التعب العقلي.. يرهق الجسم ويدفعك لقرارات حياتية سيئة
يُعد الدماغ من أكثر الأجهزة أهمية وتعقيداً في الكون، ويقول بعض العلماء أن فيه 10 بلايين خلية عصبية، وهذا يساوي عدد نجوم مجرة التبانة تقريباً. فيما يقول علماء آخرون أنه يحتوي على 10 بليون خلية، ولو ربطنا أطراف خلايا الدماغ ببعضها لأصبحت خيطاً طوله من الأرض إلى القمر.
ويساعد الدماغ الإنسان على التفكير والتخطيط والتنبه لأية مخاطر أو أشياء طارئة تحدث من حوله، في عملية معقدة تستمر أحياناً طوال النهار وحتى خلال الليل، فيما يُعرف بكثرة التفكير.
وبالبحث عن بعض الأقوال التي تشرح أهمية التفكير عند الإنسان، نجد أن الكاتب الفرنسي فيكتور هوغو أعطى التفكير صفة القوة بقولها: "التفكير قوة فعالة، دونها كل قوة هائلة. لكن إبن سينا تطرق لسلبيات هذه القوة وتحولها لمرض بقوله: "إن قوة الفكر قادرة على إحداث المرض والشفاء منه".
وفي قول مُعبر عن مرض التفكير الذي يلاحقنا حتى في أحلامنا، قال الممثل الإيطالي آل باتشينو: "مرض التفكير ليس له علاج، حتى لو استطعت أن تنام، ستحلم بما تفكر به".
هذا التفكير المضني الذي يقض مضاجع الكثيرين، قد يتسبب بمشكلة تُعرف بإسم "التعب العقلي"، وهي مشكلة صحية لا تؤثر فقط على الدماغ وإنما على الجسم كله. ما يجعل الإنسان كثير التفكير عرضة أكثر لمتاعب صحية ناجمة بشكل خاص عن التوتر وقلة النوم.
في موضوعنا اليوم، سنتحدث أكثر عن سلبيات التعب العقلي والتداعيات الصحية والحياتية التي تنتج عنه من خلال نتائج دراسة نشرها موقع "العربي".
التعب العقلي وتداعيات صحية سلبية
للتعريف عن التعب العقلي، أفاد الإختصاصي والباحث في العلوم العصبية والإدراكية نورس كرزم لموقع "العربي" أن التعب العقلي هو أحد أنواع الإرهاق الذي يُسببه النشاط المعرفي والذهني وليس النشاط الجسدي، وأن هناك أعراضًا مترابطة بينه وبين التعب الجسدي كاضطرابات النوم والصداع.
ويعرض لدراسة أُجريت على مجموعة من الأشخاص تعرضوا لإجهاد عقلي كبير ولعدة ساعات خلال اليوم الواحد، أظهرت نتائجها تراكم مادتين في قشرة الجزء الجبهي تعتبر زيادة نسبتهما سامة، إضافة إلى تقلص حدقة العين ما يدل على شعور المرء بالتعب.
مضيفاً أن الدراسة كشفت أن الدماغ يقوم بعملية تدوير للمادتين في حال الراحة من الجهد العقلي، مع الإشارة إلى أن أعراض تراكم هاتين المادتين تتشابه مع أعراض مرض الصرع.
ونصح كرزم جميع الأشخاص الذين تُوكل إليهم مهام تتطلب التفكير العميق، بضرورة أخذ فترات راحة بانتظام وخلق جو متناغم من العمل والراحة يضمن إنتاجية أكبر وقلة التعرض للتعب العقلي. على أن يتضمن هذا الجو تقنيات سلوكية وتنظيمية، بالإضافة بالطبع للمحافظة على ساعات النوم الكافية يومياً واتباع نمط غذائي صحي.
ومن التقنيات التي يوصي بها الإختصاصي والباحث في العلوم العصبية والإدراكية للحد من تداعيات التعب العقلي، تقنية استرخاء العضلات التدريجي Progressive Muscle Relaxation، تقنيات التأمل، ممارسات اليقطة والصفاء الذهني، وبشكل خاص تنظيم الوقت أثناء العمل بما يسمح للمرء بأخذ فترات استراحة قصيرة.
العمل المعرفي الكثيف يتسبب بتراكم منتجات سامة في الدماغ
هذا ما خلصت إليه الدراسة التي تحدث عنها كرزم لموقع "العربي"، والتي نُشرت نتائجها في مجلة "كارينت بيولوجي"، خلصت فيها إلى أن كثرة التفكير في العمل تتسبب بتراكم منتجات ثانوية سامة في جسم الدماغ المعروف باسم قشرة الجزء الجبهي "Prefrontal Cortex"، وهو شكل من أشكال الصرع.
وبحسب الباحثين في الدراسة، فإن هذا التراكم السلبي يمكن أن يؤدي ليس فقط لأعراض مشابهة للصرع وإنما أيضاص لخطر اتخاذ قرارات حياتية سيئة نتيجة فقدان الإنسان للسيطرة على تفكيره والتشتت اللإرادي، ما يجعله يتجه نحو إجراءات أقل وطأة لا تتطلب الجهد أو الإنتظار ومنها يبدأ التعب المعرفي. وأشارت الدراسة بعض النظريات التي تعتبر أن التعب هو نوع من الوهم الذي يصنعه الدماغ لجعلنا نوقف كل ما نفعله ونتحول إلى نشاط أكثر إرضاء.
إلا أن النتائج التي تم التوصل إليها بهذا الأمر، تُظهر أن العمل المعرفي ينتج عنه تغيير وظيفي حقيقي. لذا فإن التعب المعرفي قد يكون بالفعل إشارة تجعلنا نتوقف عن العمل، إنما لغاية مختلفة ألا وهي الحفاظ على سلامة وظائف الدماغ فيما يشبه إعادة تدوير المواد السامة التي قد تنشأ عن النشاط الفكري المكثف.
ويؤكد المعنيون في الدراسة أن الطريقة الأفضل للتغلب على تداعيات التعب العقلي الشاق، هي الطريقة التقليدية القديمة المتمثلة في الراحة والنوم، فضلاً عن تجنب اتخاذ أية قرارات حياتية ومهنية مهمة في حال الشعور بالإجهاد الفكري.