الشوفان في دائرة الإتهام.. هل يتسبب بارتفاع السكر وزيادة الوزن
يعمد الكثير من روَاد مواقع التواصل الإجتماعي، للتركيز على مسألة معينة يسمعون عنها على تلك المواقع؛ ليقوموا بالترويج لها، أو التشهير بها، في محاولة للفت الانتباه وجذب المزيد من اللايكات والمتابعين على تلك المنصات.
وما بين صفحات تدَعي أنها مختصةٌ بالطب والعلوم، وبين أشخاص يُشاع عنهم أنهم مضلَعون بالشؤون الصحية والطبية؛ يضيع معظم الجمهور، وتتبدل حقائق مبيَنة على دراسات وأبحاث طويلة لتصبح هباءً منثورًا. كل ذلك في السعي للحصول على أكبر عدد من المتابعين على منصات التواصل الإجتماعي التي باتت سيفًا ذو حدَين، ينبغي التنبه له.
من المسائل التي أصبحت حديث الناس في الآونة الأخيرة، ادعاء العديد ممن يُقال عنهم أنهم "مختَصون" في الشأن الصحي أن الشوفان غير مناسب للصحة، خاصةً للأشخاص الذين يسعون لإنقاص الوزن الزائد أو الحفاظ على وزن مثالي. مشيرين إلى أن الشوفان ضار، ويمنع امتصاص الجسم للمعادن الضرورية الموجودة في مختلف الأطعمة الأخرى؛ كما يحول دون خسارة الوزن. حتى أن بعضهم ادعَى أن الشوفان ليس طعامًا للإنسان، بل هو مُخصَص بشكل رئيسي كعلف للأحصنة وغيرها من الحيوانات.
فيما انبرى آخرون للدفاع عن الشوفان، مشيرين إلى مزاياه الصحية المتعددة، ومؤكدَين في الوقت ذاته أنه لا يوجد طعام يُسمن أو يُنحَف بشكل رئيسي بل هي طريقة إعداد الشوفان وإضافة المحليات والتمر إليه ما يجعله لا يساعد على التخسيس؛ وأن الشوفان، كغيره من الأطعمة، يمكن اعتماده بطريقة صحية ضمن نظام غذائي صحي يؤمن احتياجات المرء من الغذاء ويساعد على خسارة الوزن بشكل تدريجي.
لتبيان الصحيح من المغلوط في هذه المسألة، تحدثنا إلى غنى صنديد؛ اختصاصية تغذية من بيروت للوقوف أكثر على فوائد وأضرار الشوفان؛ وهل يمكن تناول الشوفان بطرق صحية، وما هي.
بدايةً.. فلنتعرف سويًا على مزايا الشوفان ومحتواه الغذائي.
ما هو الشوفان
بحسب موقع Healthline، فالشوفان (أو أفينا ساتيفا) عبارة عن حبوب كاملة، تُزرع بشكل رئيسي في أمريكا الشمالية وأوروبا. ويُعدَ الشوفان مصدرً جيدًا للألياف، خاصة البيتا جلوكان؛ كما أنه غنيٌ بالفيتامينات والمعادن والمُركبَات النباتية الفريدة. إضافةً إلى مضادات الأكسدة، ويُعتبر الشوفان المصدر الغذائي الوحيد لأفينانثراميد، وهي مجموعةٌ فريدة من مضادات الأكسدة يُعتقد أنها تحمي من أمراض القلب.
تقدم هذه الحبوب العديد من الفوائد الصحية المحتملة، بما في ذلك خفض الكوليسترول وتحسين حساسية الأنسولين ومستويات السكر بالدم؛ ما جعله يكتسب اهتمامًا كبيرًا كغذاء صحي.
تُسمى حبوب الشوفان الكاملة جريش الشوفان؛ ويتم عادةً لفها أو سحقها بشكل شائع إلى رقائق مُسطحة تمتص الماء بسهولة أكبر وبالتالي يمكن طهيها بصورة أسرع، وتحميصها قليلاً لإنتاج دقيق الشوفان الذي يمكن استهلاكه على شكل عصيدة Porridge أو استخدامه في المخبوزات والجرانولا وغيرها.
يحتوي كوب واحد من الشوفان النيئ Raw Oats على:
- 307 سعر حراري.
- 8.7 جرام ماء.
- 10.7 جرام بروتين.
- 0.8 جرام سكر.
- 8.1 جرام ألياف.
- 5.3 جرام دهون.
- 54.8 جرام كربوهيدرات، وتُشكَل الكربوهيدرات 66٪ من الشوفان بالوزن الجاف.
وربما لأن محتوى الشوفان الكبير من الكربوهيدرات، هو الذي جعل البعض يضعونه في دائرة الشك ويُوجهَون إليه الإتهامات بشأن ضلوعه في زيادة الوزن. كما أن سوء استخدام الشوفان في الطبخ، هو ما قد يجعله يسهم في زيادة الوزن عوضًا عن خسارته؛ كذلك قد يُشكَل خطرًا على صحة مرضى السكري، وهو ما نتعرف عليه في التالي.
هل دقيق الشوفان مضرٌ بالصحة
قبل الإجابة عن هذا السؤال، لا بدَ من التمييز بين أنواع دقيق الشوفان المختلفة؛ إذ أن هناك الشوفان المُقطَع بالفولاذ، والشوفان الملفوف، والشوفان المُعدَ للطهي السريع والفوري . وكل هذه المصطلحات تشير إلى طرق مختلفة لتحضير الشوفان المُقشَر للطبخ.
ونقل موقع صحيفة Time الأمريكية عن جوان سلافين، أستاذة علوم الأغذية والتغذية بجامعة مينيسوتا قولها: "لا يمكنك تناول شوفان غير مُعالج مباشرةً من الحقل"؛ مضيفةً أن الشوفان المحصود يأتي ملفوفًا في قشرة صلبة يجب إزالتها قبل الطهي والاستهلاك. وعندما تتم إزالة القشرة، فإن ما يتبقى هو جريش الشوفان - وهو النخالة الكاملة والسويداء والبذرة وهي المكونات الثلاثة التي تُشكَل الحبة الكاملة من الشوفان. ويمكن شراء وطهي حبوب الشوفان الكاملة؛ لكن جميع أنواع دقيق الشوفان الأخرى، تتضمن نوعًا من المعالجة لتسهيل الطهي.
دقيق الشوفان هو طعامٌ متعدد الاستخدامات، يحب الكثير منا تناوله على الإفطار أو وجبة خفيفة أو حتى كطبق جانبي لذيذ. وعلى الرغم من كونه مثالًا رائعًا للحبوب الكاملة التي ينصح بها الأطباء وخبراء التغذية، إلا أن دقيق الشوفان يمكن أن يصبح مشكلةً إذا كنت تعانين من مشاكل في المعدة؛ وخاصةً الأفراد الذين يعانون من بعض مشاكل الجهاز الهضمي مثل مرض القولون العصبي. إذ يحتوي كوب واحد من الشوفان على ما يزيد قليلًا عن 8 جرامات من الألياف.
وتقول روكسان إحساني، أخصائية التغذية الغذائية المُسجلة والمتحدث الإعلامي لأكاديمية التغذية وعلم التغذية لموقع Eat This Not That: "إذا كانت تعانين من معدة حساسة، فإن الألياف الموجودة في دقيق الشوفان قد تُسبَب لك الانتفاخ والغازات".
كذلك إذا كنت تعانين من مرض الاضطرابات الهضمية، تأكدَي من البحث عن الشوفان المعتمد الخالي من الغلوتين؛ حيث أن الشوفان العادي الموجود في أرفف الحبوب في المحلات التجرية، قد يكون غنيًا بالجلوتين كما تضيف إحساني.
هل يرفع الشوفان نسبة السكر بالدم
في النهاية، الأمر يتعلق بما تضعينه في دقيق الشوفان، والذي يمكن أن يؤدي إلى أكبر المشاكل. وتقول إحساني: "إذا أكلت دقيق الشوفان مع إضافة شيء من الحلاوة إليه مثل السكر البني أو العسل أو شراب القيقب، فإنك تزيدين من كمية السعرات الحرارية الكلية وترفعين من كمية الكربوهيدرات الإجمالية أيضًا. قد يضطر الأشخاص المصابون بمُقدمات السكري ومرض السكري إلى توخي الحذر في هذا الموضوع، لأن تلك الإضافات قد تتسبب في ارتفاع نسبة السكر في الدم بشكل كبير."
يمكن أن يكون هناك أيضًا مشكلةٌ كبيرة مع دقيق الشوفان المعبأ مسبقًا، تشرح إحساني: "كوني حذرةً من عبوات دقيق الشوفان المُنكَهة (مثل دقيق الشوفان الفوري المُعبأ مسبقًا أو المُحلى) والمُضاف إليه شراب القيقب، أو دقيق الشوفان البني أو دقيق الشوفان بالفراولة أو دقيق الشوفان الكريمي، وعادةً ما تحتوي هذه الأصناف على الكثير من المكونات المُضافة والسكر." مضيفةً أن هذا النوع من الحبوب غير مُغذَي، ويُفضل "شراء دقيق الشوفان العادي وإضافة الإضافات المُغذية إليه، مثل الفاكهة الطازجة والمكسرات والبذور أو زبدة المكسرات والتوابل الخاصة بك، كالقرفة والهيل، لإضفاء نكهة على طبق دقيق الشوفان."
لكن إضافة السكر ليس الشيء الوحيد الذي يمكن أن يجعل دقيق الشوفان غير صحي. فالحليب كامل الدسم أو الكريمة مع دقيق الشوفان، لا يجعلان منه طبقًا صحيًا للقلب كما هو المطلوب. "وبدلاً من ذلك، فإنك تزيدين من كمية الدهون المُشبعة، والتي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بزيادة مستويات الكوليسترول الضار. لذا حافظي على صحن الشوفان الخاص بك صحيًا للقلب، عن طريق إضافة الحليب الخالي من الدسم أو حليب اللوز أو الماء إلى دقيق الشوفان عند تحضيره."
كيف يكون الشوفان مفيدًا للصحة
للإستفادة من خصائص الشوفان الغذائية المهمة، تؤكد غنى صنديد اختصاصية التغذية، على ضرورة التفريق بين الشوفان الكامل ودقيق الشوفان. مشيرةً إلى أن للشوفان فوائد صحية عدة، فهو غنيٌ بالألياف التي تعزز الشعور بالشبع، مفيدة لصحة الأمعاء، تحارب الإمساك وتساعد على خفض الكوليسترول الضار والسكر بالدم، وبالتالي تقليل مقاومة الأنسولين.
بالإضافة لمحتوى الشوفان العالي من الفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة الضرورية للحفاظ على الصحة ومنع شيخوخة الخلايا في الجسم.
وتتفق صنديد مع إحساني في طريقة تحضير الشوفان، والتي يمكن أن تقلب محاسنه إلى سيئات؛ إذ قامت العديد من الشركات بأخذ دقيق الشوفان الخام، وأضافت إليه العديد من المحسنات والمطيبات مثل السكر وغيرها، وقامت بإنتاج أظرف instant oatmeal التي يمكن فقط إضافة الماء إليها، لتحضيرها وتناولها، في حين أنها تحوي كميات عالية من السكر.
وفي مسألة مقاومة الأنسولين وارتفاع سكر الدم بسبب الشوفان، التي يطرحها المُشككون بفاعلية الشوفان كغذاء لا يناسب مرضى السكري؛ أشارت صنديد إلى أن هؤلاء المُشككين لم يطلعوا الجمهور على حقيقة أن الشوفان ليس السبب في رفع مستوى السكر بالدم وزيادة مقاومة الأنسولين، بل هي الإضافات العديدة التي يتم إضافتها للشوفان والتي ذكرناها آنفًا، مثل السكر وغيرها. كما لم يتحدثوا عن نتائج العديد من الدراسات التي أجريت على حبة الشوفان، وكشفت الكثير من الفوائد الصحية التي يمكن جنيها من هذه الحبوب.
في المقابل، أكدت صنديد أنها لا تُروج للشوفان على أنه "طعامٌ خارق" يجب تناوله باستمرار من قبل مرضى السكري لخفض سكر الدم والتخلي عن الأدوية؛ أو أنه يسهم في خفض الكوليسترول دون إحداث أي تغيير في نمط الحياة. بل هو غذاءٌ قد يزيد من الوزن في حال إضافة العديد من المكونات الأخرى إليه، مثل الفواكه المجففة وزبدة الفستق والحليب والمكسرات والموز والعسل والتوت وغيرها من الإضافات اللذيذة والتي تجعل الطبق الواحد من الشوفان يتخطى 1000 سعر حراري..
إذن، المسألة بسيطةٌ وتتمثل في اختيار أنواع دقيق الشوفان الصحيحة لكل شخص؛ مع مراعاة تحضير هذا الدقيق بشكل صحي وبكميات مناسبة لكل شخص حسب وزنه وحالته الصحية، وهو ما يمكن تحديده مع خبير التغذية أو الطبيب المختص.
لذا عزيزتي القارئة، لا تستمعي للأشخاص الذين يعطونك "نصف الحقيقة" عن أي مصدر غذائي تتناولينه في نظامك اليومي، وابحثي عن "الحقيقة كاملةً" من خلال القراءة والاستفسار من خبيرة التغذية لديك أو طبيبك الخاص؛ كي يتسنى لك تناول الشوفان وغيره من الأصناف بطريقة صحية لا ضارة.