
الطموح لا يعرف عمرًا.. حديث خاص لـ"هي" مع ليلى المعينا حول التحرر من قيود الزمن وإعادة ابتكار الذات
في عالم ما زال يربط النجاح بالشباب ويضع تواريخ صلاحية للأحلام، تبرز ليلى المعينا، مدربة التطوير الشخصي والمهني، كصوت يرفض هذه القوالب الجاهزة. من خلال تجربتها الثرية في تمكين النساء، تؤمن ليلى أن العمر ليس عائقًا بل فرصة جديدة للانطلاق نحو نسخ أكثر عمقًا وصدقًا من الذات. في هذا الحوار الملهم، نتناول معها كيف يمكن للمرأة أن تعيد ابتكار حياتها في أي مرحلة عمرية، وأن تستبدل الخوف بالإيمان، والانتظار بالمبادرة، والأدوار النمطية برحلة تطوّر لا تنتهي. رسالة ليلى واضحة: الطموح لا يعرف العمر، والهوية ليست ثابتة بل قابلة للتجدّد… في كل وقت، وبكل شغف.
في العديد من المجتمعات، هناك خوف متجذّر من التقدّم في العمر، خاصة لدى النساء. ما هي أبرز العوامل الاجتماعية والثقافية والنفسية التي تُسهم في هذا الخوف؟ وكيف تؤثر على نموّ المرأة ونظرتها لذاتها؟
منذ لحظة ولادتنا، يصبح العمر جزءًا محوريًا من هويتنا، ويؤثر على نظرتنا لأنفسنا وعلى كيفية رؤية الآخرين لنا. إنها كلمة ترافق هويتنا في كل مرحلة من مراحل الحياة. في العديد من الثقافات والمجتمعات، يرتبط الشباب، لا سيما بالنسبة للمرأة، بالجمال والخصوبة والقيمة المجتمعية. لذلك، يُثير التقدّم في العمر مشاعر خوف عميقة لأنه غالبًا ما يُصوَّر على أنه فقدان لتلك الصفات. ويُفاقم هذا الخوف السرديات الثقافية التي تمجّد الشباب وتتجاهل الحكمة والقوة التي ترافق الخبرة. ومع ذلك، فإن رحلة التقدّم في العمر بالنسبة للمرأة تفتح أيضًا آفاقًا للنمو الشخصي، وتقبّل الذات، وإعادة تعريف الهوية بما يتجاوز المعايير المجتمعية.
من منظورك كمدربة حياة، لماذا تتردد الكثير من النساء في إعادة ابتكار أنفسهن في مراحل متقدّمة من العمر؟
الخوف هو أحد أكثر الحواجز التي أواجهها أثناء تدريبي للنساء اللواتي يشعرن بأن حياتهن "توقّفت" بعد عمر معيّن. كثيرات يعبرن عن ترددهن في إعادة ابتكار أنفسهن، معتبرات أن العمر أصبح عائقًا أو أن الفرصة قد فاتتهن. هذه النظرة غالبًا ما تكون نتيجة لتوقعات المجتمع وسردياته، بالإضافة إلى معتقدات ذاتية محدودة تُقيد المرأة داخل قالب يصعب كسره. وكنتيجة لذلك، تجد كثيرات أنفسهن محصورات داخل "صندوق" يُعيق النمو والاكتشاف.
غالبًا ما يحتفي المجتمع بالطموح في سنّ الشباب، لكنه قد يُهمل أو يُقلّل من قيمة إعادة ابتكار الذات في مراحل لاحقة. كيف يمكن تغيير هذا الخطاب؟
من خلال القدوة والتجارب الواقعية. نحن نشهد اليوم على العديد من النساء اللواتي يكسرن القيود النمطية المفروضة عليهن منذ عقود. نساء يواجهن معتقداتهن المحدودة، ويتبعن شغفهن، ويصغين لصوتهن الداخلي وحدسهن، قصصهن تلهم الأخريات بشكل عميق. كما يلعب المجتمع دورًا محوريًا في هذا التحوّل؛ إما أن يكون محفّزًا لهذا التغيير أو عامل إعاقة له.
في رأيك، ما هي التحوّلات المطلوبة لرؤية التقدّم في العمر كفرصة وليس كقيد؟
التغيير يبدأ من الداخل. لرؤية التقدّم في العمر كفرصة، لا بد من إعادة برمجة العقل. يتطلّب الأمر استبدال الحوار الداخلي السلبي بعبارات إيجابية ومعتقدات داعمة. وعندما يشعر الإنسان بأنه عالق، فإن النظر إلى نماذج واقعية لأشخاص تغلّبوا على القيود الذهنية يساعد كثيرًا. كما أن إحاطة النفس بأشخاص إيجابيين يؤمنون بالإمكانات بدلاً من التمسك بأفكار قديمة، يؤثر بشكل كبير على نظرتنا لأنفسنا.
ما هي أبرز المفاهيم الخاطئة حول النجاح وتحقيق الذات التي واجهتها من خلال عملك كمدرّبة حياة؟
أحد أكثر المفاهيم الخاطئة شيوعًا هو الاعتقاد بأن العمر وحده يحدد ما يمكن أو لا يمكن تحقيقه. التقيت بنساء في الثلاثين يشعرن أنهن تأخرن عن الزواج، وأخريات في الأربعين يعتقدن أن الوقت فات للالتحاق بالجامعة، وحتى نساء في الخمسين يشعرن أن حياتهن "انتهت" ويتمسكن فقط بذكريات الشباب. في المقابل، رأيت نساء كسرن تلك الحواجز الذاتية وحققن إنجازات عظيمة لاحقًا في الحياة، مدفوعات بالحكمة والخبرة التي اكتسبنها على مر السنين.
الثقة بالنفس عامل أساسي في إعادة ابتكار الذات. كيف يمكن للمرأة أن تعزّز ثقتها لاتخاذ خطوات جريئة في أي مرحلة من عمرها؟
الثقة بالنفس عامل أساسي في إعادة ابتكار الذات، وتنميتها في أي مرحلة من مراحل الحياة تبدأ من تغيير الذهنية. يمكن تعزيزها عبر خطوات بسيطة لكنها فعالة:
1. استبدال المعتقدات المحدودة بأخرى إيجابية محفّزة.
2. إحاطة نفسك بطاقة إيجابية وأشخاص داعمين.
3. حضور الفعاليات والأنشطة التي تحتفي بالنساء اللواتي كسرن الحواجز وحققن الإنجازات في مختلف المراحل العمرية.
4. قراءة كتب أو الاستماع لمحتوى يعزّز الإيمان بالذات.
5. إعداد خطة عمل شخصية تقودكِ في رحلتك.
كما أن وجود مرشد Mentor يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا في تسهيل مسار النمو والتحوّل.
كيف يمكن للمرأة أن تركز أكثر على شعورها بدلاً من عمرها بحدّ ذاته؟ وما هي العادات أو التحوّلات الذهنية التي تساعدها على الشعور بالتمكين في كل مرحلة من مراحل حياتها؟
لتركيز المرأة على شعورها الداخلي، عليها أولاً أن تكون صادقة مع نفسها بشأن ما تريده حقًا. التواصل مع شغفها، والانفتاح على التجارب الجديدة، وتقبّل رحلة التحوّل الشخصي، هي مفاتيح القوة. عندما تتخيّل المرأة أمرًا في ذهنها، تصبح قادرة على تحويله إلى واقع. هذه الرؤية الذهنية تُطلق طاقتها، وتمنحها شعورًا حقيقيًا بالتمكين في كل مرحلة عمرية.
ما هي نصيحتك للنساء حول التقدّم في العمر وإعادة ابتكار الذات؟
رسالتي هي: أنتِ جميلة وفريدة في كل مرحلة من مراحل حياتك. كل عمر يحمل جماله الخاص، ومع التقدّم في العمر تأتي النعمة، والحكمة، والجاذبية المتفرّدة. احتفي بهذه الصفات وامنحيها مكانًا في رحلتك.
ماذا عن النساء المترددات في البدء من جديد أو اتخاذ مسار جديد في حياتهن لاحقًا؟
التردد غالبًا ما يكون نتيجة لرغبة داخلية حقيقية تعترضها مخاوف. للتقدّم، علينا البدء بتغيير الذهنية. استخدام الأدوات المناسبة، ووضع خطة واضحة، وطلب الإرشاد من شخص خبير أو مرشد، كلها عناصر تساعد على كسر الجمود. استدعي أحلامك وتحدثي عنها، فذلك يمنحك القوة لتخطو أول خطوة نحو التحوّل.