مع تغير الساعة البيولوجية.. كيف نستعيد روتين الحياة بعد رمضان؟
الدراسات العلمية الحديثة، ومنها دراسة صادرة عن المركز الجامعي لطب النوم بجامعة الملك سعود، أثبتت وجود ساعة بيولوجية مركزية في الدماغ، تعرف باسم "النواة المتصالبة" بالإضافة إلى ساعات بيولوجية فرعية داخل كل عضو من أعضاء الجسم.
حيث تعمل الساعة البيولوجية على التحكم فيما يعرف بجينات الليل وجينات النهار، وبالتالي التحكم في كامل وظائف الجسم. وهي مرتبطة بكل الوظائف الحيوية لجسم الإنسان، وليست قاصرة على تنظيم عملية النوم والاستيقاظ لدى الإنسان.
وتؤدي العديد من التغيرات الجذرية في الروتين اليومي خلال شهر رمضان الكريم إلى اضطراب كلٍّ من إيقاع النوم، والساعة البيولوجية، لدى البعض، خاصة مع التغيير المفاجئ في أوقات الدوام، وعدد ساعات النوم وجودته، وهي المعاناة التي تتواصل عقب انقضاء الشهر الكريم، مع عودة مواعيد الدوام إلى سابق عهدها. فتبدأ معاناة من نوع خاص، حيث يجد كثيرون صعوبة في استعادة السيطرة على اليوم. وتنظيم مواعيد النوم والاستيقاظ بطريقة تعيد الانضباط إلى الساعة البيولوجية. فهل هناك حل لاستعادة روتين نومك بعد رمضان؟
ماذا يحدث لساعتك البيولوجية في رمضان؟
تتغير العادات اليومية في رمضان، وأهمها تناول الوجبة الرئيسية في اليوم قبيل مواعيد النوم بوقت قصير. ومع الخروج عن التوصيات الصحية والدينية في الشهر الكريم، المتعلقة بتناول كميات قليلة من الطعام والشراب. وممارسة الأنشطة التي تتطلب حركة كصلاة التراويح، وغيرها.. يعاني كثيرون من أوقات مربكة، يضطرب معها إيقاع الجسم، وساعته البيولوجية التي تتحكم في الشعور بالحرارة والبرودة، والجوع، والرغبة في النوم وغيرها من الأمور.
كيف تحصلين على الراحة والسكون في شهر رمضان؟
العادات اليومية تتغير في رمضان، وأهمها تناول الوجبة الرئيسية في اليوم قبيل مواعيد النوم بوقت قصير. كما تؤكد العديد من الدراسات أن المشكلة ليست في الصيام بحد ذاته، ولكن في التغييرات التي تطرأ على نمط الحياة خلال شهر رمضان الكريم. وهي ليس فردية تتعلق بالشخص نفسه وحسب، ولكنها جماعية أيضا تتم على مستوى الدول، إذ تتغير مواعيد دوام العمل وساعات الدراسة. وهو تغيير تناولت آثاره دراسة بعنوان "تأخير دوام المدرسة والمكاتب خلال شهر رمضان: نعمة أم نقمة؟".
وقد نشرت هذه الدراسة في عام 2021، حيث أشار خلالها كل من الباحثين عبد الرؤوف بيرزادا وأحمد سالم بهمام، إلى أن تغيير أوقات بدء الدراسة ودوام العمل خلال شهر رمضان الكريم. والتغييرات التي تطرأ على مواعيد النشاط والنوم خلال هذا الوقت، تشبه إلى حد بعيد التأثيرات الناتجة عما يعرف بالتوقيت الصيفي. ففي الحالتين يقع تحول مفاجئ في أوقات النوم والاستيقاظ، بالبلدان التي تتبني تأخير أوقات الدراسة والعمل، ومن ثم تغير نمط النوم وساعات العمل والتعرض للضوء.
وبحسب الدراسة فإن تلك التغييرات الجذرية في الروتين اليومي، تؤدي إلى عواقب سلبية على المدى الطويل، وأشار الباحثان في المقابل إلى أثر النوم والاستيقاظ المنتظم على تزامن إيقاع الساعة البيولوجية ومن ثم الحفاظ على صحة الجسم والعقل، و شددا على أن أي تغيير بالساعة البيولوجية لأي سبب اجتماعي أو اقتصادي، ينتج عنه تأثيرات فسيولوجية أهمها:الاختلالات الخلوية. وزيادة مستويات للالتهابات. وزيادة أمراض القلب. واعتلال ضغط الدم.
أضرار النوم المتقطع
يتسبب النوم المتقطع لساعات غير كافية في إحداث تغييرات بالساعة البيولوجية، فضلا عن متاعب عامة من أبرزها:
الصداع وتقلب المزاج ويشمل ذلك سرعة الغضب والصداع النصفي.
التأثير على الوظائف الإدراكية، فتتراجع القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات واسترجاعها، واتخاذ القرارات وحتى القدرات الإبداعية.
زيادة الوزن بسبب تغييرات تطرأ على الهرمونات المتحكمة في الشعور بالشبع والجوع.
لتستمر المعاناة مع اضطرابات النوم، والأرق عقب انقضاء شهر رمضان لفترة طويلة، ولكن يمكن وضع حد لهذه المشكلة باتباع مجموعة من العادات التي من شأنها استعادة التوازن والتمتع بنوم هادئ. من بين تلك العادات:
تحديد وقت واضح للنوم كل يوم، عقب رمضان سواء شعرت بالنعاس أم لا. استلق وحاول ألا تفكر في أي شيء، هكذا تستعيد برمجة ساعتك البيولوجية من جديد.
تجنب القيلولة، حتى لو كنت تشعر بالتعب، خلال الأسبوع الأول عقب رمضان، وفي الأسبوع التالي حاول ألا تزيد عن 30 دقيقة.
الابتعاد عن ضوء الشاشات قبل النوم بـ10 دقائق على الأقل.
التوقف عن تناول الكافيين في المساء، كما هو الحال عقب الإفطار في رمضان، حيث يستغرق الجسم 6 ساعات للتخلص من آثاره، وتناول حليب دافئ أو أعشاب مهدئة.
كيف يؤثر الكافيين في القهوة والشاي على الإنسولين وسكر الدم؟
تجنبي ممارسة الرياضة قبل النوم مباشرة.وكما هو الحال عقب الإفطار في رمضان، تسبب ممارسة الرياضة القوية في الأيام العادية قبل النوم الإصابة بالأرق. وإن كانت ضرورية فيمكن أن تسبق موعد النوم بساعتين على الأقل.
علاوة على ذلك، فإن التعرض إلى نور الصباح عقب الاستيقاظ مباشرة، إما بالخروج إلى أماكن مفتوحة، أو بالبقاء أمام النافذة. حيث يعد ضوء النهار أحد المحددات الرئيسية للساعات البيولوجية.
تهيئة بيئة النوم بحيث تكون مريحة وغير مشتتة أو مثيرة للتفكير، مع التركيز على أن تكون مظلمة وهادئة.
عدم الإسراف في تناول الطعام والشراب قبل النوم، كمان كان عليه الحال في رمضان. خاصة الأطعمة الدهنية أو السكرية، لأنها تساهم بقوة في اضطراب النوم. نظرا لما يبذله الجسم من مجهود إضافي لهضمها. كذلك الأمر مع الأطعمة الغنية بالتوابل وتلك الحارة، فهي سيئة للنوم أيضا لما تسببه من حرقة بالمعدة، وغازات.
صعوبة العودة
وبحسب مؤسسة النوم الوطنية بالولايات المتحدة الأمريكية، فإن العودة إلى إيقاع نوم متزن، عقب فترة من الاضطراب قد لا يكون سهلا بالنسبة للبعض. لذا توصي المؤسسة، في حالة عدم القدرة على استعادة روتين النوم المنتظم، باللجوء إلى بعض العلاجات التي من شأنها المساعدة، مثل:
تناول مكملات الميلاتونين، وهو هرمون يفرز بشكل طبيعي عند حلول الظلام، ويعزز النوم.كما تساعد المكملات التي تحتوي على الميلاتونين في استعادة نمط نوم صحي من جديد.
العلاج بالضوء وذلك من خلال الجلوس أمام مصباح عالي الطاقة لفترة قصيرة، في الصباح. وذلك لمنح الجسم جرعة عالية من الضوء لتصحيح إيقاع الساعة البيولوجية.
العلاج المعرفي السلوكي، وذلك بمساعدة متخصص نفسي، حيث يمكن وضع خطة لروتين نوم أكثر صحة.بالإضافة إلى النقاش بشأن السلوكيات التي ماتزال تساهم في اضطراب الساعة البيولوجية.