الثقة بالنفس يتعلمها الطفل من خلال التوجيه والتربية

تقدير المشاعر من بينها.. إليكِ استراتيجيات فعالة لبناء الثقة بالنفس لدى طفلكِ

ريهام كامل

تُعد الثقة بالنفس مفتاحًا سحريًا يمنح الطفل القوة لمواجهة الحياة بكل ما تحمله من تحديات وفرص. إنها ليست مجرد شعور عابر، بل أساس يبني عليه الطفل شخصيته، وطريق يمهد له تحقيق أحلامه وتجاوز العقبات بثبات. إن الأطفال الذين يشعرون بالثقة بقدراتهم يمتلكون شجاعة استثنائية لاستكشاف العالم من حولهم، ولديهم القدرة على اتخاذ القرارات بثقة والوقوف مجددًا بعد كل تعثر. فكيف لنا كأمهات أن نساعد أطفالنا على أن يكونوا واثقين بأنفسهم، وقادرين على مواجهة الحياة بكل قوة وشجاعة؟

تتضمن الإجابة على هذا السؤال المهم تناول العديد من النقاط الأساسية، تابعيها معي بدقة، وتعرفي على كيفية بناء الثقة بالنفس لدى طفلك؟

الثقة بالنفس تشكل هوية الطفل وتحقق توازنه
الثقة بالنفس تشكل هوية الطفل وتحقق توازنه

هل تُولد الثقة بالنفس مع الطفل؟

لا، لأن الثقة بالنفس تتشكل من خلال التربية، ومن خلال النهج الذي يعتمده الوالدين في تنشأة طفليهما، كل كلمة، كل نظرة، وكل تجربة يعيشها الطفل تساهم في تشكيل شعوره بقيمته الذاتية ومن ثم تعزيز تقته بنفسه.

وبحسب صوفيا ستيجكا، أخصائية نفسية مرخصة من هيئة تنمية المجتمع (CDA) في مركز "ثرايف ويل بيينج"، تبدأ الثقة بالنفس بالتشكل بشكل ملحوظ في وقت مبكر جدًا؛ إذ يمكن أن يكون مفهوم الطفل عن نفسه بحلول سن الخامسة دقيقًا مثل مفهوم البالغين. تُبنى هذه التجارب المبكرة من خلال العلاقات والبيئة، وتؤسس لنمو يستمر مدى الحياة وقيمة الذات.

كما أن الثقة بالنفس تتطور من خلال الطريقة التي يُعامل بها الأطفال والرسائل التي يستوعبونها عن قيمتهم، فالطفل الذي يمر بتجارب تعاطف وتفهم وتقدير ينشأ مؤمنًا بقدرته على تجاوز التحديات وتحقيق إمكاناته.

ما هي التحديات المعاصرة التي تؤثر على الثقة بالنفس؟

يواجه الأطفال اليوم تحديات حديثة تؤثر بشكل مباشر على ثقتهم بأنفسهم، وتُعد وسائل التواصل الاجتماعي واحدة من العوامل التي تضع معايير غير واقعية، مما يؤدي إلى تشويه التصور الذاتي وتعزيز المقارنات غير الواقعية. كما أن الضغوط الأكاديمية لتحقيق التفوق غالبًا ما تترك مساحة ضئيلة للأطفال لتقبّل الأخطاء كفرص للتعلم، وهو أمر أساسي للنمو الشخصي والثقة. بالإضافة إلى ذلك، تلعب الديناميكيات الاجتماعية بين الأقران دورًا كبيرًا في شعور الطفل بالانتماء وتقدير الذات، مما يؤدي أحيانًا إلى تضخيم مشاعر النقص.

الثقة بالنفس لا تولد مع الطفل ولكن يكتسبها بالتربية ومن البيئة المحيطة له
الثقة بالنفس لا تولد مع الطفل ولكن يكتسبها بالتربية ومن البيئة المحيطة له

كيف يمكن بناء الثقة بالنفس لدى الطفل لتتحقق ذاته؟

يتطلب تعزيز الثقة بالنفس لدى الطفل إجراءات مستمرة ومتعمدة تؤكد على قيمته وإمكاناته. تقول صوفيا: "تنمو الثقة بالنفس عندما يُمنح الأطفال الفرصة للشعور بالقدرة والدعم والفهم. ومن خلال الرعاية المستمرة والتوجيه المدروس، يبدأون في الإيمان بأنفسهم".

ولبناء الثقة بالنفس لدى الأطفال، توصي صوفيا باتخاذ الخطوات العملية التالية:

  • تشجيع الاستقلالية

يجب إتاحة الفرصة للأطفال لاتخاذ قرارات صغيرة تتناسب مع أعمارهم يساعدهم على تطوير الشعور بالاستقلالية والثقة في قدراتهم. القرارات البسيطة مثل اختيار الملابس أو تحديد وجبة خفيفة تشكل أساس الثقة بالنفس والاعتماد على الذات.

  • تقدير المشاعر

الاستماع بتعاطف إلى مشاعر الطفل والرد بهدوء يبعث رسالة مفادها أن مشاعره ذات قيمة. توضح صوفيا: "الصوت الهادئ والرد المؤكد يمكن أن يخلق نصًا داخليًا يقول ’ما أشعر به مهم‘، وهو حجر الزاوية للثقة بالنفس القوية".

  • مدح الجهد بدلاً من النتائج

إن التركيز على الجهد والعمل الجاد بدلاً من السمات الفطرية مثل الذكاء يُعلم الأطفال قيمة المثابرة. لأن الإشادة بجهد الأطفال تمنحهم القدرة على مواجهة التحديات، بينما التركيز فقط على الذكاء قد يؤدي إلى ارتباك في مواجهة الصعوبات.

  • إشراك الأطفال في القرارات

إشراك الأطفال في اتخاذ قرارات ذات معنى يعزز إحساسهم بالمسؤولية والقيمة، إ ترتفع ثقتهم بأنفسهم عندما يشعرون بأن آراءهم لها قيمة.

  • تعليم السلوكيات الإيجابية

يقلد الأطفال أفعال البالغين من حولهم. لأن إظهار التنظيم العاطفي والتعاطف مع الذات والاستجابات البناءة للأخطاء يزودهم بأدوات للتعامل مع تحديات الحياة بإيجابية.

مثلًا، تشدد صوفيا أيضًا على أهمية الحفاظ على نمط حياة صحي، وممارسة التأمل المناسب للعمر، وأخذ فترات راحة من وسائل التواصل الاجتماعي لتجنب المقارنات غير الصحية. لأن الأطفال يعتادون على السلوكيات التي يرونها بالفعل من آبائهم، وليس فقط ما يُقال لهم، لذا من المهم أن يكون البالغون نموذجًا للاتساق بين النصائح والأفعال.

 

ما هي ثمار بناء الثقة بالنفس لدى الأطفال؟

تحقق الثقة بالنفس فوائد مثمرة جدًا مثل:

  • تشكيل هوية متوازنة

تدعم دراسة أجراها داريو سفينسيك في عام 2015 هذه الأفكار، حيث أثبتت أن تطوير الثقة بالنفس في مرحلة الطفولة المبكرة يُعد عاملاً أساسيًا في تشكيل هوية متوازنة. وقد تم التحقق من ذلك باستخدام اختبارات الربط الضمني (IAT) كوسيلة موثوقة لقياس الثقة بالنفس لدى الأطفال الصغار.

  • القدرة على مواجهة التحديات

الأطفال الذين يمتلكون ثقة قوية بالنفس يصبحون بالغين قادرين على مواجهة التحديات بثقة ومسؤولية، مما يخلق تأثيرًا دائمًا على حياتهم. كما يطورون علاقات صحية ويظهرون مرونة ويساهمون بشكل هادف في مجتمعاتهم.

تختتم صوفيا بقولها: "من خلال تعزيز الثقة بالنفس في وقت مبكر، نحن نزود الأطفال بالأدوات التي يحتاجونها للنجاح ليس فقط في طفولتهم ولكن طوال حياتهم".