الصمم.. مشكلةٌ شائعة نتعرف عليها مع د. عبد الرزاق جرعتلي
عانيتُ منذ فترة ليست ببعيدة، من مشاكل في السمع؛ إذ كنتُ لا أسمع جيدًا من يتحدثون بصوت خافت، خاصةً الرجال. ما جعلني أشعرُ بالضيق والإنزعاج خصوصًا إذا ما طلب مني أحدهم شيئًا ما، فأقوم بتقديم شيء آخر له.
ضعف السمع الذي لديَ ليس خطيرًا؛ كما أكدَ لي الدكتور عبد الرزاق جرعتلي، استشاري جراحة الأنف والأذن والحنجرة في المركز الأمريكي للأنف والأذن والحنجرة بدبي ومستشفى "أن أم سي رويال" الشارقة، بعدما أجرى لي فحصًا عامًا وشاملًا للسمع. مشيرًا إلى أن أصوات الرجال عادةً ما تكون منخفضة مقارنةً بالنساء، وكل ما عليَ فعله هو أخذ دواء مُنشط للذبذبات في الدماغ لتحسين السمع.
كل هذا يجري، وأنا أتساءل في نفسي عن الأشخاص الذين يعانون من ضعف شديد في السمع؛ وكذلك الأفراد الذي يعانون من مشكلة الصمم، كيف يشعرون؛ هل يحسون بالعجز والضعف كما شعرتُ لفترة معينة؟ هل لديهم مشاكل كبيرة في التعبير وفهم ما يجري من حولهم؟
كلنا يعلم أن معظم الأشخاص الذين يُولدون وهم يعانون من الصمم (فقدان السمع)، يعانون كذلك الأمر من البكم (عدم التكلم). كون تعلَم الكلام مرتبطٌ ارتباطًا وثيقًا بسماع الكلام ومعاودة نطقه كما سمعناه. هكذا يتدرب الصغار من عمر مبكر، على تعلَم الحروف والكلمات وغيرها من التعابير، من خلال سماعها أولًا ثم إعادة نطقها من جديد.
فكيف هي الحال مع من يعانون من الصمم؟ لا شك في أنهم سيجدون صعوبةً قصوى في تعلَم الكلام، وبالتالي الإصابة بالبُكم.
لأن الموضوع مسَني بشكل أو بآخر؛ ولأن شهر سبتمبر هو شهر التوعية من الصمم والبكم، كان لا بد من التحدث مع الدكتور جرعتلي من جديد. وهذه المرة للإطلاع أكثر على أسباب الصمم وعلاقته بالوراثة، وكيف يمكن علاجه والوقاية منه.
لكن قبل معرفة ما أخبرنا به الدكتور جرعتلي في هذا الصدد، فلنتعرف سويًا على ما أوردته منظمة الصحة العالمية على موقعها حول موضوع الصمم.
حقائق عن الصمم
يشير الموقع إلى أنه وبحلول العام 2050، أكثر من 5٪ من سكان العالم – أي 430 مليون شخص – يحتاجون إلى التأهيل لمعالجة فقدان السمع المُسبب للإعاقة (432 مليون بالغ و34 مليون طفل). وتشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2050، سيعاني أكثر من 700 مليون شخص - أو واحد من كل عشرة أشخاص - من فقدان السمع.
يشير مصطلح فقدان السمع "المُسبب للإعاقة" إلى فقدان السمع بمقدار يزيد على 35 ديسيبل في الأذن الأقوى سمعًا. ويعيش نحو 80٪ من الأشخاص المصابين بفقدان السمع، المُسبب للإعاقة، في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. كما يزيد معدل انتشار فقدان السمع مع تقدم العمر، ويعاني أكثر من 25% ممن تتجاوز أعمارهم 60 عامًا من فقدان السمع المُسبب للإعاقة.
فقدان السمع والصمم
بحسب موقع المنظمة الأممية، يُقال عن الشخص الذي لا يستطيع أن يسمع بالجودة نفسها التي يسمع بها الشخص الذي يتمتع بالسمع العادي – عتبة السمع 25 ديسيبل أو أفضل في كلتا الأذنين – إنه مصابٌ بفقدان السمع. وقد يكون فقدان السمع خفيفًا أو متوسطًا أو شديدًا أو بالغ الشدة. كما قد يصيب أذنًا واحدة أو كلتا الأذنين، ويؤدي إلى صعوبة سماع الكلام أثناء الحوار أو الأصوات العالية.
مصطلح "ثِقال السمع" يُشار به إلى الأشخاص المصابين بفقدان السمع الذي يمتد طيفه بين الخفيف والشديد. وعادةً ما يتواصل الأشخاص الثِقال السمع عن طريق لغة الكلام، ويمكنهم الاستفادة من المعينات السمعية وزرع القوقعة وسائر الأجهزة المساعدة، فضلاً عن الشروح النصية. في حين أن الأشخاص "الصُمّ" (محور موضوعنا اليوم) يعاني معظمهم من فقدان السمع البالغ الشدة، ما يعني تدني القدرة على السمع أو انعدامها. وكثيرًا ما يستخدم هؤلاء الأشخاص لغة الإشارة في التواصل.
بالعودة إلى حديثنا مع الدكتور جرعتلي، فقد أجاب على أسئلتنا بالآتي..
ما هم الصمم، وكيف يختلف عن فقدان السمع؟
الصممٌ مشكلةٌ شائعة في العالم، وهناك حوالي 20% من سكان الأرض يعانون من الصمم بشكل أو بآخر حسب تقرير منظمة الصحة العالمية (1.5 مليار شخص يعانون من الصمم). أما الصمم التام أو الإعاقة الكاملة بالسمع، فهي موجودةٌ لدى ما يقرب من 430 مليون شخص.
للصمم أنواعٌ وأشكالٌ مختلفة؛ ففي أمريكا مثلًا، بين 2-4 من أصل ألف شخص يعانون من الصمم. فالصمم أو نقص السمع الشديد ليس أمرًا نادرًا، وأسباب تضاعف أعداد المصابين به حول العالم مردها بشكل أولي للتقدم بالسن؛ فمعظم الأفراد فوق سن 65 يعانون من نقص شديد بالسمع يحتاج للمساعدة الطبية.
هناك أيضًا السبب الجيني، إذ أن أطفالًا وكبارًا لديهم استعدادٌ وراثي للإصابة بالصمم؛ وبالتالي يمكن أن يعانوا من نقص حاد بالسمع والصمم في مرحلة مبكرة أو حتى منذ الولادة.
لا بد من ذكر أسباب الصمم المُكتسب أيضًا أو الوظيفي كما يُطلق عليه، فهي أساسًا تأتي من نمط الحياة الصاخب سواء العمل في المصانع والمعامل حيث الماكينات الضخمة التي تُصدر أصواتًا قوية، ولا يضعون Hearing Filters (مُرشحات السمع)؛ وبالتالي نجدهم أكثر عرضةً للصمم بسبب الضجيج الكبير.
حاليًا، ومع تزايد استخدام الناس للسماعات Headphones سواء للتحدث على الهواتف المتحركة أو لسماع الموسيقى الصاخبة، وبالأخص جيل الشباب والمراهقين وحتى الصغار؛ يمكن أن يكون هذا سببًا وراء تزايد أعداد الناس المصابين بالصمم في عمر مبكر. مع الإشارة إلى أن كبار السن (فوق 65) ممن يصابون بالصمم، نسبتهم أقل من الشباب الذين يقضون معظم حياتهم ضمن الأجواء والأصوات الصاخبة بدرجات عالية (نتحدث هنا فوق 100 ديسيبيل)، هؤلاء تظهر عليهم علامات تراكمية نقص سمع شيخوخي في أعمار مبكرة، ويبدأون بالبحث عن السبب للسيطرة على المشكلة.
الأسباب الأخرى وراء الصمم، تكمن في التعرض للحوادث أو السقوط؛ والتي يمكن أن تؤدي للإصابة بهذه المشكلة. هناك بعض الحالات للصمم التي قد تنتج عن أمراض معينة، والتي يمكن أن تًهيأ أو تُسهِل عملية نقص السمع أو تُسرَع منها فضلًا عن الضجيج؛ مثل الآفات المناعية وداء السكري والالتهابات المتكررة في الأذن والتي تؤثر على القوقعة.
ما هي أنواع الصمم
من خلال ما تقدم، يمكن القول أن هناك نقص سمع خُلقي ونقص سمع مُكتسب؛ نقص سمع ما قبل تعلَم اللغة ونقص سمع ما بعد تعلَمها. في حالة نقص السمع ما قبل تعلَم اللغة، يُطلق عليه إسم "صمم" ويمكن أن يؤثر على تعلَم اللغة والحديث.
الصمم نوعان كذلك الأمر؛ نوعٌ تكون فيه القوقعة أو نقص سمع بالحس العصبي شديدٌ للغاية لكن معيضات السمع تساعد في حلَ هذه الحالة، ونوعٌ آخر يعاني فيها المرء من الصمم التام، أي عدم وجود أي استجابة من قبل الشخص. ما يُضطرنا لزراعة الحلزون في الدماغ في عمر مبكر (يُفضَل قبل عمر السنتين).
فيما يتعلق بنقص السمع الوظيفي، فإنه استعدادٌ وراثي يصيب الإنسان بعد سن 65 أو يمكن الإصابة به في عمر أصغر نتيجة التعرض للأصوات القوية والإنفجارات خلال مراحل الحياة المختلفة؛ وهذا التأثير تراكمي ويظهر في مرحلة لاحقة.
هناك نقص سمع خاص، له علاقة بالجينات والمُوروثات المعروفة؛ بعضها مُسيَطر وبعضها غير مُسيَطر، والنوع الأول يصيب الأولاد بشكل أقوى بنسبة 50% أو أكثر في حال كان موروثًا من قبل الأب أو الأم الأصم، وحسب نوع الجين المسؤول عن الصمم الخلقي. كما أن هناك نوعًا يكون تأثيره بطيئًا وغير قوي، وفي هذه الحالة لا يُشترط أن يُصاب الأولاد بالصمم كما الأهل.
باختصار، ليس ثمة حالةٌ واحدة وثابتةٌ للصم؛ بل هناك أنواعٌ وجيناتٌ مختلفة مسؤولة عن الصمم، حسب كل جين موروث والمنطقة في القوقعة أو الحلزون. وبالتالي، لا يمكن تحديد في حال كان الأب أو الأم مصابين بالصمم، أنهم مسؤولون عن إصابة أولادهم بالمشكلة ذاتها أم لا. بل أعود وأذكَر بأن السبب الأساسي هو نوع الجين المسؤول بالدرجة الأولى عن إصابة أحد الوالدين وتصالبها مع بعض، والذي يساعد في تحديد التأثير على الأولاد فيما يخص الصمم. لذا وفي حالة وجود صمم لدى أحد الوالدين أو كليهما، تتم دراسة الجينات ومعرفة الجين المسؤول عن هذه المشكلة. وبناءً عليه، نُفيدهم بأن جميع أولادهم سيكونون مصابين بالصمم، أو نسبة 20% منهم فقط أو أكثر.
كيف يرتبط الصمم بالبكم؟
يمكن القول أن هناك طيفًا كبيرًا من الأسباب وراء نقص السمع الحاد؛ وهو الشغل الشاغل للكثيرين نظرًا لأهمية السمع، الذي يتميز حقيقةً بعلاقته القوية بالنطق. ففي حال كان الصمم منذ الولادة، وكان الطفل فاقدًا للسمع ولم يتم علاجه بسرعة من خلال زرع حلزون؛ يمكن وبعد سنتين من ولادته، أن يصبح مركز السمع لدى هذا الطفل غير قابل لمثل تلك العملية في الدماغ، وبالتالي يخسر الطفل السمع والنطق لارتباطهما الشديد.
كيف يتم علاج الصمم
فيما يخص العلاج؛ فهناك الصمم الناجم عن إصابة القوقعة الذي يتم بعلاج الأذونات أو الطبيعة السمعية، أو عن طريق زرع الحلزون في حال كانت الإصابة كاملةً.
للصمم الناجم عن تصلَب بالأذونات السمعية، ولها أسبابٌ وراثية وتصيب النساء أكثر والحوامل بشكل خاص، أو عائلية ويمكن أن تصيب أذنًا واحدة مع احتمال تعرَض الأذن الثانية للإصابة بنسبة 80% بهذا النوع من التصلَب؛ يتم إجراء عمليات خاصةٍ له تعطي نتائج إيجابية كبيرة وتعيد السمع الطبيعي بنسبة تتجاوز 95%، لتعود الأذن للعمل بشكل فعال كما في السابق، ولا تعود هناك حاجة للمعينات السمعية.
لعلاج نقص السمع الناجم عن آفات التهابية مُزمنة في الأذن الوسطى، يخضع المريض لعمليات ناجحة في معظمها؛ حيث يتم حفر العظم وإزالة المُسبب للالتهاب. حتى في حال كانت العُظيمات مصابةً، فإننا نعمد لإزالتها واستبدالها بعُظيمات اصطناعية في ذات المرحلة، ويتم صنع طبلة أذن ليتحسن السمع من جديد.
لكن في حال كانت المشكلة لها علاقة بالقوقعة (الحلزون) أو العصب السمعي، فالعلاج يكون عن طريق المعيضات السمعية؛ وفي حالات متطورة، قد نعمد لزرع الحلزون.
يتم اللجوء عادةً للسماعات (المعيضات السمعية) في حال كان الصمم جزئيًا؛ وهي عدة أنواع، منها ما يوضع داخل الأذن، ومنها ما يتم لصقه على العظم وراء الأذن أو عن طريق الحفر. وفي حال لم يتم حلَ المشكلة بهاتين الطريقتين، يتم اللجوء لزراعة الحلزون، وهو نوعين؛ زرع حلزون عند الطفل ما قبل تعلَم الكلام، ويُفضَل القيام به باكرًا وقبل عمر السنتين. وزرع حلزون عند أشخاص ما بعد تعلَم الكلام، وتكون نتائجه أفضل بكثير كون المركز السمعي يكون شغالًا منذ البداية في الدماغ، ولا يحتاج سوى لإعادة الذبذبات إليه.
يتم البحث حاليًا في إمكانية استخدام الخلايا الجذعية في علاج حالات الصمم، خاصةً في حل مشكلة زرع القوقعة. وهناك العديد من الدراسات والأبحاث الجارية حاليًا، حول إمكانية وضع الخلايا الجذعية مع زرع الحلزون لتنشيط العُقد العصبية السمعية، لتعطي قدرةً أكبر على تمييز الكلام. وبالتالي، لم نستغني تمامًا عن زرع الحلزون؛ لكننا نسعى لإعطاء فاعلية وسهولة أكثر للطبيب ليستطيع العمل على الحلزون.
في المستقبل، يتم التخطيط لإضافة الخلايا الجذعية لزرع القوقعة؛ لمنحها قوة أكبر في الأداء، وجعل فهم السمع أكثر وضوحًا.
هل ثمة وسائل للوقاية من الصمم
هناك توصياتٌ عادةً ، بوجوب تناول الأكل الصحي (ويُفضَل أن يكون عضويًا)؛ الابتعاد عن أصوات الضجيج وتجنب التعرض لها لفترات طويلة وما فوق المعيار الطبيعي (فوق 85 ديسيبيل)؛ الابتعاد عن مكبرات الصوت التي يزيد فيها الصوت عن 100 ديسيبيل، والذي يُعدَ خطيرًا جدًا على صحة السمع.
ونصيحتي للشباب تحديدًا، عدم وضع سماعات الأذن على وتيرة أصوات عالية لوقت طويل. ففي البداية، قد يستمتعون بالأمر ولا يلقون بالًا على مخاطرها؛ لكنهم لاحقًا سيدفعون ثمنًا باهظًا جراء التعرض لمشاكل السمع.
فيما يخص الأشخاص المصابين بأمراض مثل السكري والأمراض المناعية؛ عليهم دومًا مراقبة القدرة السمعية لديهم، والحرص على ضبط هذه الأمراض لأنها قد تؤثر على الأوعية الدموية التي تُغذّي القوقعة وتُسرَع بإحداث نقص في السمع الحسي العصبي.
أما المرضى الذين لديهم آفات في العُظيمات السمعية، تصلَب ركابي، التهاب خشَاء، ثقب في الطبلة أو التهابات أذن متكررة؛ أنصحهم بعمل إجراء جراحي لحماية السمع وعدم الوصول إلى مرحلة لا يمكن القيام بأي إصلاح جراحي ناجح أو مفيد.
للأشخاص الذين يعملون في المصانع أو حيث تكثر الأصوات العالية والقوية، أنصحهم بالتأكد من ارتداء واقيات الأذن Ear Defenders، وضرورة إجراء مسح دوري للسمع في تلك الأماكن لحماية أنفسهم من أضرار الضجيج.
في الختام، السمع نعمةٌ من نِعم الله علينا؛ لكن بعضنا للأسف قد يعاني من نقص حاد فيها، ما قد يؤثر على جودة الحياة بشكل عام. لذا نصيحة الدكتور جرعتلي ونصيحتنا لكِ عزيزتي، بوجوب العناية بصحة السمع لأطفالكِ من عمر مبكر، وعدم إهمال أية أعراض يمكن أن تُنبأ بالإصابة بفقدان السمع الجزئي أو الكلي.