خاص "هي": كيف يمكن للتعليم تمكين الجيل القادم من النساء العربيات
بقلم دانة دجاني، نائب أول للرئيس، الشراكات والبرامج، مؤسسة عبد الله الغرير
عبر العالم العربي، لعبت النساء دائمًا دورًا أساسيًا في تشكيل الأسر والمجتمعات والثقافة. ولكن اليوم، لم يعد النقاش يدور فقط حول المشاركة، بل حول القيادة والابتكار وإعادة تعريف الفرص المتاحة للجيل القادم من النساء العربيات.
يقع التعليم في قلب هذا التحول، وهو ما تجسده برامج مثل "نمو الغرير طلاقة" التي تعزز إتقان اللغة الإنجليزية وتفتح الأبواب أمام فرص تعليمية ومهنية أوسع.
على مدى عقود، شهدنا ارتفاع معدلات معرفة القراءة والكتابة بين الإناث، وزيادة التحاق الشابات بالتعليم العالي، واستثمارات أكبر في مهارات المرأة وطموحاتها. ومع ذلك، فإن هذه الإنجازات، رغم أهميتها، ليست الهدف النهائي. المقياس الحقيقي للتمكين لا يتمثل فقط في الوصول إلى التعليم، بل في ما يتيحه هذا الوصول—من استقلال اقتصادي، وحراك اجتماعي، ودور أقوى في تشكيل مستقبل المنطقة.
في مؤسسة عبد الله الغرير، تمثل النساء 63% من المستفيدين عبر برامجنا. وهذا يعكس التزامًا عميقًا بضمان أن تكون النساء والفتيات ليس فقط مشمولات، بل في صميم بناء مستقبل قائم على المعرفة والشمولية في المنطقة.
سد الفجوة بين التعليم وسوق العمل
اليوم، لا تزال العديد من الشابات يواجهن عقبات مستمرة، بما في ذلك التوقعات الاجتماعية، والمسارات المحدودة للتوظيف، وغياب الدعم الذي يساعدهن على الانتقال من التعليم إلى حياة مهنية ذات معنى. تتفاقم هذه الفجوة بين التعلم والتوظيف في ظل اقتصاد سريع التغير، حيث تعيد التكنولوجيا وريادة الأعمال والاستدامة تشكيل أسواق العمل.
لردم هذه الفجوة، نحتاج إلى نهج جديد—نهج يربط التعليم بالمهارات الواقعية، ويستثمر في الإرشاد والشبكات، ويستجيب لتطلعات النساء العربيات في مختلف السياقات، من المدن الكبرى إلى القرى الصغيرة.
التعليم ليس مجرد تجربة صفية؛ بل هو بوابة للثقة بالنفس والتفكير النقدي والاستقلالية. كما أنه أحد أكثر الوسائل فعالية لمعالجة عدم المساواة بين الأجيال. فعندما تحصل النساء الشابات على التعليم والدعم، يكنّ أكثر قدرة على إحداث تغيير ليس فقط في حياتهن، بل أيضًا في مجتمعاتهن.
نماذج ملهمة من العالم العربي
عبر المنطقة، هناك أمثلة قوية على هذا التغيير. من مهندسات شابات يصممن حلولًا للطاقة النظيفة في الإمارات، إلى رائدات أعمال اجتماعية في الأردن، ومبتكرات في مجال التكنولوجيا في السعودية، تعمل النساء العربيات على إعادة تعريف مفهوم القيادة في القرن الحادي والعشرين.
في مؤسسة عبد الله الغرير، رأينا عن قرب تأثير الاستثمار في النساء من خلال برامج تجمع بين التميز الأكاديمي، وتنمية المهارات، والتعرض للواقع العملي. أحد هذه البرامج هو "نمو وومن"، وهو مسار ضمن منصة تنمية المواهب "نمو الغرير"، مصمم لدعم النساء العربيات في تطوير مهارات القيادة والإدارة. يركز البرنامج بشكل كبير على تسهيل الانتقال من التعليم إلى الاستعداد المهني، من خلال الاستجابة لاحتياجات السوق وأهداف الشابات الشخصية.
ما كان مشجعًا بشكل خاص ليس فقط المشاركة الواسعة، بل أيضًا الشعور بالتمكين الذي أبلغت عنه المشاركات بعد إكمال البرنامج. فهن لم يصبحن أكثر استعدادًا فحسب، بل أصبحن أيضًا أكثر ثقة في اتخاذ القرارات، والمطالبة بحقوقهن، والمساهمة بشكل ملموس في أماكن العمل والمجتمع.
على سبيل المثال، خلود، مديرة مشاريع إماراتية، شاركت كيف أن الجلسات التي قادها مدربون عالميون زودتها بأدوات عملية وشبكات دعم أحدثت فارقًا في عملها. بالنسبة لها، عززت التجربة التزامها الشخصي بتعزيز دور المرأة الإماراتية في القيادة والمساهمة في رؤية الإمارات للتمكين. نصيحتها للآخرين: استكشاف هذه الفرص لإطلاق إمكانياتهم والقيادة بثقة.
وبالمثل، ساعد برنامج "نمو الغرير طلاقة" العديد من الشابات في اكتساب مهارات تواصل أساسية، تشكل حجر الأساس للنمو الشخصي والمهني. ومن اللافت أن 90% من خريجي "طلاقة" هن من النساء، مما يعكس حجم الطلب والتأثير لهذا النوع من البرامج. إحدى المشاركات، هاجر، وصفت كيف ساعدها البرنامج على اكتشاف ثقة أعمق في قدراتها. وأشارت إلى أن البيئة التعاونية حفزتها على الخروج من منطقة راحتها والمشاركة بفعالية في تجربة التعلم، وهو النوع من التحول—الهادئ ولكنه عميق—الذي يبني المرونة والقيادة على المدى الطويل.
التمكين يتطلب منظومة متكاملة، وليس مجرد تدخلات
ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير للقيام به. فعلى الرغم من التقدم الذي حققته السياسات والبرامج، فإن الشابات في العالم العربي بحاجة إلى منظومات دعم متكاملة، وليس مجرد تدخلات معزولة. وهذا يعني الاستثمار في شراكات بين المؤسسات التعليمية وأصحاب العمل والأسر والمجتمعات. كما يعني الاستماع إلى الشابات أنفسهن—لفهم طموحاتهن، والتحديات التي يواجهنها، وتعريفهن الشخصي للنجاح.
نهج واحد لا يناسب الجميع. فالشابة في دبي قد تكون لديها أهداف مختلفة عن نظيرتها في عمّان أو القاهرة أو بيروت أو الرياض. لكن ما يجمعهن هو الرغبة في تعليم ذي صلة بواقعهن، ويجهزهن للعالم الذي يدخلنه، وليس العالم الذي كان موجودًا قبل عقود.
في هذا السياق، لا يمكن التقليل من أهمية دور الإرشاد والنماذج النسائية الملهمة. فغالبًا ما يُطلب من الشابات الطموح، لكنهن لا يجدن العديد من النماذج الواقعية التي تعكس النجاح في مجالاتهن أو في بيئاتهن. لذا، فإن إنشاء مسارات واضحة—من خلال التدريب الداخلي، والتوجيه المهني، والمشاركة المجتمعية، ورواية القصص—يمكن أن يلهم ويحفز بطرق تتجاوز المناهج الدراسية التقليدية.
التغيير يبدأ من النظرة المجتمعية
من الضروري أيضًا تغيير السردية المجتمعية حول تمكين المرأة. إذ لا ينبغي أن يُنظر إليه على أنه لعبة صفرية أو "قضية نسائية". بل هو ضرورة اجتماعية واقتصادية.
تشير الأبحاث إلى أن الاقتصادات الشاملة أكثر ابتكارًا ومرونة وازدهارًا. ويُظهر تقرير لصندوق النقد الدولي أن تضييق الفجوة بين الجنسين في أسواق العمل يمكن أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية بنحو 8%. في حين أن إغلاق الفجوة بالكامل يمكن أن يرفع الناتج المحلي الإجمالي في هذه البلدان بنسبة 23% في المتوسط.
في العالم العربي، حيث يشكل الشباب دون الثلاثين حوالي 60% من السكان، فإن الخيارات التي نتخذها اليوم في مجال التعليم والتمكين ستحدد مستقبل تنافسية المنطقة وتماسكها.
إن تمكين الشابات ليس مجرد قضية عدالة، بل هو مفتاح لازدهار المنطقة ككل.
جيل النساء العربيات القادم مستعد. يبقى أن نضمن أن تكون المنظومات حولهن مستعدة أيضًا.