أول مريضة تتلقى لقاح سرطان الثدي.. ماذا تخبرنا عن تجربتها
أن تنجو أول مرة من شيء جلل، فهذا قمة التوفيق والسعادة. لكن أن تنجو من الحدث الخطير ذاته مرةً ثانية، فهذا هو شبه المستحيل الذي قد لا ينطبق على جميع الحالات.
النجاة من المرض أو من الموت، عناوين مختصرة لكنها تحمل الكثير من المعاني والدروس؛ فالنجاة هي فعل الخلاص من حالة مهدَدة للحياة، يمكن أن تجعلنا في طي النسيان بين ليلة وضحاها.
وهذا ما تختبره معظم الناجيات من مرض سرطان الثدي، أبرز أنواع الأمراض التي تُصيب النساء عادةً. حتى أن نسبة الإصابة بهذا المرض تبلغ 1 من أصل 8 من كل النساء، وهو ما يُفسَر شكل شريط الدعم الزهري الذي نرتديه لدعم مريضات سرطان الثدي في شهر أكتوبر كل عام.
إلا أن الجسم الطبي باختصاصاته المتعلقة بصحة المرأة بصورة عامة، والأورام بصورة خاصة؛ تسعى بشكل خاص لإيجاد "حلول" ناجعة وفعالة لعدم تصيَد مرض سرطان الثدي للمزيد من النساء. وفيما تُبدي حملات التوعية الداعية للفحص المبكر وسرعة الحصول على العلاج في حال تشخيص المرض، والدعوات لاتباع نمط حياة صحي، الكثير من التجاوب والآثار الإيجابية بين النساء، تبقى الوقاية من الأساس هي محور اهتمام الأطباء في هذا الصدد.
لذا عكف الدكتور فينسينت توهي الراحل، الذي كان رئيس كرسي مورت وآيريس نوفمبر للتميّز في أبحاث سرطان الثدي المبتكرة في معهد ليرنر للأبحاث في كليفلاند كلينك، ولسنوات طويلة على تطوير لقاح تجريبي لحماية النساء من سرطان الثدي. ساعده في ذلك مجموعةٌ كبيرة من العلماء والباحثين والأطباء، الذين أكملوا العمل بجد حتى بعد وفاته، واستطاعوا التوصل إلى توفير اللقاح الوقائي الأول في العالم والذي حصلت عليه سيدة أمريكية تعافت من سرطان الثدي ثلاثي السلبية، لكنها ما زالت في دائرة خطر الإصابة به من جديد.
كليفلاند كلينك يجري أول دراسة للقاح يقي من سرطان الثدي
فماذا تخبرنا جينيفر ديفيس عن هذه التجربة، وما هي خصائص هذا اللقاح الوقائي الذي يُعدَ ثورةً في عالم الأورام السرطانية واللقاحات؟ هذا ما نعرَفك عليه عزيزتي في هذه المقالة.
جينيفر دينيس أول مريضة تتلقى لقاح سرطان الثدي في العالم
تبدو جينيفر، الممرضة والأم لثلاثة أطفال من لشبونة في ولاية أوهايو الأمريكية، سعيدة ومرتاحة في الصور التي تمَ الكشف عنها أثناء حصولها على لقاح الوقاية من سرطان الثدي.
لمَ لا، وهي تضع جلَ ثقتها في الطاقم الطبي الذي عمل كخلية النحل لسنوات عدة، على تطوير هذا اللقاح لحمايتها وباقي النساء من تكرار الإصابة بسرطان الثدي ثلاثي السلبية الذي أصيبت به في مرحلة مبكرة ونجحت في التعافي منه؛ لكنها معرَضة، كغيرها من النساء اللاتي أصبنَ بهذا النوع من السرطان، لخطر تكرار الإصابة به؟
الناجية من سرطان الثدي ديفيس هي في المرحلة 1a من تجربة سريرية تجريها منظمة الصحة العالمية "كليفلاند كلينك"، وتشمل المرضى الذين أكملوا علاج سرطان الثدي ثلاثي السلبية في مراحله المبكرة والمعرضين لخطر تكرار الإصابة به
ويستهدف اللقاح التجريبي - المعتمد على أبحاث قادها الراحل الدكتور فينسينت توهي - بروتين الرضاعة في الثدي المُسمّى ألفا-لاكتالبومين، والذي ينعدم وجوده بعد الإرضاع في الأنسجة العادية المتقدمة بالسنّ، ولكنه موجود في غالبية سرطانات الثدي ثلاثية السلبية. ويتسمَ اللقاح بقدرته على تحفيز جهاز المناعة على مهاجمة الورم، ومنعه من النمو عند الإصابة بسرطان الثدي.
ولوصف سرطان الثدي ثلاثي السلبية ، قال الدكتور جي توماس بَد، من معهد توسيغ للسرطان التابع لكليفلاند كلينك، والباحث الرئيس في الدراسة بأنه "أقلّ أنواع هذا المرض قابليةً للعلاج"، معربًا عن الأمل في أن يصبح اللقاح الوقائي حقيقةً واقعة لحماية النساء من شرّ الإصابة بهذا النوع من سرطان الثدي.
ما هو مرض سرطان الثدي الثلاثي السلبي
كما أسلفنا، تشارك جينيفر في المرحلة 1a من الدراسة، التي تشمل المرضى ممن أكملوا علاج سرطان الثدي ثلاثي السلبية في مراحله المبكرة خلال السنوات الثلاث الماضية، وتخلو أجسادهم من الأورام حاليًا ولكنهم معرّضون لخطر تكرار الإصابة. وتضمّن علاج جينيفر في كليفلاند كلينيك، قبل الانضمام إلى التجربة، تلقّي العلاجين الكيماوي والإشعاعي واستئصال الثديين؛ ولم يجد الفريق الطبي المكلّف بالإشراف على علاجها أية علامات على انتشار السرطان في أي جزء آخر من جسدها.
ماذا تقول جينيفر عن تجربتها
"شعرتُ بحماس بالغ عندما سمعت عن اللقاح"، "رافقني زوجي عندما ذهبتُ للحصول على الجرعة الأولى من اللقاح، ثم ذهبت أمي معي في الثانية والثالثة. بل إنني لا أتذكر أني كنتُ قد ذهبتُ إلى موعد طبي في كليفلاند كلينك بمفردي، فلقد حظيت بدعم معنوي كبير من أسرتي". قالت جينفير التي لا تتلقى حاليًا أي دواء في سبيل ضمان عدم تكرار الإصابة. وقد أصبحت جنيفر في أكتوبر 2021، أول مريضة تُسجّل في التجربة وتتلقى الجرعة الأولى من اللقاح، مؤكّدة أنها لم تتردد في الحصول على هذا اللقاح.
من ناحيتها، قالت الطبيبة المختصة بأورام الثدي الدكتورة ميغان كروس، التي أخبرت جينيفر عن التجربة في أحد مواعيد المتابعة، إن حديث المرضى المُصابين بسرطان الثدي ثلاثي السلبية، ظلّ ينحصر لفترة طويلة في كيفية المضيّ في رحلة العلاج الشاقة التي يرافقها شعور سيئ بحتمية عودة المرض؛ مُعرَبة عن الأمل في أن يصبح بالإمكان، بفضل دراسة اللقاح هذه، تغيير ذلك الشعور وأن يسود بعض التفاؤل فيما نقترب من مستقبل أكثر إشراقًا لهؤلاء المريضات".
تجدر الإشارة إلى أن جينيفر والمشاركين الآخرين في الدراسة، تلَقوا ثلاث جرعات من اللقاح بفارق أسبوعين بين الجرعة والأخرى؛ وخضع المشاركون لمراقبة حثيثة بحثًا عن أية آثار جانبية أو استجابة مناعية. وكانت جينيفر تلقت آخر جرعة لها في نوفمبر 2021 ولم يُلاحظ عليها أية آثار جانبية كبيرة.
ماذا بخصوص وقاية النساء غير المُصابات بسرطان الثدي
في هذا الخصوص، أطلق باحثو كليفلاند كلينك، في فبراير 2023، المرحلة التالية من التجربة السريرية لدراسة اللقاح: 1b، بالشراكة مع شركة "أنيكسا بيوساينسز" Anixa Biosciences. وينصبّ التركيز في هذه المرحلة على الأفراد غير المُصابين بالسرطان، ولكنهم مُعرَضين لخطر الإصابة بسرطان الثدي، والذين قرروا الخضوع طوعًا لعملية استئصال الثدي الوقائية لتقليل الخطر.
وتواصل جينيفر، البالغة من العمر 46 عامًا، المتابعة مع الدكتورة كروس، وتقترب من إتمام العام الخامس من التعافي. وبالرغم من أن فهم فعالية اللقاح قد يستغرق سنوات، إلا أنها حريصةٌ على ما سيأتي، وتأمل في أن تساعد قصتها المرضى الآخرين الذين شُخّصوا بالإصابة بسرطان الثدي.
وانتهت إلى القول: "قد يعتريني أحيانًا شعورٌ سلبي وأصاب بالفزع، ولكنني أواصل المضي قُدمًا؛ فإذا كُتب النجاح لهذا اللقاح وأصبح يعمل بالطريقة التي يريدها الباحثون، فقد يمنع يومًا ما الإصابة بسرطان الثدي ثلاثي السلبية".
لا بدَ من معرفة المزيد عن هذا اللقاح
أليس كذلك؟ إليك ما وصلنا عنه من الجهات الطبية المختصة في "كليفلاند كلينك".
يستهدف اللقاح الذي بدأت "كليفلاند كلينك" العمل عليه أواخر العام 2021، بروتين الرضاعة في الثدي الذي يحمل إسم ألفا-لاكتالبومين، والذي يندثر بعد عملية الإرضاع التي تقوم بها الأم لطفلها، في الأنسجة العادية المتقدمة في السنّ. إلا أنه موجودٌ في معظم سرطانات الثدي ثلاثية السلبية، أكثر أشكال هذا المرض فتكًا وتكرارًا للحدوث بين النساء.
ويعمل تنشيط جهاز المناعة ضد هذا البروتين "المتقاعد" ومن خلال اللقاح، على تقديم حماية مناعية وقائية ضد أورام الثدي الناشئة التي تفرز بروتين ألفا-لاكتابومين. كما يحتوي اللقاح على مادة مُساعدة تُنشَط الإستجابة المناعية الفطرية التي تسمح للجهاز المناعي بتكوين استجابة ضد الأورام الناشئة لمنعها من النمو.
وقد استندت الدراسة إلى بحث أُجري بقيادة الدكتور توهي، الذي يُعتبر العقل المُدبَر وراء هذا اللقاح الثوري، أظهر أن تنشيط الجهاز المناعي ضد بروتين ألفا-لاكتالبومين كان آمنًا وفعالًا في الوقاية من أورام الثدي لدى الفئران. ووجد البحث الذي نشرت نتائجه في مجلة "نيتشر مديسن" أيضًا أن لقاحًا واحدًا يمكن أن يمنع حدوث أورام الثدي في الفئران، في حين يمنع نمو أورام الثدي الموجودة وتطورها.
في الختام، يمكن القول أن الثقة بالجسم الطبي لتطوير أفضل العلاجات والوسائل الوقائية التي تحمينا من الأمراض، هي حاجةٌ ملَحة لا ينبغي التخلي عنها. بل ويجب الاستثمار في هذه التجارب والأبحاث التي تستحق كل درهم يُنفق عليها، كونها تسهم في تعزيز جودة الحياة وحماية الناس من الكثير من الأمراض التي كانت تتسبب بوفيات كبيرة حول العالم مثل سرطان الثدي.