الأمومة هوية النساء ولكن .. حلول لوقف صراع الأم العصرية بين الأمومة والعمل
في ظل التغيرات والتطور السريع الذي يشهده العالم، طرأ العديد من التغيرات على دور المرأة بالعالم العربي. فقد ساهم توفير سبل الوصول إلى التعليم ومجال العمل في جعل هوية المرأة أكثر تعقيدًا ودورها متعدد الأوجه، فأصبحت زوجة وأمًا وامرأة عاملة وعنصراً أساسياً في العالم الاجتماعي والاقتصادي. وعلى الرغم من أن هذا التغيير هو التغيير الأفضل الذي طالما طالبت به المرأة وتمنته إلا أنه قد جاء مصحوبًا ببعض التحديات الصعبة.
الأمومة هوية النساء
في حين أن النساء قد رحبن بالتغيير وناضلن من أجله، فإن تبنيه ليس دائمًا عملية سهلة. لأن النساء في عصرنا الحالي لديهن خيارات ويمكنهن تحديد أولوياتهن. بينما يمكن أن يكون الاختيار رمزًا للحرية، إلا أنه في كثير من الأحيان يمكن أن يعرض النساء للشعور بالذنب، خاصة حول الأمومة التي لا تزال مكونًا أساسياً لهوية النساء.
وفي هذا الصدد قالت الدكتورة ديانا شعيب حوري من مركز ثرايف للصحة النفسية،"خلال ممارسة عملنا بالمركز نلاحظ في كثير من الأحيان خوف النساء من فقدان الفرصة في الأمومة. كثيراً ما يتم تذكير النساء بأن "الحياة المهنية مهمة، ولكن لا تنسي حياتك الشخصية. ونشاهد أيضاً كيف يمكن أن تشكل الأمومة تحولاً كبيراً في هوية النساء، مدركين مخاوفهن حول كيفية إدارة الحياة المهنية والأمومة، حيث تعترف العديد من النساء بعد الولادة بأن (لا أحد أعدني لهذا) أو (هذا ليس ما كنت أتوقعه)".
من هن الأمهات العصريات في الوقت الحالي؟
بالتأكيد هن أكثر تعليمًا من الأجيال السابقة. هن أكثر وعيًا ومثقفات حول مواضيع الأبوة والأمومة من عبر القراءة، ووسائل التواصل الاجتماعي. كما أن لديهن حرية اختيار موعد الحمل وغالباً ما يكون لديهم وظائف بدوام كامل ويشغلوا مناصب وظيفية أكثر تقدماً، هن قادرات على تحديد أوقات الحمل المناسبة لهم، ويوصَفن بأنهن "أمهات عصريات" ولكنهن أيضاً يفضلون طرق التربية التقليدية.
الأمهات العصريات يحملن ضغطاً على أنفسهن لتحقيق النجاح في دور الأمومة، فضلاً عن حياتهن المهنية في نفس الوقت. غالبًا ما تكون لديهن معايير عالية لرفاهية أطفالهن، على سبيل المثال، نلاحظ أن المزيد من الأمهات يلتزمن بالرضاعة الطبيعية لفترة أطول، ويراقبن النظام الغذائي لأطفالهن، وأنشطتهم وتوازنهم النفسي. فهن أكثر معرفة و يهدفن لكسر صدمة الأجيال، ويسعين لاعتماد طريقة تربية مختلفة عن تلك التي تبنتها أمهاتهن.
الأمهات العصريات ليس لديهن دليل أو مرجع لأسلوبهن بالتربية، لأن دليل أمهاتهن الخاص ليس بالضرورة أن يكون ملائمًا لواقعهن.
وتضيف الدكتورة ديانا: "كل هذه التوقعات من الأمومة "الحديثة" تواجه يومياً واقع انعدام السيطرة، والتحديات العاطفية بمجرد وجود الطفل. فالأمومة ليست عملية فكرية بل عاطفية. يعد فقدان السيطرة أحد أصعب التحديات التي تواجه الأمهات العاملات، اللواتي يتقنَّ السيطرة والإدارة في بيئة العمل، 'لم أكن أبدًا في هذه الحالة من الفوضى'، اعترفت أم عاملة لديها طفلين مؤخراً".
ما هي التحديات النفسية للأمومة الحديثة؟
كل هذه الخصائص يمكن أن تدفع أمهات اليوم إلى القسوة على أنفسهن عندما يتعرضن للتناقضات والعبء النفسي. يجدون أنفسهم يقومون بمهام متعددة، ويرتدون العديد من القبعات، دون وجود دعم بجانبهن أحياناً. وحتى يمكننا أن نلاحظ أن بعض الآباء أصبحوا أكثر انخراطا في رعاية الأطفال و مع ذلك لم يتعرض الرجال لتحول جذري في أدوارهم: العمل والأبوة كانا دائماً جزءاً من هويتهم. لذلك فإن ضرورة التكيف ليست هي نفسها كما هو الحال عند النساء.
كما أن وجود مجتمع حول الأم لم يعد بالضرورة جزءاً من الحياة "الحديثة" بعد الآن. في مثل هذه الظروف، تعاني العديد من الأمهات على سبيل المثال، من القلق بشأن الانفصال عن المولود الجديد من أجل استئناف العمل. يمكن أن تكون نتيجة الأمومة حالة من الوحدة، في عالم يمكن أن تؤثر فيه الصورة والمنافسات بين الأمهات. إن وجود مثل تلك الأهداف التي ليس من السهل تحقيقها يمكن أن يشعرنا بالاضطراب، ويهز الثقة بالنفس، ويخلق أزمة هوية، ويظهر أيضاً أعراض الاكتئاب والقلق. في كثير من الحالات، نجد أن الإرهاق والاحتراق الذي يكمن وراء تلك الأعراض يتجلى.
كيف يمكن التغلب على التحديات التي تواجه الأم العصرية؟
حددت الدكتورة ديانا أمور عديدة للتغلب على التحديات التي تواجه الأم العصرية والتي من أهمها ما يلي:
دعم الأم ومساعدتها على التغلب على الصراع
يتقدم دور المرأة بسرعة أكبر من تطور الحياة الاجتماعية والقوانين وقدرة الآباء على التكيف. حتى لو كانت المرأة تظهر مرونة وقابلية تكيف ملحوظة فيما يتعلق بهويتها متعددة الأوجه، فإنه من الضروري التأكد من أن هذا لا يأتي على حساب صحتها النفسية. فأمهات اليوم لا يمكن أن يكن كل شيء للجميع في كل مكان وفي كل وقت.
وضع حدود شخصية
ويكمن حل هذه المشكلة في ضرورة قيام الأمهات العاملات بوضع حدود شخصية وذلك بهدف، تقليل الشعور بالذنب والصراع الذي قد يزداد في تفكيرهن في كيفية تعويض أطفالهن لأنهن يعملن. ويمكن أن يكون ذلك بهدف ضبط مثالياتهن والتمسك بالكمالية وطلب الدعم. هذا بالضبط ما يؤكده "وينيكوت" الذي كان يعتقد أن الطريقة لتكون أمًا جيدة هي أن تكوني "أمًا جيدة بما فيه الكفاية"، والذي يسمح أيضًا بتربية جيدة بما فيه الكفاية.
دعم الأسرة والمجتمع للأم العصرية
لا يمكن لأمهات اليوم أن يتحملن هذه الضغوطات بمفردهن و يجب على النظام العائلة والمجتمع بأكمله دعمهن، حتى يتمكن من النجاح و تبني التغيير بسلاسة وأن يكن مرجعاً للأجيال القادمة، المرجع الذي لم يكن لديهن!
وختامًا وما يجب أن يعلمه الجميع هو أن الدور المتعدد الأوجه للأم العربية العصرية في عالم اليوم هو شهادة على صمودها وقدرتها على التكيف والتفاني الدائم في تربية الأسرة. وقدرتها على التغيير بكل شجاعة وإصرار. الأمر الذي جعلها تطورت إلى ما هو أبعد من الصورة النمطية التقليدية، ليصبحوا قوة دافعة في تشكيل المستقبل. باعتبارهن الحجر الرئيسي في وحدة الأسرة و مساهمين أيضًا بشكل كبير في التطور الإيجابي للمجتمع.
مع تمنياتي لكل أم عصرية بأمومة نجاح ومسيرة عمل موفقة،،،