تقنيات علاجية جديدة في الإمارات.. تسهم في علاج الأمراض وتحسين جودة الحياة
التحديث سمة العصر الحالي، والتكنولوجيات باتت حاضرةً في معظم نواحي حياتنا اليومية، خصوصًا الصحية والعلاجية.
وازداد الدفع نحو المزيد من الاستثمار في قطاع الرعاية الصحية العالمي وإدخال تقنيات وعلاجات ثورية جديدة إليه، بعد جائحة كوفيد-19 التي ألمت بالملايين حول العالم بين الإصابات والوفيات؛ ما جعل الاستثمار في المجال الصحي يقفز قفزة نوعية في العام 2020 ليبلغ 80.6 مليار دولار، بحسب تقرير "حالة الرعاية الصحية" العالمي الذي نشرته منصة "سي بي إنسايت" بداية العام الماضي.
وخلال العامين اللذين تليا جائحة كورونا، باتت الصحة تحظى باهتمام ورعاية كبيرين؛ إن لجهة المؤسسات والهيئات الحكومية، أو من خلال القطاع الخاص. وسعى الجميع في هذا الشأن، لتطوير وتحديث كافة وسائل العناية بالأفراد، كبارًا وصغارًا، لتجنب أية مضاعفات خطيرة يمكن أن تنجم عن أوضاعهم، وكذلك للتخفيف من حدة الأمراض والمشاكل الصحية التي يعانون منها.
وقد سجلت دولة الإمارات العربية المتحدة، نموذجًا مُشرَفا يُحتذى به خلال جائحة كوفيد-19، وخلال السنتين اللتين تلتا الجائحة؛ من خلال تعاطيها السريع والفعال مع تداعيات المرض، وكذلك الاستثمار بشكل كبير وقوي في نظام الرعاية الصحية للمواطنين والمقيمين وزوار الدولة من سياح وغيرهم، بإدخال أحدث التقنيات والعلاجات الثورية ضمن مؤسساتها الحكومية، وفي المستشفيات والمراكز الطبية الموجودة فيها.
"اطمئنان".. وحدةٌ ذكية متنقلة لإجراء الفحوصات الدورية الشاملة
ضمن جهودها الرامية لتوفير أعلى معايير خدمات الرعاية الصحية، وتوسيع نطاق استخدام التقنيات الحديثة في مختلف منشآتها، قامت "مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية" بتزويد مراكزها الصحية بـ 11 وحدة للكشف المبكر والوقاية (EDPU) في العديد من المواقع السريرية وذلك ضمن برنامجها "اطمئنان".
وبحسب الدكتورة عائشة سهيل، مدير إدارة الرعاية الصحية الأولية في المؤسسة، فإن "اطمئنان" هو أحد المشاريع الإستراتيجية المعتمدة من قبل المؤسسة، والتي توفر للمتعاملين ومن خلال 11 وحدة ذكية متنقلة، فحوصات دورية شاملة للأمراض غير السارية والمُزمنة؛ مثل أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والسكري والسرطان وأمراض الرئة وهشاشة العظام والاكتئاب. كما يشمل البرنامج إعطاء التطعيمات، والكشف عن المشاكل المتعلقة بالتدخين، والتغذية وأنماط الحياة الغير صحية.
وأشارت سهيل إلى أن "اطمئنان"، وحدة الكشف المُبكر والوقاية التي تعتمد على تقنية EDPU، تُعدَ الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتسهم في توفير جميع الفحوصات والمراجعات ونتائج الاختبارات المطلوبة في غضون 20 دقيقة؛ مما يساهم بشكل كبير في راحة المريض. مضيفةً أن البرنامج يعمل وفق مفهوم الرعاية الصحية الوقائية على أساس المبادئ التوجيهية العلمية، ويشمل مفهوم الطب الوقائي والتنبؤي والشخصي والتشاركي، ويهدف لتحقيق أفضل الممارسات السريرية في الرعاية الصحية الوقائية، التي تعتمد على أحدث التقنيات في مجال الفحص الطبي.
جهازٌ واحد يجمع علاجين مُثبتين لفشل القلب
في العاصمة الإماراتية أبوظبي، نجح مستشفى "كليفلاند كلينك" في إجراء أول عملية من نوعها في العالم، لزراعة جهاز يجمع علاجين مُثبتين لفشل القلب وذلك في إطار تجربة سريرية تهدف لعلاج أعراض قصور القلب.
وتستهدف الدراسة السريرية الجديدة التي تحمل إسم INTEGRA-D تقييم مدى سلامة وفعالية الجهاز الذي يجمع بين علاجين مُثبتين لفشل القلب؛ إذ يعمل علاج تعديل انقباض القلب على تحسين عملية انقباض القلب، فيما يعالج جهاز إزالة رجفان القلب القابل للزرع (ICD) اضطرابات نظم القلب التي تهدد حياة مرضى القلب وتُسبَب الوفاة المفاجئة.
وقال الدكتور بروس ويلكوف، مدير أجهزة تنظيم ضربات القلب في مستشفى "كليفلاند كلينك" والمحقق الرئيسي في الدراسة: "قد يُشكَل هذا الإنجاز تقدمًا مهمًا لمرضى قصور القلب، حيث يتطلب الأمر إجراء عملية واحدة فقط لتقديم علاجين مهمين لمرض القلب ومنع الوفاة المفاجئة التي قد تنجم عن فشل القلب. وما يمنح الأمل هو أن هذه التكنولوجيا القابلة لإعادة الشحن - مع عمر بطارية محتمل يصل إلى 20 عامًا - ستُقلَل بشكل كبير من الحاجة إلى عمليات استبدال الأجهزة."
بدوره قال الدكتور نيراج فارما، أستاذ الطب بكلية "كليفلاند كلينك ليرنر" للطب، واستشاري الفيزيولوجيا الكهربائية في مستشفى "كليفلاند كلينك" لندن ومحقق رئيسي في تجربة INTEGRA-D السريرية: "نتطلع إلى دراسة هذه التكنولوجيا الجديدة لتحديد مدى قدرتها على تطوير العلاجات للمرضى الذين يعانون من قصور في القلب."
جديرٌ بالذكر أنه ووفقًا للإتحاد العالمي للقلب، فإن عوامل مثل شيخوخة السكان، وزيادة عوامل الخطر القلبية الوعائية، والمعدل المُحسَن للنجاة من أمراض القلب الوعائية؛ تؤدي جميعها إلى زيادة انتشار أمراض قصور القلب على مستوى العالم إلى ما يقدر بنحو 26 مليونًا، مع ملايين من الحالات الإضافية غير المُشخَصة.
ويعاني مرضى قصور القلب من أعراض مرهقة للغاية؛ بما في ذلك ضيق التنفس، والتعب، والارتباك، وانتفاخ الساقين، الأمر الذي يؤثر سلباُ في جودة حياتهم. ويوصف لمعظم مرضى قصور القلب أدويةً تعمل على إبطاء تقدم المرض وإدارة الأعراض، ولكن قد تتضاءل فعاليتها مع مرور الوقت. وفي حين أن أجهزة تنظيم ضربات القلب التقليدية القابلة للزرع قد تساهم في إنقاذ حياة المرضى، إلّا أن التكنولوجيا المستخدمة في هذه الأجهزة لا تكفي وحدها لمعالجة الأعراض المرهقة لفشل القلب.
علاج جديد يثبت فعاليته لمرض عصبي عضلي نادر للغاية
هل سمعت من قبل عن مرض "الوهن العضلي الوبيل"؟ إنه أحد أمراض المناعة الذاتية، ويُعدَ مرضًا نادرًا ويصيب 700،000 شخص حول العالم. وعند علاجه بفعالية، يمكن للمرضى إدارة الأعراض بشكل أفضل وعيش حياة طبيعية إلى حد كبير.
وقد أعلنت مدينة الشيخ شخبوط الطبية، إحدى أكبر المستشفيات في دولة الإمارات والمشروع المشترك بين شركة أبوظبي للخدمات الصحية "صحة" ومايو كلينك، عن حصولها على أول علاج في الإمارات العربية المتحدة للمرضى الذين يعانون من مرض الوهن العضلي الوبيل.
يتسبب مرض الوهن العضلي الوبيل بالضعف والإرهاق السريع، لأي من عضلات الجسم الخاضعة للتحكم الإرادي (مثل العضلة ذات الرأسين في الذراع، وعضلات البطن والعضلة المأبضية وغيرها)؛ مما يؤدي لانقطاع الإتصال الطبيعي بين الأعصاب والعضلات. وتتحكم هذه العضلات عادةً في الوظائف التي تتضمن تحريك الذراعين والساقين، بالإضافة إلى التنفس؛ مما قد يؤثر على الوظائف اليومية مثل الأكل والتحدث.
ورغم عدم وجود علاج شافٍ للوهن العضلي الوبيل، من الممكن التعامل مع المرض والسيطرة على أعراضه بفعالية باستخدام الأدوية والجراحة التي تتضمن إزالة الغدة الصعترية الموجودة في الصدر. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تتطلب المواقع المحتملة الأخرى لنمو الزوائد الشاذة على الغدة إجراءً علاجيًا مُعقَدًا.
وقد نجح فريق الأطباء متعدد التخصصات في مدينة الشيخ شخبوط الطبية، في علاج مريضة تمَ تشخيصها بالمرض قبل ستة أشهر من علاجها. وتُعدَ السيدة البالغة من العمر 40 عامًا، أول مريضةً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتم علاجها بالدواء المُخصَص للوهن العضلي الوبيل والمتوفر في المستشفى. ويساعد العلاج الذي تتلقاه المريضة في إزالة الأجسام المُضادة الزائدة التي تتسبب بالمرض.
كما استقبل قسم طب الأعصاب في مدينة الشيخ شخبوط الطبية المريضة نورا الجراد، 33 عاماً، والتي تعاني من نفس المرض؛ وهي تتلقى حاليًا العلاج والرعاية المناسبة لهذا المرض المناعي.
ومن خلال نهج تشاركي بقيادة الخبراء الطبيين المتمرسين في مدينة الشيخ شخبوط الطبية، بدأ الدكتور أحمد شاتيلا، استشاري طب الأعصاب ورئيس عيادة التصلب المتعدد في المدينة؛ ببحث متعمق لدراسة حالتي المريضتين للتوصل إلى أحدث وأنسب علاج لكل منهما. ثم قام بوصف الدواء الجديد الذي حصل على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، بعدما أثبت قدرته على تحسين جودة حياة الأشخاص المُصابين بالوهن العضلي الوبيل. كذلك تضمنت خطة العلاج التي صُممت للمريضة الأولى، الخضوع لعملية جراحية طفيفة التدخل، لإزالة الغدة الصعترية أولًا ثم تناول الدواء الجديد بعد أربعة أسابيع من الجراحة؛ فيما تخضع نورا حاليًا للعلاج وتعتزم إزالة الغدة الصعترية في المستقبل القريب.
وعبّرت المريضة نورا الجراد عن ارتياحها لتلقي تشخيص دقيق وخطة علاجية مناسبة لمرضها في مدينة الشيخ شخبوط الطبية، وقالت: "بعد الولادة العام الماضي، شعرتُ بتدلي جفني وواجهتُ صعوبةً في التنفس. فاستشرتُ العديد من الأطباء ولم تكن علاجاتهم فعالة؛ بل وأدت إلى مضاعفات متعددة مثل هشاشة العظام وزيادة الوزن بشكل كبير وصعوبة المشي. وبعد عام كامل من المعاناة المستمرة، أشعر اليوم بامتنان كبير للدكتور شاتيلا الذي بذل قصارى جهده لتأمين أفضل علاج لي هنا في أبوظبي."
وأضافت نورا: "ما زلتُ إلى هذه اللحظة، أشعرُ بتأثر شديد لتمكَني من الوقوف بشكل مستقل والذهاب إلى الحمام بمفردي بعد يوم واحد فقط من بدء خطة علاجي؛ لا سيما وأنني كنتُ عاجزةً عن القيام بذلك سابقًا."