صحتك النفسية.. هل تتأثر سلبًا بارتفاع درجات الحرارة
يبدو أن تداعيات التغيَر المناخي والاحتباس الحراري، التي حذر منها الكثيرون؛ بدأت بالظهور بشكل علني وقوي، وذلك بعد ارتفاع درجات الحرارة خلال الصيف الحالي بصورة غير مسبوقة عما عهدناه في السنوات الماضية.
وارتفاع الحرارة في الصيف قد ينعكس سلبًا على صحة الإنسان ؛ فيُصاب الجسم بالتعب والإنهاك، وقلة القدرة على الحركة والتفكير. كما يشعر المرء منا بالعطش والصداع معظم الأوقات، ويحتاج للنوم ساعات إضافية للتخفيف من الإرهاق والإنهاك الحراري.
إلا أن تداعيات الحرارة، لا تتوقف عن الجسم فقط؛ بل قد يكون لها تأثيرٌ سلبي على الصحة النفسية أيضًا، وهو ما أكده العديد من الخبراء الذي جرى سؤالهم عن تأثيرات درجات الحرارة في الصيف على الصحة النفسية والعلاقة بينهما. فكانت الردود على الشكل الآتي..
تداعياتٌ سلبية للحرارة على الصحة النفسية
الإرتفاع المتزايد في درجات الحرارة على سطح الأرض، يحمل العديد من التبعات الكارثية سواء لجهة الإضرار بالبيئة أو التأثير على صحة الإنسان الجسدية والنفسية.
ويُسجل الكثيرون معدلات مرتفعة من الإجهاد الحراري في الصيف، خاصةً الأفراد الذين يعانون من أمراض مزمنة أو ضعف في الجهاز المناعي. ويمتد هذا التأثير ليطال الصحة النفسية، ليشهد البعض اضطرابات في السلوكيات وعدم توازن في التصرفات والتفكير؛ إضافة لتضاعف نسب الاكتئاب والتذمر والعصبية والخمول وضعف النشاط البدني وتراجع الإنتاجية.
وفي تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، قال الدكتور قاسم حسين صالح، خبير واستشاري نفسي: "يشهد العالم مع الأسف، تغيرات غير مسبوقة في المناخ؛ أحدثت تأثيرات سلبية للغاية في سلوك الإنسان وصحته النفسية. فالدراسات العلمية تؤكد أن هذه التغيرات المناخية، سبَبت حالات اكتئاب وشعور بالضيق واجهاد وتململ ناجم عن ظروف الطقس القاسية، وقلق بيئي ووجودي من المجهول."
بدورهم، يؤكد خبراء السيكولوجيا أن تداعيات ارتفاع درجات الحرارة، خاصةً في الصيف؛ سيكون لها تأثيرات قوية ليس فقط على صحة الجسد وإنما أيضًا على الصحة النفسية والفكرية. حتى أن بعض هذه التأثيرات، قد تكون قويةً لدرجة تدفع ببعض الأفراد للتفكير بالانتحار.
وقد ربطت بعض الدراسات العلمية، بين ارتفاع درجات الحرارة مؤخرًا وبين زيادة وتيرة معدلات الانتحار حول العالم. ما يؤشر إلى تزايد هذه الحالات طرديًأ مع ازدياد مستويات الاحترار، خصوصًا خلال أشهر الصيف.
توجسٌ من الكوارث الطبيعية
قد يبدو عرضيًا حدوث بعض الكوارث الطبيعية، مثل الحرائق في فصل الصيف؛ والتي تشهدها دولٌ عدة كل سنة. لكن لخبراء علم النفس رأيٌ آخر؛ فهذه الكوارث قد تُشكَل تهديدًا حقيقيًا لحياة الكثيرين ممن يتأثرون بها مباشرةً. وقد شهد هؤلاء الخبراء، ومن خلال متابعتهم لحراق الغابات والأعاصير والفيضانات التي حدثت مؤخرًا في كندا وبعض الدول الأوروبية والآسيوية؛ تزايد الاضطرابات العاطفية المزمنة لدى البعض، ممن عايشوا هذه الكوارث وفقدوا أحبةً أو ممتلكات وأعمال جراء هذه الكوارث. ما يجعلهم أكثر عرضةً في المستقبل، للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة.
ارتفاع الحرارة يؤثر كذلك على قدرات الإنسان الفكرية والجسدية، فتصيبه بالخمول والكسل وانعدام الرغبة في العمل والإبداع.
كيف نتعامل مع هذه المتغيرات؟
يؤكد الخبراء أن تغيرات المناخ الخطيرة ودخول العالم مرحلة الغليان الحراري؛ تستوجب الاستعداد واستخدام كافة أساليب وطرق التشخيص والتعامل التي توصل إليها علم نفس المناخ مع المصابين باضطرابات نفسية وذهانية أيضًا. وعلى وقع تطرَف المناخ واحترار الأرض، يطمح الخبراء إلى أن يكون الوضع المناخي أحد أهم محاور البحث والنقاش المحورية خلال قمة المناخ القادمة في دولة الإمارات.
إذن، يشهد العام 2023 ارتفاعًا حادًا في درجات الحرارة، جعلت منه أكثر الأعوام سخونةً منذ بدء تسجيل درجات الحرارة على كوكب الأرض. ما يؤثر على جوانب الحياة المختلفة، ومنها الصحة النفسية للإنسان.
اضطرابات نفسية وحوادث بسبب درجات الحرارة
أوضح الدكتور على أردوغان، أستاذ الصحة النفسية بمستشفى كلية الطب البشري في جامعة أكدنيز التركية؛ أن آثار التغير المناخي باتت تلقي بظلالها على العالم بأسره، مشيرًا إلى تسبَب درجات الحرارة شديدة الارتفاع باضطرابات نفسية حادة مثل الغضب والاكتئاب، إضافة إلى عدد من مشاكل الصحة العقلية.
وقال: " خلال درجات الحرارة الشديدة، تزداد اضطرابات النوم وتنخفض جودته؛ ما يتسبب في زيادة أمراض مثل الاكتئاب والقلق. فالناس الذين يجدون صعوبة في التنفس خلال الطقس الحار، يعانون من العديد من المشاكل الصحية وفي مقدمتها اضطراب خفقان القلب وزيادة معدلات نوبات الهلع."
مضيفًا أن ارتفاع درجات الحرارة يتسبب أيضًا في زيادة معدلات التوتر والحالة العصبية عند الناس، ما يزيد من نسبة المشاجرات والمواقف ذات الأجواء المتوترة.
ليس ذلك فحسب؛ بل أن ارتفاع درجات الحرارة فوق معدلاتها الطبيعية، يمكن أن يزيد من مشاعر الغضب والتهيج والتوتر. ما يزيد من نسبة حوادث المرور، بسبب اضطرابات الانتباه والتركيز التي تنتج عن الشعور بالتعب والإنهاك بسبب الطقس الحار.
لذا، وبحسب أردوغان؛ فإن توازن الحرارة ضروريٌ لضمان السلامة الجسدية والنفسية. ومع تغيرات المناخ الحادة، ينبغي على الجميع التنبه إلى تحذيرات الخبراء والمشاركة في الجهود الرامية لمكافحة أزمة المناخ. ويوصي أردوغان "الأفراد الذين يدركون أنهم يعانون من اضطراب في النوم أو يعانون من الأمراض العصبية، زيارة إحدى عيادات الصحة النفسية أو العصبية للحصول على دعم تخصصي خاص في فترات ارتفاع درجات الحرارة فوق معدلاتها الطبيعية."
هذا ولفت خبير الصحة النفسية إلى أن الاحصاءات الأخيرة من المستشفيات وعيادات الأطباء النفسيين؛ أظهرت ارتفاعًا بنسبة 10% في قسم الطوارئ خلال فترات ارتفاع درجات الحرارة الشديد. مؤكدًا أن هذه النسبة "خطيرة، خاصةً خلال الطقس الحار؛ حيث تزداد أعداد النوبات العصبية وبعض الأمراض النفسية المزمنة وحالات التوتر. فضلًا عن أن الارتفاع الشديد في درجات الحرارة قد يزيد من نسبة نوبات أمراض مثل الفصام والاضطراب ثنائي القطب."
النساء أكثر عرضةً لتداعيات ارتفاع درجات الحرارة، هذا ما أكد أدروغان؛ داعيًا النساء للحذر أكثر من الرجال عند التعرض لدرجات الحرارة المرتفعة. والأمر ذاته ينطبق على كبار السن، الذين قد يشعرون بالتوتر أكثر من غيرهم عند ارتفاع درجات الحرارة. كما ينصح الخبير الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة، بتوخي الحذر الشديد؛ وطلب الدعم الطبي في حال تعرضهم لنوبات خلال الارتفاع الشديد لدرجات الحرارة.
ارتفاع درجات الحرارة يستثير الاعصاب
هذا ما صرَح به الدكتور عادل المدني أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر؛ مشيرًأ إلى إن ارتفاع درجة الحرارة بهذا الشكل الملحوظ، يتسبب في استثارة الأعصاب، والدخول في نوبات من الغضب غير المبرر، فضلًا عن العصبية والعنف، والشعور بالتوتر والإحباط، بحسب ما نقل موقع "الكونسلتو".
من جهته، شرح الدكتور إبراهيم مجدي، استشاري الطب النفسي، الشعور بالتوتر والضغط النفسي؛ بأنه يحدث نتيجة تأثير ارتفاع درجة حرارة الجسم على إفراز هرمون الأدرينالين ما يؤدي إلى ارتفاعه وزيادة حدة الغضب والتوتر. كما أن ارتفاع درجات الحرارة قد يتسبب في تسارع ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم.
مضيفًا أن سبب العصبية الناتجة عن ارتفاع درجة الحرارة يحدث نتيجة تأثير تلك الحرارة على المخ؛ وهو المركز المسؤول عن تنظيم درجة حرارة الجسم لتتكيف مع درجة الحرارة الخارجية. وعندما ترتفع درجة الحرارة هذه بشكل كبير، يزداد إفراز المواد المسؤولة عن معادلة درجة حرارة الجسم، ما يتسبب في استثارة الأعصاب فتزداد نوبات العصبية.
كيف نتغلب على التأثيرات السلبية لارتفاع درجات الحرارة
لا شك في أن حلَ هذه المشكلة، موجودٌ وممكن؛ وذلك باتباع نصائح خبراء الصحة النفسية . منهم الدكتور المدني الذي يوصي باتباع الخطوات التالية للتغلب على التأثيرات السلبية لارتفاع درجات الحرارة:
- تجنب التواجد في الأماكن شديدة الحرارة، والتوجه أكثر نحو الأماكن جيدة التهوية.
- الابتعاد عن أشعة الشمس المباشرة، والتوجه إلى الأماكن المظللة.
- تجنب التواجد في الأماكن المزدحمة.
- ارتداء قبعات واقية واستخدام المظلة الشمسية عند التعرض لأشعة الشمس المباشرة.
في الختام، نتطلع بلهفة للخروج من هذا الطقس الحار بصحة وأمان. وإلى أن ينتهي فصل الصيف ودرجاته العالية ورطوبته المرتفعة، ننصح أنفسنا وإياكِ عزيزتي على وجوب اتباع كافة النصائح الوقائية التي تحميك من تداعيات ارتفاع درجات الحرارة؛ لتبقي متمتعة بالصحة والعافية على الدوام.