
عندما تلتقي القوة الداخلية بالتمكين.. قصص ملهمة عبر العصور تؤكد أن المرأة تمتلك إرادة لا تُكسر
من مالالا التي حوّلت رصاصة إلى منصةٍ عالميةٍ للتعليم، إلى روزا باركس التي صنعّت ثورةً من مقعد حافلة، وصولًا إلى ريم بنت بندر التي كّسرت الصور النمطية بسفارتها التاريخية؛ كل هؤلاء لم ينتظرنَ "إذنًا" لِيُثبتن أن التمكين ليس هبة تُمنح، بل حقٌّ يُنتزع بقوة داخلية تُشبه النار، والتي قد تختبئ تحت الرماد، لكنها قادرة على إشعال ثورةٍ من رماد الظلم.فهل القوة الداخلية وحدها تكفي؟ وهل التمكين الخارجي يُغني عنها؟الحقيقة أن العلاقة بينهما كالثمرة والشجرة كل منهما تحوي الأخرى وتُكمِّلها. فمن دون قوة داخلية، يتحول التمكين إلى هيكلٍ فارغ، ومن دون تمكين، تظل القوة كطاقةٍ مكبوتةٍ تبحث عن منفذ.
من هذا المنطلق، سُنستعرض عبر موقع "هي" العلاقة بين تمكين المرأة وقوتها الداخلية، وأبرز القصص المهلمة عبر العصور عن تمكين المرأة التي يمكن أن تُعزز قوتكِ الداخلية لمواجهة التحديات بثقة، بناء على توصيات استشاري التنمية البشرية الدكتور مصطفى الباشا من القاهرة.
التمكين والقوة الداخلية علاقتهما تكاملية

وبحسب دكتور مصطفى، العلاقة بين تمكين المرأة وقوتها الداخلية علاقة تكاملية وثيقة، حيث يُعزِّز كل منهما الآخر بشكل متبادل. إليكِ تحليل لهذه العلاقة وكيفية تفاعلها؛ وذلك على النحو التالي:
تمكين المرأة أساس لبناء القوة الداخلية
التمكين هو عملية توفير الموارد، الفرص، والسلطة للمرأة لاتخاذ قراراتها بحرية، سواءً على المستوى الاجتماعي، الاقتصادي، أو السياسي. وهذا التمكين يُغذي قوتها الداخلية من خلال التالي:
- الثقة بالنفس:عندما تحصل المرأة على التعليم أو فرص العمل، تزداد ثقتها بقدراتها.
- الاستقلالية: تحررها من التبعية الاقتصادية أو الاجتماعية يُعزّز إحساسها بالسيطرة على حياتها.
- القدرة على المواجهة:التمكين يمنحها الأدوات مثل "المهارات، الشبكات الداعمة" لمواجهة التحديات. على سبيل المثال: "عندما أسسّت وانجاري ماثاي حركة زراعة الأشجار في كينيا، لم تُمكّن النساء اقتصاديًا فحسب، بل زرعت فيهن إيمانًا بقدرتهن على تغيير مجتمعاتهن.

القوة الداخلية المحرك الخفي للتمكين
القوة الداخلية مثل "الإرادة، التصميم، والتوازن النفسي" هي الوقود الذي يدفع المرأة لتحقيق التمكين حتى في الظروف الصعبة، على سبيل المثال:
- التحدي الاجتماعي: قوة شخصيات مثل" روزا باركس أو مالالا" جاءت من إيمان داخلي عميق بعدالة قضيتهما، رغم المخاطر.
- تحويل الألم إلى قوة: كما فعلت أوبرا وينفري، التي حوّلت معاناتها من الفقر والعنف إلى دافع لبناء إمبراطورية إعلامية.
- الصمود أمام الفشل: القوة الداخلية تمنح المرأة القدرة على النهوض بعد السقوط، مثل "رياضيات أو رائدات أعمال تواجهن الإحباط مرارًا".
علاقة التمكين والقوة الداخلية تُشبه "الحلقة المُحفزة"
وتابع دكتور مصطفى، دورة التمكين والقوة الداخلية هي علاقة تكاملية تُشبه "الحلقة المُحفَّزة":؛ إذ نجد أن التمكين الخارجي "فرص، قوانين، دعم" يُعزز الثقة؛ والقدرات الداخلية تحوّل القوة الداخلية إلى أفعال تُحدث تمكينًا أوسع "مبادرات، تأثير في المجتمع"وهكذا. على سبيل المثال "عندما أصبحت ريم بنت بندر سفيرةً للسعودية، استخدمت قوتها الدبلوماسية الداخلية لتمثيل بلادها، مما فتح الباب لمزيد من النساء في المناصب القيادية".

عوامل قد تُعطِّل هذه العلاقة
وأضاف دكتور مصطفى، مع كل ما سبق ذكره، قد توجد عوامل متنوعة قادرة على تعطيل هذه العلاقة التكاملية، أبرزها:
- القمع الاجتماعي أو الثقافي:قد تُمنع المرأة من الوصول إلى الموارد، مما يُضعف فرص تطوير قوتها الداخلية.
- الصورة النمطية الداخلية:بعض النساء قد يستسلمن لعقلية "الضحية" بسبب التقاليد أو التربية.
- غياب الدعم النفسي: التمكين لا يكفي من دون تعزيز الصمود العاطفي لمواجهة الضغوط.
سُبل فعّالة لتعزّيز العلاقة بين التمكين والقوة الداخلية لدى المرأة

أكد دكتور مصطفى، أن القوة الداخلية ليست شيئًا تولد به المرأة، بل تُبنى بالتجارب والتحدي. لذا يجب على كل امرأة أن تبحث عن شغفها، وتختار معاركها بحكمة، وتمتلك الإيمان بأن تأثيرها مهما بدا صغيرًا، قد يكون قادر على خلق التغيير؛ وذلك بجانب السُبل التالية:
- التعليم:المعرفة تُعزز الوعي الذاتي والمهارات.
- التمكين الاقتصادي:العمل الحر أو المشاريع الصغيرة تخلق استقلالية وتقديراً للذات.
- الشبكات الداعمة:المجموعات النسائية أو المنصات التوجيهية (Mentorship) تُشعر المرأة بأنها ليست وحيدة.
- التوعية الذاتية:ممارسات مثل "التأمل، الكتابة، أو العلاج النفسي" تساعدها على فهم مصادر قوتها.
بناءً على السُبل السالفة الذكر، ستكون النتيجة قوة مُجرّدة من الحدود؛ فعندما تلتقي القوة الداخلية مع التمكين الخارجي، تُصبح المرأة قادرة على تغيير واقعها الشخصي مثل "الخروج من علاقة سامة"، وكذلك تحدي الأنظمة الظالمة مثل "النضال ضد التمييز في العمل"، وفي نفس الوقت ستكون قادرة على إلهام أجيال جديدة كما فعلت "هيلين كيلر" بتحويل إعاقتها إلى رسالة عالمية.
قصص ملهمة ستُعزّز قوتكِ الداخلية لمواجهة التحديات بثقة

واستكمالًا لحديثنا عن العلاقة بين تمكين المرأة والقوةالداخلية لديها؛ أشار دكتور مصطفى إلى بعض القصص الملهمة عن تمكين المرأة، التي يُمكن أن تُعزّز قوتك الداخلية بشكل فعّال وهادّف، وذلك على النحو التالي:
زوزا باركس.. المرأة التي حركت التاريخ بمقعد
رفضت روزا باركس، المرأة الأمريكية من أصل أفريقي في عام 1955، التخلي عن مقعدها في الحافلة لرجل أبيض، مما أشعل شرارة حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة. تصرفها البسيط غير القوانين العنصرية وألهم الملايين. وهنا نؤكد أن "التمرد على الظلم يبدأ بخطوة صغيرة، والشجاعة قد تكون في قول "لا".
هيلين كيلر.. التحدي في ظلام وصمت

عانت هيلين كيلر من الصمم والعمى منذ الطفولة، لكنها أصبحت كاتبة ومحاضرة وناشطة حقوقية بمساعدة معلمتها آن سوليفان. كافحت من أجل حقوق ذوي الإعاقة وأثبتت أن الإعاقة ليست عائقًا أمام العطاء. وهنا نؤكد أن"الإرادة تحوّل العقبات إلى سلالم، والدعم الإنساني يُضيء الطريق".
وانجاري ماثاي.. المرأة التي غرست الأمل في إفريقيا
أسست الكينية وانجاري ماثاي، والحاصلة على جائزة نوبل للسلام، حركة "الحزام الأخضر" التي زرعت أكثر من 50 مليون شجرة في إفريقيا بمشاركة آلاف النساء. واجهت انتقادات وسجنًا بسبب نضالها البيئي، لكنها أثبتت أن تمكين المرأة مرتبط بحماية الأرض والمجتمع. وهنا نؤكد أن "القيادة البيئية والاجتماعية وجهان لعملة واحدة، والمرأة قادرة على تغيير العالم بيدها وفكرها".
أوبرا وينفري.. من الفقر إلى قمة التأثير
نشأت أوبرا في فقر مدقع وتعرضت للعنف في طفولتها، لكنها حولت معاناتها إلى قوة. أصبحت إعلامية شهيرة ومليارديرة عصامية، واستخدمت منصتها لدعم التعليم وتمكين النساء عبر مؤسساتها الخيرية. وهنا نؤكد أن "الماضي لا يُحدد مستقبلكِ، والنضال الشخصي يمكن أن يتحول إلى إرث إنساني".

نساء "الرايزنج".. فريق الكريكيت الأفغاني
في مجتمع يَحُد من حرية المرأة، شكلت مجموعة من الأفغانيات فريق كريكيت سري عام 2010. رغم التهديدات، تدربنَ سرًا وهربنَ من البلاد لاحقًا لمواصلة أحلامهن. قصتهن ألهمت فيلمًا وثائقيًا يُظهر قوة العمل الجماعي. وهنا نؤكد أن "الأحلام تتجاوز الحدود، والتضامن بين النساء يخلق درعًا ضد القمع".
مالالا يوسفزاي..صوت التعليم في وجه الظلام
عندما كانت مالالا في الـ12 من عمرها، تحدت حركة طالبان في باكستان للمطالبة بحق الفتيات في التعليم. تعرضت لمحاولة اغتيال عام 2012، لكنها نجت وأصبحت رمزًا عالميًا للنضال من أجل التعليم. حصلت على جائزة نوبل للسلام في سن الـ17، وأسست منظمة "صندوق مالالا" لدعم تعليم الفتيات حول العالم. وهنا نؤكد أن "القوة تكّمن في الإصرار على القضية رغم الخوف، والتحول من الضحية إلى القائدة.
ريم بنت بندر.. الأميرة التي كّسرت الصور النمطية
الأميرة ريم بنت بندر آل سعود، أول امرأة سعودية تعين سفيرةً للبلاد في الولايات المتحدة. تحدت التوقعات التقليدية وتميزّت بدبلوماسيتها الفعّالة، مما ساهم في تغيير صورة المرأة السعودية عالميًا. وهنا نؤكد أن "التمكين يبدأ بفرص تُصنع بالإصرار، والثقافة ليست عائقًا بل منصة للتحول".

وأخيرًا، التمكين ليس مجرد "منح سلطة" للمرأة، بل هو عملية تحرير لقدراتها الكامنة، بينما القوة الداخلية هي الشرارة التي تجعلها تستخدم هذه القدرات بفاعلية. كلما اجتمعا، أصبحت المرأة فاعلةً في تاريخها، لا مجرد رد فعل على ظروفها. وكما قالت الروائية فرجينيا وولف" لا يُمكّنكِ أن تُغيّري العالم إلا إذا امتلكتِ غرفة تخصّكِ وحدكِ؛فالغرفة هنا رمز للتمكين، لكن قرار فتح النافذة وإضاءة الشموع يأتي من الداخل".