دراسة تؤكد: أخذ اللقاح يحمي من أعراض كوفيد طويل الأمد الشديدة
مع تجدد الحديث عن متحورات جديدة لفيروس كورونا المستجد Covid-19، عاد موضوع التحصين يطفو على الوجه من جديد؛ وذلك بعدما أمضينا ما يزيد عن العام، في بحبوحة وراحة من الإجراءات الصارمة التي شهدها العالم مع بداية ظهور مرض كوفيد-19 أواخر العام 2019.
فمن من لا يذكر، الإغلاق شبه التام للعديد من الدول؛ من بينها دولة الإمارات، حيث قُيَدت حركة الناس وبات الخروج بإذن، وبتنا جميعًا نعمل وندرس من المنزل؟
ومن من لا يتذكر التشجيع على أخذ اللقاح التطعيم ضد عدوى فيروس كورونا؛ سواء بجرعة واحدة أو اثنتين، أو حتى 3 جرعات أو أكثر حسب ما اعتقد الناس والجسم الطبي حاجتنا لذلك، للوقاية شبه التامة من تداعيات المرض الذي حصد ملايين الإصابات والوفيات؟
صحيحٌ أن نسبةً لا بأس بها من الناس، لم تقتنع بفكرة التلقيح؛ ولم تأخذ أيًا من أنواع اللقاحات التي تم اعتمادها من قبل منظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات المعنية. إلا أن شريحةً كبيرة من البشر، استسلمت للواقع، واختارت الحماية على الإصابة بالمرض الذي جعل العديد يُلازمون الفراش في المنزل أو المستشفى، لفترات متفاوتة.
بعض ممن أصيبوا بمرض كوفيد-19، تعافوا منه بسرعة؛ بعضهم لم تظهر عليه أية أعراض خطيرة، والبعض الآخر لم يشعر حتى أنه مصابٌ بالمرض لحين إجراء المسحة (فحص كورونا). كذلك سجل البعض إصابة بما بات يُعرف بكوفيد طويل الأمد، وهي مشكلات صحية عانى منها مصابو كوفيد لوقت أطول من المعتاد (أطول من أسبوعين).
كوفيد طويل الأمد
بحسب موقع "مايو كلينك" فإن بعض الأشخاص -حتى ممن أُصيبوا بأعراض خفيفة لمرض كوفيد - ربما تنتابهم أعراضٌ تستمر فترة طويلة بعد ذلك. ويُطلق على تلك المشكلات الصحية المستمرة أحيانًا متلازمة ما بعد كوفيد 19، أو حالات ما بعد كوفيد 19، أو كوفيد 19 طويل الأمد، أو المضاعفات الحادة التالية للإصابة بعدوى سارز كوف 2.
ومتلازمة ما بعد كوفيد 19، تنطوي على أعراض عدة؛ مستجدة أو متكررة أو مستمرة، تظهر لدى الأشخاص بعد مرور أكثر من 4 أسابيع على الإصابة بكوفيد 19. وقد تستمر هذه المتلازمة لدى بعض الأشخاص لعدة أشهر أو سنوات،كما أنها قد تُسبَب الإعاقة للبعض.
تشير الأبحاث إلى أن شخصًا واحدًا من كل 5 أشخاص في الفئة العمرية بين 18 و 64 عامًا، يُصاب بعد مرور فترة تتراوح بين شهر وعام على الإصابة بكوفيد 19، بحالة مَرَضية واحدة على الأقل قد تكون ناتجةً عن التعرّض لفيروس كورونا. فيما يُصاب شخص واحد من كل 4 أشخاص بالغين من العمر 65 عامًا فأكثر، بحالة مَرَضية واحدة على الأقل قد تكون ناتجة عن الإصابة بكوفيد 19.
شدة هذه الأعراض وتداعياتها على المدى الطويل، يمكن التقليل منها بأخذ اللقاح؛ حسبما وجد باحثو "مايو كلينك" في دراسة حديثة. فما هي التفاصيل؟
اللقاح قد يُقلِّل من شدة أعراض كوفيد طويلة الأمد
إن تلقي لقاح كوفيد-19 قد لا يُقلِّل فقط من خطر إصابة الشخص بكوفيد طويل الأمد، ولكنه قد يعني أيضًا أعراضًا أقل للأشخاص الذين يُصابون بهذه الحالة
هذا ما كشف عنه باحثو "مايو كلينك"؛ مشيرين إلى أن مرضى كوفيد طويل الأمد الذين تلقوا اللقاح قبل الإصابة بالفيروس، كانوا أقل عُرضةً للإصابة بأعراض مثل آلام البطن وألم الصدر والدوخة وضيق النفس، وفقًا لدراسة نُشرت في Journal of Investigative Medicine (جورنال انفيستيجيتف ميديسين). ويُعتقد أن هذه الدراسة هي من بين أولى الدراسات التي بحثت قدرة لقاحات كوفيد-19 على تقليل أعراض كوفيد-19 طويلة الأمد.
ويقول الدكتور غريغ فانيشكاتشورن، دكتور في الطب، والمدير الطبي لبرنامج "مايو كلينك" لتأهيل النشاط بعد كوفيد والمؤلف الرئيسي للدراسة: "كانت هذه النتائج مفاجئةً للغاية بالنسبة لنا. وتُظهر هذه الدراسة أن اللقاحات يمكن أن تكون مهمة حقًا لمرض كوفيد طويل الأمد، كمايمكن أن تساعد في تقليل شدة الحالة."
تفاصيل الدراسة
تمَ تسجيل أكثر من 768 مليون حالة مؤكدة لكوفيد-19 على مستوى العالم منذ العام 2020، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. من بين هؤلاء المصابين، ما يُقدَّر بنحو 20% أصغر من 65 عامًا و25% فوق 65 عامًا سيصابون بحالة ما بعد كوفيد-19، المعروفة أيضًا باسم كوفيد-19 طويل الأمد. ويمكن أن تشمل الأعراض الإرهاق،ضيق النفس،صعوبة التركيز، وألم الصدر والبطن.
وقد شملت الدراسة 477 مريضًا سعوا للحصول على علاج لكوفيد طويل الأمد في مايو كلينك في الفترة ما بين 27 مايو 2021 و26 يوليو 2022. وتلقى ما يزيد قليلًا عن نصف المرضى، لقاح كوفيد-19 — فايزر أو مودرنا أو جونسون آند جونسون—قبل الإصابة بالفيروس.
ووجدت الدراسة أن المرضى الذين تلقوا اللقاح؛ كانوا أقل عُرضةً للإصابة بآلام في البطن بمقدار النصف، مقارنةً بالمرضى الذين لم يتلقوا اللقاح. كما كان المرضى الذين تلقوا اللقاح أقل عُرضةً للإبلاغ عن أعراض أخرى، بما في ذلك فقدان حاسة الشم وألم الصدر والدوخة والخدر وضيق النفس والرُعاش والضعف. لم يكن هناك فرقٌ كبير بين المرضى الذين تلقوا اللقاح والذين لم يتلقوه في الإبلاغ عن الإرهاق وآلام العضلات وتسارّع القلب أو عدم انتظام ضربات القلب.
يقول الدكتور فانيشكاتشورن إن المزيد من الأبحاث ستساعد العلماء على فهم كيفية تأثير لقاح كوفيد-19 على أعراض كوفيد-19 طويلة الأمد – خاصة مع المتحورات الأحدث للفيروس. ويضيف: "لقد مرت ثلاث سنوات منذ أن بدأنا العمل لأول مرة مع المرضى الذين يعانون من مرض كوفيد طويل الأمد. نحن بحاجة للمزيد من الأبحاث لفهم ما يحدث على المستوى الخلوي، للتسبَب في هذه الأعراض. إذا استطعنا أن نفهم بشكل أفضل، فمن المأمول أن يؤدي ذلك إلى علاجات جديدة لكوفيد طويل الأمد."
في الختام، في حال أن هاجس كورونا قد يداهمنا بقوة من جديد، وفي حال احتجنا لحماية أنفسنا ومن نحنب من هذا الخطر؛ يبقى اللقاح وبتأكيد المختصين، أفضل السبل الوقائية على الإطلاق. مع ضرورة الاستمرار بأخذ الاحتياطات الاحترازية التي تتضمن العناية بالنظافة الشخصية، عدم مخالطة المرضى، وارتداء الكمامة في الأماكن المزدحمة خصوصًا للأطفال وكبار السن والمصابين ببعض الأمراض.