واقع سرطان الدم بين أعراضه البسيطة وعلاجاته المبتكرة
"اللوكيميا" أو سرطان الدم مصطلح قد يبدو مألوفاً للبعض، إلا أن الغوص في تفاصيله يظهر خطورته ويلقي الضوء على معرفة أعراضه التي تُعد "بسيطة" لكشفه باكراً وعلى العلاجات الحديثة المبتكرة التي تزيد من نسبة الشفاء.
نتناول في موضوعنا اليوم، مع إستشاري أمراض الدم الدكتور محمود مراشي من مستشفى ميديكلينيك، ملف هذا المرض الذي يؤدي لإنتاج خلايا دم بيضاء غير طبيعية بمعدل أسرع من الطبيعي، مما يؤدي إلى فقدان قدرتها على أداء وظيفتها بالشكل المطلوب.
سرطان الدم عند الأطفال
تُشخص كل عام قرابة 400 ألف حالة إصابة بالسرطان بين أطفال ومراهقين تتراوح أعمارهم بين لحظة الولادة و19 عامًا، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. وفي حين يُعتبر سرطان الدم النخاعي بنوعيه الحاد والمزمن أقل شيوعًا لدى هذه الفئة، يُعد سرطان الدم الليمفاوي الحاد الأكثر شيوعاً، ويمكن تشخيصه بسهولة عادة وبالتالي تقديم العلاج المناسب، وفق الدكتور مراشي.
ويلفت مراشي إلى أهمية الكشف المبكر من خلال ملاحظة الأعراض التي قد تكون بسيطة كالتهاب الحلق، وفي بعض الأحيان متقدمة وخطرة كالعدوى في الدم.
أعراض سرطان الدم عند الأطفال
وفنّد مراشي الأعراض، موضحاً أنّها تشمل آلاماً في الجسم وخصوصاً العظام بسبب توسع النخاع نتيجة النمو غير الطبيعي للخلايا، بالإضافة إلى فقر الدم وضيق التنفس والتعب والدوخة والكدمات التي تظهر على الجلد ونزيف الأنف واللثة وارتفاع حرارة الجسم.
ويشير مراشي إلى أن بعض المرضى قد يصابون بتضخم في الغدد الليمفاوية في الرقبة أو في أجزاء أخرى من الجسم، أو قد يعانون من انتفاخ في البطن بسبب تضخم الكبد والطحال أو الخصيتين لدى الأطفال. وقد تكون بعض الأعراض مصحوبة بالصداع والقيء والنعاس بسبب تأثر الدماغ / السحايا.
ويعرب مراشي عن تفاؤله بما يخص علاج ابيضاض الدم الليمفاوي الحاد لدى الأطفال، إذ يشير إلى أن نسبة الشفاء منه تتراوح بين 80 و90٪ من خلال اعتماد بروتوكولات ومنها BFM الألماني (برلين فرانكفورت موينستر) الذي يعد الأكثر استخداماً وبروتوكول UKALL البريطاني.
سرطان الدم الحاد عند البالغين
في الإمارات، تعتبر اللوكيميا الحادة التي تشمل "ابيضاض الدم النخاعي" و"ابيضاض الدم الليمفاوي"(AML & ALL) الأكثر شيوعًا عند البالغين وهي خطيرة جدًا كونها تتطور بسرعة أكبر بحسب مراشي، الذي ينبه إلى أن تشخيصها قد يتأخر لأن عوارضها الأولية قد تعتبر بسيطة وعادية مثل الحمى وآلام الجسم والتهاب الحلق والصداع والطفح الجلدي.
ويوضح إستشاري الدم أن الكشف عن المرض يكون عادة بعد ظهور أعراض أخرى والتي يمكن اعتبارها غير عادية مثل النزيف وضيق التنفس والتورم في الرقبة أو البطن، ما يدفع الطبيب لطلب إجراء فحوص دم معينة.
وفي التفاصيل، يفسر مراشي أن ابيضاض الدم الليمفاوي الحاد يتكون من أنواع عدة تتطلب علاجات مختلفة. فعلى سبيل المثال، يشير مراشي إلى أن النوع المرتبط بـ"كروموسوم فيلادلفيا" يستدعي عادة زرع خلايا جذعية من قريب للمريض أو متبرع تتطابق مواصفاته معه، في حين يميل النوع المرتبط بالخلايا التائية (T) إلى ظهور أعراض سريرية مختلفة ما يتطلب علاجًا مختلفًا.
أما بالنسبة إلى سرطان الدم النخاعي، فيلفت مراشي إلى أن النوع الأكثر شيوعاً في الإمارات هو النقوي الحاد، وتبلغ نسبته نحو 30٪ وتعتبر مرتفعة مقارنة مع أوروبا حيث تصل إلى 15%. وفي حين يطمئن إلى أنه قابل للشفاء وبنسبة كبيرة من خلال اعتماد علاج يجمع بين حمض الريتينويك والزرنيخ (تركيبة علاج غير كيميائي) أو أنثراسيكلين، يحذر مراشي من أن أعراض هذا المرض تشمل حصول نزيف حاد قد يصيب الدماغ ويحدث مضاعفات وخيمة.
وبما يختص بالأنواع الأخرى، يشير مراشي إلى أنها تحتاج دراسة للتطور الجيني وتركيبة الخلايا السرطانية لتحديد مدى خطورتها والعلاجات التي يمكن اعتمادها، مثلاً عند ظهور FLT3 في الملف الجيني للمريض لا يمكن استخدام العلاج الكيميائي ويتم اللجوء إلى مثبطات FLT3 المناسبة لهذه الحالات.
سرطان الدم المزمن عند البالغين
تتشابه أعراض سرطان الدم النخاعي والليمفاوي المزمن مع الحادة منها، وغالبًا ما يتم تشخيصها بالصدفة، إما من خلال اختبار روتيني يُظهر ارتفاعاً في عدد خلايا الدم البيضاء أو الإكتشاف العرضي لتضخم الطحال المسبب للأوجاع ولفقدان الوزن، أو غيرها من الأعراض كتضخم العقدة الليمفاوية والتعب وقلة التركيز وضيق التنفس والدوخة، وفق مراشي.
لافتأً إلى أنّ هناك نوعين رئيسيين من سرطانات الدم المزمنة عند البالغين بالإضافة إلى نوع آخر يعتبر نادراً. النوع الأول وهو سرطان الدم النخاعي المزمن ويتم علاجه من خلال مثبطات التيروزين كيناز التي تشهد نجاحاً كبيراً من خلال منح المرضى فرصة عيش حياة طبيعية قد تصل إلى الشفاء كلياً في بعض الحالات.
والنوع الثاني هو الليمفاوي الذي يختلف كثيراً عن الأول ويعتبر أكثر تعقيداً، ويصيب بشكل كبير كبار السن وتحديدًا الذين يعانون من بعض الأمراض المعينة، وكان علاجه الذهبي لسنوات عديدة هو المناعي- الكيميائي، ولكن في السنوات الأخيرة، تم إدخال العديد من الأدوية الفموية الجديدة التي أظهرت نتائج ممتازة.
ويوضح مراشي أن النوع النادر هو سرطان الدم المشعر الخلايا ويصيب الخلايا البائية، ومن خصائصه أنه بطيء النمو وعلاجه سهل حيث أن دورة علاج كيميائي واحدة قد تكون كافية للحد من انتشاره لمدة تصل إلى 10 سنوات.
أهمية التطورات الطبية
وعن فترة العلاج وارتفاع معدلات الشفاء، يؤكد مراشي دور التطورات الطبية الحديثة في هذا المجال، موضحاً أنه يمكن لمرضى سرطان الدم النخاعي المزمن توقع متوسط عمر طبيعي مع العلاج المعتمد حالياً. بالمقابل، أظهرت النتائج تحسنًا باستخدام العلاج الكيميائي مع الأدوية المخصصة لسرطان الدم النخاعي الحاد.
وبالنسبة إلى سرطان الدم الليمفاوي المزمن، يكشف مراشي أن سنوات عدة قد تمر على المرضى الذين هم في المرحلة المبكرة من المرض من دون الحاجة لتلقي العلاج، لافتاً من جهة أخرى إلى نتائج جيدة جدًا في العلاج المعتمد لكروموسوم فيلادلفيا خصوصاً لجهة خفض عدد دورات العلاج الكيميائي.
في الختام، يوضح مراشي أنه لا يمكن تحديد سبب معين لظهور هذا النوع من الأمراض، وبعض الحالات قد تتطور بعد العلاج الكيميائي نتيجة تلف الحمض النووي من علاج سابق مثل سرطان الثدي. وقد تكون بعض الحالات مرتبطة بالوراثة أو بمتلازمة داون التي تزيد من فرص الإصابة بها. كما يمكن أن يتسبب التعرض المكثف للبتروكيماويات مثل البنزين أو للإشعاعات والحوادث النووية في تلف الحمض النووي وغيرها بظهورها.