خاص "هي": نصائح الطب النفسي للحصول على نوم جيد
بقلم الدكتورة ريم محمود، دكتوراه في علم النفس (بريطانيا)، ماجستير العلوم (بريطانيا)
علم النفس الصحي، "لايت هاوس أرابيا" The LightHouse Arabia
النوم هو أكثر من مجرد فترة راحة حيث يعتبر -من حيث الكمية والنوعية- أحد الركائز الأساسية للصحة الجيدة. يساهم النوم الجيد في توفير التعافي اللازم للجسم وتنظيم عملية التمثيل الغذائي وتعزيز جهاز المناعة فضلاً عن دعم الصحة النفسيّة. ومع ذلك، يُفضل الكثير منا في أغلب الأحيان التضحية بالنوم من أجل تلبية مطالب أخرى. وفي الواقع، ثمّة تقديس للحياة المزدحمة بالمسؤوليات والمشاغل والإنتاجية على حساب رفاهيتنا. وعلى الرغم من أننا جميعًا قد عانينا من تداعيات ليلة نومٍ مضطربة- انخفاض الحالة المزاجية والإنتاجية والطاقة وزيادة حدّة مشاعر الإنفعال. وبمرور الوقت، يمتد تأثير أنماط النوم السيئة إلى ما وراء الشعور بالتعب خلال النهار وتقلب المزاج ويمكن أنّ يجعلنا أكثر عرضة لمشاكل صحية خطيرة بما في ذلك الاكتئاب وأمراض القلب والخرف والقلق والسكتة الدماغية وداء السكري من النوع الثاني. لذلك، نحن بحاجة إلى تغيير وجهات نظرنا والبدء في قبول فكرة أنّ النوم ليس رفاهية أو دليل على الكسل ... إنّه ضرورة بيولوجية!
الحقيقة هي أنّ معظمنا لا يولي الكثير من الاهتمام للنوم حتى نبدأ في مواجهة مشاكل خلال فترات النوم. تتمثل أحد الأسباب الأكثر شيوعًا التي تجعل الأشخاص يواجهون صعوبة في النوم في الاضطراب النفسي الناتج عن الإفراط في التفكير والقلق والاجترار. وفي عالم اليوم شديد الترابط، نادراً ما تحظى عقولنا بفرصة للتوقف قليلاً عن التفكير أو أخذ قسط من الراحة. لذلك، غالبًا ما ينتهي بنا المطاف باصطحاب الضغوطات والمخاوف التي نواجهها في خلال النهار إلى الفراش ليلاً. وبالتالي، تتحول أجواء الهدوء والعزلة التي تسود في الظلام إلى مساحة للتفكير وإيجاد الحلول. ومع ذلك، يدفعنا هذا الوضع إلى إيجاد حلول للمشكلات، مما يجعل أجسامنا في حالة تأهب شديد تُصعب عليها عملية الانتقال إلى حالة الاسترخاء الضرورية للنوم. وقد يؤدي هذا الأمر في أغلب الأحيان إلى الدوران في حلقة مفرغة، حيث تؤدي قلة النوم إلى تفاقم مشاكل الصحة النفسية والعكس صحيح.
يعتبر من المهم جداً إدراك أنّ النوم ليس مجرد عملية منعزلة تبدأ بمجرد الصعود إلى السرير، بل إنّه عبارة عن دورة مدتها 24 ساعة، تتأثر باختياراتنا وعاداتنا في ساعات اليقظة. بدءاً من الطعام الذي نأكله والتمارين الرياضية التي نمارسها وصولاً إلى التوتر الذي نشعر به- تلعب جميع هذه العوامل دوراً مهماً في تحديد جودة نومنا. وضعت بعض الأبحاث التي أجريت مجموعة من الإرشادات والنصائح التي نطلق عليها تسمية "نظافة النوم" والتي توفر حلولًا طويلة المدى للمشكلات التي تتسبب في صعوبة النوم. سأشارك معكم أدناه بعض الاستراتيجيات التي تساعد في الحصول على نوم هانئ ومريح.
الحفاظ على جدول نوم ثابت
احرصي على إتباع نفس الروتين بما في ذلك الذهاب إلى الفراش والاستيقاظ في الوقت نفسه كلّ يوم، حتى في عطلة نهاية الأسبوع. وفي حال كان نومكِ سيئًا في الليل وكنتِ تشعرين بالتعب، يعتبر من المهم أنّ تحاولي الحفاظ على أنشطتكِ النهارية كما خططتِ لها. أيّ، عدم تجنب القيام بالأنشطة بسبب الشعور بالتعب لأنّ هذا الأمر سيساهم في تعزيز أنماط النوم السيئة. وفي حال أردتِ أخذ قيلولة لرفع مستويات الطاقة لديكِ، احرصي على ألا تتجاوز هذه القيلولة مدّة 20 دقيقة قبل الساعة 3:00 مساءً.
تجنب الكافيين بعد الساعة 10:00 صباحًا
في حين أنّه من المسلم به عموماً أنّ تناول الكافيين في وقت قريب جداً من وقت النوم قد يساهم في تعطيل أنماط النوم، إلا أنّه يجب علينا تجنب الكافيين بعد الساعة 10:00 صباحًا. ويعود سبب ذلك إلى عمر النصف للكافيين. لذلك، في المتوسط، يستغرق الجسم فترة تتراوح من 5 إلى 6 ساعات للتخلص من نصف كمية الكافيين المستهلكة. هذا يعني أنّكِ إذا تناولتِ فنجانًا من القهوة في الساعة 10:00 صباحًا، لا يزال لديكِ ما يقرب من نصف الكمية بحلول الساعة 3:00 - 4:00 مساءً.
ممارسة الرياضة
قد تساعد ممارسة التمارين الرياضية بإنتظام في تسهيل أو كبح القدرة على النوم حسب التوقيت. قد تساهم ممارسة الرياضة في تقليل مستويات الكورتيزول وزيادة إنتاج السيروتونين في الدماغ. ومع ذلك، فإنّ ممارسة الرياضة تحفز الجسم مما قد يؤدي إلى تأخير النوم. لذلك، احرصي على ممارسة التمارين الرياضية المعتدلة لمدّة 30 دقيقة على الأقل، ولكنّ ليس في غضون ثلاث ساعات من الوقت الذي تخططين فيه للنوم.
التعرض للضوء الطبيعي
يلعب التعرض المنتظم للضوء الطبيعي دورًا مهمًا في تنظيم ساعة الجسم الداخلية، والمعروفة أيضًا باسم إيقاع الساعة البيولوجية، والتي تنبه أجسامنا عند الحاجة إلى النوم والاستيقاظ.
وضع روتين ليلي
إنّ الاسترخاء في نهاية اليوم له تأثير كبير على جودة النوم. لذلك، احرصي على وضع روتين يساعد على الاسترخاء قبل النوم لتنبيه جسمكِ بأنّ الوقت قد حان للنوم. وقد يشمل هذا الروتين خفت الأضواء والاستماع إلى الموسيقى الهادئة وإضاءة شمعة والاستحمام بماء دافئ.
الحدّ من وقت الشاشة
يمكن أنّ يتداخل الضوء الاصطناعي المنبعث من الشاشات الرقمية مع إنتاج الميلاتونين، الهرمون المسؤول عن تنظيم عملية النوم. لذلك، احرصي على الحدّ من التعرض للأجهزة في المساء وضعي في إعتباركِ استخدام "الوضع الليلي".
ممارسة "وقت القلق"
حاولي ممارسة "وقت القلق" في وقتٍ مبكر من المساء لمنح نفسكِ مساحةً ووقتًا للقلق وقومي بتدوين كلّ الأمور التي ترغبين في تذكرها ليوم غد بما في ذلك المخاوف والحلول المحتملة. يمكن أنّ يساعد ذلك في احتواء مخاوفكِ ومنعها من التأثير سلباً على جودة نومكِ.
استخدام السرير للنوم والمرض فقط
عندما يدرك جسمكِ بأنّ السرير مُخصّص للراحة، فمن المرجح أنّ تشعري بالنعاس بمجرد الاستلقاء على الفراش. نحن جميعاً مذنبون في حق أنفسنا عند استخدام هواتفنا المحمولة في السرير أو العمل من السرير، لأنّ مثل هذا التصرف يمكن أنّ يكون له تأثير معاكس، ما يجعل جسمكِ يربط السرير باليقظة أو حتى التوتر.
لا تجبرِ نفسك على النوم
في حال تعذر عليكِ النوم في غضون 20 دقيقة، انهضي من الفراش وافعلي شيئًا مهدئًا أو مملًا مثل الجلوس في الظلام أو التنفس بوتيرةٍ سريعة أو إعادة قراءة كتاب أو عدّ بعض العناصر ذهنياً (على سبيل المثال، سلالات الكلاب) أو رسم الخربشات. وبمجرد أنّ تشعري بالنعاس، اذهبي إلى الفراش وحاولي مرة أخرى.
خلق بيئة صديقة للنوم
لقد ثبت أنّ الضوضاء والأضواء ودرجات الحرارة غير المريحة تؤدي إلى صعوبة النوم أو صعوبة الاستمرار فيه. لذلك، احرصي على أنّ تكون غرفة نومكِ هادئة ومظلمة وباردة. كما قومي بإختيار وسائد مريحة وإزالة العوامل التي تشتت الإنتباه وحاولي استخدام آلة صوت.
يُعد النوم حليفًا قويًا نظراً لأنّه يُعزّز صحتنا وأدائنا ورفاهيتنا. لذلك، دعونا نُظهر بعض التقدير لأهمية النوم بإعتباره أحد الركائز الأساسية للصحة الجيدة. يواجه الجميع من وقتٍ لآخر مشاكل في النوم، لكنّ في حال استمرت هذه المشاكل، يعتبر من الجيد التحدث إلى طبيب نفسي أو أخصائي نفسي للحصول على إرشادات إضافية وخيارات العلاج.