تطورٌ ثوري في العمليات الجراحية لجعلها أكثر أمانًا وموثوقية
تعدَ الجراحة من الإجراءات التي يتم اللجوء إليها في العديد من الحالات الصحية التي لا ينفع معها وصف العقاقير، مثل الحوادث أو في حال عجز الأدوية عن علاج الحالة الصحية التي يعاني منها المرء، مثل الإنزلاق الغضروفي وغيرها.
والجراحة هي أحد التخصصات الطبية التي تعتمد على الإجراءات اليدوية والأدوات التقنية المُطبَقة على المرضى، بغرض المعالجة أو التحقق من وجود حالة تلف نسيجي قد تحدث نتيجة لبعض الأمراض أو لإصابة ما. ويهدف الإجراء الجراحي إلى تحسين الأداء الوظيفي أو الشكل الظاهري للعضو.
يُطلق على التدخل الجراحي إجراءً جراحياً أو عمليًة أو ببساطة جراحة، والعمليات الجراحية قد تُجرى على الإنسان أو الحيوانات. ويُطلق على الشخص الذي يجري العملية الجراحية جراحاً، وقد يوصف أيضاً بالممارس الطبي؛ ولكن قد يُطلق مصطلح "الممارس الطبي" أيضًا على الأطباء والأطباء المختصين في طب الأقدام وأطباء الأسنان (المعروفون أيضا بمسمى جراحي الفم).
عرف الإنسان الجراحة منذ مئات السنين حتى اليوم، وخلال هذه الفترة الطويلة مرت عمليات الجراحة بالكثير من التغيرات والتقدم الطبي الذي أسنح الفرصة أمام الجرَاحين لتطوير قدراتهم وأدواتهم المستخدمة في عمليات الجراحة، للخروج بنتائج أكثر نجاحًا فيما يخص صحة المريض وتعافيه بسرعة وإطالة عمره في الكثير من الأحيان.
وكما عرف الإنسان التطور التكنولوجي في نواحي عدة من حياته، كذلك دخلت التكنولوجيا المجال الجراحي لمساعدة الجرَاحين على إجراء عمليات مُعقدة مع تعزيز سلامة الإجراء الجراحي. فمن الذكاء الاصطناعي والروبوتات الجراحية إلى الواقع الافتراضي والطباعة ثلاثية الأبعاد ووسائل التصوير الجديدة، أحدثت الابتكارات التقنية تحولًا ثوريًا داخل غرف العمليات في القرن الحادي والعشرين، ووصلت هذه التطورات إلى مجموعة واسعة من الإجراءات الجراحية.
وتمحورت مختلف تلك الابتكارات حول هدف واحد،ألا وهو جعل إجراء العمليات الجراحية بأدنى حدود التدخل أمرًا ممكنًا، ليحصل المرضى في نهاية المطاف على تجربة علاجية أكثر أماناً وموثوقية.
تطورُ تكنولوجي طبي في دولة الإمارات
حول ذلك، قال الدكتور جون رودريجيز رئيس قسم جراحة عامة في معهد أمراض الجهاز الهضمي بمستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي: "يواصل مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي تولي زمام المبادرة ضمن قطاع الرعاية الصحية في دولة الإمارات العربية المتحدة على مستوى الابتكار في الإجراءات الجراحية بأدنى حدود التدخل. وبدءًا بالعمليات الجراحية بمساعدة الروبوتات إلى استبدال الصمام الأبهري عبر القسطرة وجراحات الجهاز الهضمي بالمنظار، يجري استخدام التقنيات الجراحية الجديدة بأدنى حدود التدخل في مجالات رعاية السرطان وجراحة السُمنة والفتق والقولون والمستقيم، والعديد من المجالات العلاجية الأخرى".
وفي هذا المضمار، تشهد الجراحة الروبوتية وتيرة تطور لافتة بما يشمل ظهور أدوات أكثر دقة في تخطيط الجراحة وبرمجيات داعمة وقدرات مُحسنة لأتمتة العمليات الجراحية. ومن الأدلة الإضافية على التطور في هذا المجال، التخطيط والتوجيه الروبوتي الناجح لجراحة العمود الفقري إلى جانب عملية تنظير القصبات المؤتمتة جزئياً.
ويُعتبر نظام دافنشي الجراحي الذي يضم كاميرا ثلاثية الأبعاد وأربعة أذرع روبوتية مع معدات جراحية مُدمجة، أحد التقنيات التي أحدثت نقلة نوعية في الإجراءات الجراحية، ويتم استخدام هذا النظام في مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي ما يساعد الجرَاحين على إجراء عمليات أكثر تعقيدًا وحساسية عبر شقوق أصغر، الأمر الذي يُقلَل من الألم ويُقلَص فترة تعافي المرضى.
وأضاف الدكتور رودريجيز: "تواصل المجالات الجراحية تطورها لتكون أكثر أماناً وأقل تدخلاً وأكثر قدرة على تحقيق نتائج إيجابية. وأتاح لنا التطور في تقنيات الجراحة بأدنى حدود التدخل إجراء عمليات جراحية معقدة، عبر تنظير التجويف البطني القياسي والتنظير الداخلي والتقنيات الروبوتية، إلى جانب تقليلالندوب الجراحية لأدنى حدود ممكنة، أو غير ظاهرة أبدًا في بعض الحالات".
تسخير الذكاء الاصطناعي في مجال العمليات الجراحية
تُعتبر الجراحة بالمنظار أحد أبرز التطورات الجراحية خلال السنوات العشر الأخيرة ضمن الإجراءات الجراحية بأدنى حدود التدخل. وباتت العمليات الجراحية أكثر أمانًا اليوم بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي التي تُعزز سلامة المرضى من خلال دعم قدرة الجرَاحين على تجنب الأخطاء الجراحية ومساعدتهم أثناء أكثر الإجراءات الجراحية تعقيداً.
وأردف الدكتور رودريجيز: "وصلنا اليوم إلى مرحلة متقدمة للغاية في قطاع الرعاية الصحية. فالتطورات الطبية تحدث الآن خارج الغرف الجراحية، إذ تلعب البيانات الضخمة والطب الدقيق وكشف المرض المبكر، دورًا رئيسيًا في الابتكارات الجراحية. ونحن اليوم قادرون أكثر من ذي قبل على فهم التفاصيل الدقيقة للأمراض بفضل البحوث الوراثية والتحقق من أنماط الأمراض التي تم اكتشافها من ملايين السجلات الصحية للمرضى. ويقودنا ذلك لتقليل معدلات الإصابة بالمرض وتحسين المخرجات العلاجية".
تقنيات بدّلت مجرى العمليات الجراحية
شهدت السنوات الأخيرة ثورةً في عالم العمليات الجراحية، من خلال تقنيات حديثة ساهمت في خفض أعداد الوفيات الناجمة عن الخضوع للجراحة في حالات طبية دقيقة وحرجة.
وأكثر 3 تقنيات شهدها الجسم الطبي في الآونة الأخيرة وكان لها تأثير إيجابي على حياة المرضى هي التالية حسبما ذكرها بعض المواقع على الإنترنت:
- الطباعة ثلاثية الأبعاد: من أكثر التقنيات الثورية التي أسهمت في إنقاذ حياة الآلاف من مرضى القلب الذين يعانون أوضاعًا صحية حرجة.
وقد جرى استخدامها منذ عدة سنوات في طباعة القلب قبل العملية الجراحية. وتعتمد هذه التقنية على استخدام قلب مصنوع بتكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد قبل الجراحة، ليستغني الطبيب عن إيقاف عمل القلب وفتحه ومراقبته عن كثب ثم اتخاذ القرار الحاسم في وقت قصير جدًا. إذ أن التقنية الجديدة تساعد الطبيب على صنع "قلب جديد" من خلايا جسم المرضى بفضل الطباعة الثلاثية الأبعاد وزرعه في جسم المريض.
وفي أبريل 2016، أطلق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم استراتيجية دبي للطباعة ثلاثية الأبعاد، وهي مبادرةٌ تهدف إلى الاستفادة من هذه التكنولوجيا الواعدة لخدمة الإنسان، وتعزيز مكانة دولة الإمارات ودبي كمركزً رائدً على مستوى المنطقة والعالم في مجال الطباعة الثلاثية الأبعاد بحلول عام 2030.
وبحلول العام 2025، سيكون بمقدور الأطباء طباعة أسنان سيراميك في أقل من 20 دقيقة. ويمكن استخدام هذه التقنية أيضا في جراحة العظام وتصنيع الجبيرة.
- الجراحة الروبوتية: كما ذكرنا سابقًأ، يُعد نظام دافنشي الجراحي الذي يضم كاميرا ثلاثية الأبعاد وأربعة أذرع روبوتية مع معدات جراحية مُدمجة، أحد التقنيات التي أحدثت نقلة نوعية في الإجراءات الجراحية. وقد بدأت الأبحاث حول تطوير هذه التقنية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، إلا أن بدء استخدامها في الجراحة كان في العام 2000 وذلك في مختلف أنواع العمليات الجراحية بعد التصديق عليه من قبل منظمة الدواء والغذاء الأمريكية FDA.
روبوت دافنشي أو نظام دافينشي الجراحي،منظومةٌ جراحية روبوتية تُصنَعها شركة "إنتيوتف سرجكال" للمعدات الطبية الجراحية، وهو نظامٌ مُصمَم لتسهيل العمليات الجراحية المُعقدة باستخدام طرق جراحية طفيفة التوغل، ومُسيطر عليها من قبل الجراح من وحدة التحكم.
يُستخدم النظام عادة لاستئصال البروستاتا، وعلى نحو متزايد لإصلاح صمام القلب والعمليات الجراحية الخاصة بأمراض النساء. ويزيد هذا الروبوت من سرعة العمليات الجراحية بنسبة 30%، كما يمكن أثناء العملية الجراحية الوصول إلى مواضع في جسم المريض وشق شقوق فيه لأجل العملية الجراحية، لا يمكن للطبيب الجراح الوصول إليها.
يتألف روبوت دافنشي من 3 أجزاء:
- الأول عبارة عن 4 أذرع يتمّ التحكّم بها من بعد.
- الثاني شاشةٌ ثلاثية الأبعاد تُكبّر حتى 10 مرات.
- الثالث هو الذي يستخدمه الطبيب، ومزوّد بشاشة العرض وأجهزة التحكّم وأنظمة التشغيل.
وتبقى أبرز ميزات العمليات الجراحية الروبوتية أنها تُقلل من مدة شفاء المريض الذي يستطيع الخروج من المستشفى في غضون 3 أيام تقريباً، بالإضافة إلى تخفيف الآلام وانعدام الالتهابات وغيرها من المضاعفات.
- تشريح جسم الانسان بتقنية ثلاثية الأبعاد: يتيح تقدم التكنولوجيا الحصول على البيانات مباشرةً لاستخدامها على الهاتف المحمول. وأكثر ميزة لتشريح جسم الإنسان بتقنية ثلاثية الأبعاد هي أنها أكثر تفصيلًا ودقة، وهي وليدة بيانات توفّرها الأشعة المقطعية بالكمبيوتر والتصوير بالرنين المغناطيسي. كما أحدثت التقنية ثورةً في مجال تدريس الطب، وبات العديد من أهم الجامعات الطبية في العالم ومنها جامعات في المملكة العربية السعودية والكويت والأرن، يستخدمها على نطاق واسع.
ويُعدّ تشريح جسم الانسان بتقنية ثلاثية الأبعاد، أهم أداة تم استخدامها في السنوات العشر الأخيرة لتوفير فرصة ذهبية للطلاب لسبر أسرار الجسم البشري ومعرفة المزيد عن علم وظائف الأعضاء، وزيادة مرونة النظر إلى هذه الأعضاء. كما يستخدمها الجرَاحون أيضًا في عملياتهم الجراحية نظرًا لدقتها العالية.
في الختام، هناك العديد من التقنيات والتطورات التي شهدها عالم الطب في القرن الماضي والحالي، وهي كلها تهدف لخدمة الإنسان وتخليصه من آلامه ومعاناته من المرض بأقل مضاعفات جانبية ووقت للتعافي. ويتم استخدام هذه التقنيات بشكل خاص ضمن العمليات الجراحية.