السعودية جود الذكير أثناء حديثها في ملتقى الدرعية الدولي الأول

تعيد جود صياغة المفاهيم عن اللامترجم والحنين المضاد، بأسلوب يُشبه اكتشاف مدنٍ من الكلمات، تبحث في قضايا اللجوء والهجرة القسرية لتُضيء زوايا معتمة من التجربة الإنسانية، لتروي بحساسية عالية كيف يمكن للأدب أن يُعيد تخيّل ما تم محوه من سردياتنا.

الصحراء: أكثر من مجرد خلفية طوبوغرافية

علاقة جود بالصحراء تتجاوز كونها مجرد خلفية طوبوغرافية، لتصبح مساحة سياسية ومعرفية تُعاد صياغتها باستمرار. في فترة دراستها في أوكسفورد، دفعتها التساؤلات حول تصوير الصحراء بالقاحلة والجافة وغير القابلة للحياة، إلى البحث في سياسات هذه الصور وكيف استُخدمت كأدوات للتبرير خلال فترات الاستعمار. 

تقول جود لـ"هي": " انطلقت في رحلة لإعادة أرشفة ما كُتب عن منطقة نجد، محاولة تفكيك الصور النمطية التي قدمها المستشرقون، لتظهر الصحراء كمساحة نابضة بالحياة والأصوات المحلية. هذه الرحلة البحثية جاءت لتوثيق العلاقة الوطيدة بين الجسد العربي والصحراء كما ترويها القصائد الشفهية."

جود الذكير
من أعمال جود الذكير الأدبية 

بين النفط والسرديات الشفهية: تحولات المرأة الخليجية

ترى جود أن النفط لم يكن مجرد عامل اقتصادي، بل قوة غيرت جذريًا حياة النساء في الخليج، خاصة من حيث الأدوار الاجتماعية. في الماضي، كانت النساء تعتمدن على شبكات دعم مجتمعية قوية، ومع التحولات التي جلبها النفط، ظهرت فرص جديدة في التعليم والعمل، مما أتاح تشكيل دور المرأة في المجتمع بشكل مختلف. 

توضح الذكير:" في التقاليد الشفهية، يمكن ملاحظة هذا التغيير من خلال تطور القصص والأمثال والأشعار التي تتناول التحدي والتكيف مع الواقع الجديد. ولهذا اسعى لإعادة تقديم هذه السرديات بطرق تتماشى مع الواقع الحديث، بهدف الحفاظ على ما تبقى من هذه المرحلة في ذاكرتنا الجماعية."

"اللامترجم": تحديات الكتابة عن ما بعد الاستعمار

تواجه جود تحديات كبيرة عند الكتابة عن الاستعمار، خاصة تلك المتعلقة بمفهوم "اللامترجم"، وهو فكرة أن هناك بعض المفاهيم التي لا يمكن نقلها إلى لغة أخرى دون أن تفقد جزءًا من معناها. تعتبر قائة:" ترجمة المصطلحات ترجمة حرفية ليست حلًا، بل خيانة لروح النص، ولهذا أبحث عن طرق بديلة لنقل هذه المفاهيم، إما بترك فراغات للقارئ ليملأها، أو بإيجاد معانٍ جديدة تتجاوز حدود اللغة. بالنسبة لي "اللامترجم" ليس عائقًا، بل مساحة لاكتشاف مستويات جديدة من المعنى."

جود الذكير
ورشة عمل أدبية قدمتها جود الذكير في ينالي الدرعية 2024

الأدب والسياسة: ما بين اللجوء والمنفى

تؤمن جود بأن الأدب لم يكن يومًا منفصلًا عن السياسة، خاصة في سياق قضايا اللجوء والهجرة القسرية في المجتمعات العربية. الأدب، بالنسبة لها، هو مساحة لإعادة سرد ما تحاول الأنظمة محوه أو تحريفه. وعلى ذلك تقول جود:" أركز على كيفية استخدام الشعر كأداة لاستدعاء الصور الجماعية عن الوطن، سواء من خلال اللغة أو عبر استحضار الرموز المفقودة عن الأرض، مما يجعل الأدب ليس فقط شاهدًا على الواقع، بل أداة لإعادة تخيله وتشكيله."

قيم الصمود في التقاليد الأدبية النسائية الخليجية

ترى جود أن التقاليد الأدبية النسائية في الخليج تحمل قيمًا مثل الصمود والتكيف والتفاوض مع المكان، وهي قيم لم يُكتب لها أن تُوثّق كما ينبغي لأنها اعتمدت على النقل الشفهي. وعلى ذلك توضح:" أطمح إلى البحث عن هذه الروايات وإعادة تقديمها بطرق تناسب الأجيال الجديدة، سواء من خلال الترجمة أو المشاريع الرقمية التي تتيح لهذه النصوص الوصول إلى جمهور أوسع، لإبراز التنوع والغنى الذي تحمله هذه التقاليد."

جود الذكير
رسالة الماجستير التي قدمتها الذكير في جامعة أكسفورد

رسالة الأدب ما بعد الاستعمار: فتح مساحات جديدة للفكر

في نهاية المطاف، تتمثل رسالة جود الأساسية في أن الأدب ليس مجرد انعكاس بسيط للواقع، بل هو أداة لإعادة تشكيله، وتسليط الضوء على التعقيدات التي تحيط بالهوية والمنفى واللغة. تسعى جود من خلال كتاباتها إلى البحث عن الأصوات التي لم تأخذ حقها في السرديات السائدة، وفتح مساحات جديدة للفكر، تتيح إمكانيات لم نكن نتخيلها من قبل. في هذا السياق، تبدو أعمالها كمحاولة لرسم خرائط جديدة للعالم العربي، خرائط تتحدى السرديات الجاهزة، وتفتح أفقًا جديدًا لأدب ما بعد الاستعمار.