المزيد من الشابات يصبنَ بسرطان الثدي.. فما هي الأسباب
ستيفاني الخوري، شابة لبنانية في مقتبل العمر؛ كان عليها مواجهة سرطان الثدي في سن 26، وقت تشخيصها بالإصابة بالمرض الذي عانت منه والدتها من قبل.
ستيفاني التي نجت من سرطان الثدي؛ ليست الشابة الوحيدة التي أصيبت بمرض سرطان الثدي في عمر صغير. هناك العديد من النساء الشابات اللاتي اضطررنَ لخوض هذه التجربة المريرة في سن يافعة، وعانينَ من مرض يصيب عادةً النساء بعد سن الأربعين.
فما هي أسباب تزايد إصابة النساء الشابات دون الأربعين أو حتى الثلاثين، بسرطان الثدي؟ ولماذا يتم إهمال فحص هؤلاء الشابات في عمر أصغر؟ هذا ما نتطرق إليه في موضوع اليوم، وفق مقالةً منشورةً على موقع The Washington Post بعنوان More young women are getting breast cancer. They want answers.
النساء الشابات ومرض سرطان الثدي
لاحظت كيلسي كامينكي، وهي أم عازبة لولدين تعيش في ولاية كولورادو الأمريكية؛ لأول مرة وجود كتلة صغيرة في ثديها الأيسر في نوفمبر من العام الماضي. شعرت كامينكي بالكتلة وكأنها رخام مشوه؛ونظرًا لصغر سنها، اشتبه طبيبها في أنها"كيس حميدة" وأخبرها بعدم وجودحاجة لديها لمزيد من الاختبارات، لعدم وجود تاريخ عائلي لهذا المرض في عائلتها.
لكن كامينكي، 32 عامًا، لم تستطع التخلص من الشعور السيء الذي داهمها. وأصرت على إجراء تصوير الثدي بالأشعة السينية. وقالت: "لقد دافعتُ عن نفسي لأنني كنت أعرف، لقد عرفت فقط".وكان الورم، سرطان الثدي.
يؤكد الخبراء أن هذا التشخيص نادر للنساء الأصغر من 40 عامًا، مثل كامينكي؛ التي مثَلت حوالي 4% من تشخيصات سرطان الثدي الغازي في الولايات المتحدة العام الماضي. وبشكل عام، فإن معدل الإصابة بسرطان الثدي لدى النساء الأقل من 40 عامًا منخفض نسبيًا - حوالي 25 حالة لكل 100 ألف امرأة في عام 2019. بالمقارنة، كان هناك حوالي 229 حالة لكل 100 ألف امرأة في الفئة العمرية من 40 إلى 64 عامًا و462 حالة لكل 100.000 لدى النساء من 65 إلى 74.
لكن التجارب ومنها تجربة كامينكي، أصبحت أكثر شيوعًا. وقد أظهرت دراسة نُشرت في أغسطس الماضي في JAMA Network Open؛أن معدلات الإصابة بالسرطان آخذةٌ في الارتفاع بين الأميركيات الأصغر سنا ممن تقل أعمارهنَ عن 50 عاما. وبين الأعوام 2010 و2019، زادت حالات التشخيص بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و39 عامًا بنسبة 19.4%. فيما بلغت الزيادة بين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و29 عامًا، 5.3%. ويُشكَل سرطان الثدي أكبر عدد من حالات السرطان بين الشباب.
ليس ذلك فحسب، بل إن معدل تشخيص سرطان الثدي في مراحله المتأخرة لدى الشابات، آخذٌ في الإرتفاع أيضًا. فلدى النساء تحت سن 40 عامًا، ارتفع المعدل بنحو 3% كل سنة؛ من عام 2000 إلى عام 2019، وفقًا لبيانات جمعية السرطان الأمريكية. وفيما انخفضت معدلات الوفيات بسرطان الثدي بين النساء الأكبر سنًا من عام 2010 إلى عام 2017، فإن المعدل بين النساء الأصغر سنًا لم ينخفض.
وبحسب ديبرا مونتيتشيولو، رئيسة قسم تصوير الثدي في مركز دارتموث هيتشكوك الطبي: "علينا تخلص من فكرة التعليق: يا للهول، أنتِ شابة، ولا يمكن أن يحدث هذا لكِ. فهذا المرض يحدث للشابات أيضًا، ومن الواضح أنه يؤثر على بقائهنَ على قيد الحياة".
هل تُوصى الشابات بالفحص المبكر للكشف عن السرطان؟
على الرغم من هذه الأرقام، إلا أن هناك القليل من النصائح للنساء الأصغر سنًا فيما يتعلق بالكشف المبكر عن سرطان الثدي. إذ يُوصى عادةً بإجراء تصوير الثدي بالأشعة السينية فقط للنساء اللاتي تتراوح أعمارهنَ بين 40 و74 عامًا؛ فيما تظهر الدراسات أن هذا الفحص غير فعال للنساء الأصغر سنًا. لا توصي معظم المنظمات الطبية بإجراء فحوصات ذاتية روتينية أو فحوصات سريرية للثدي، لأن الدراسات تُظهر أنها لا تحدث فرقًا في معدل الوفيات.
في مقابلات أُجريت مع شابات مصابات بسرطان الثدي؛ قالت المشاركات إنهن شعرنَ بالرفض من قبل أطبائهنَ، عندما أعربنَ لأول مرة عن مخاوفهنَ بشأن صحة الثدي لديهنَ. والآن، تدعو مجموعةٌ متزايدة من المريضات والخبراء، إلى إجراء المزيد من الأبحاث والمحادثات حول سرطان الثدي بين الشابات.
وقال تاري كينج، رئيس قسم جراحة الثدي في مستشفى بريجهام والنساء في بوسطن: "لا ينبغي أن يكون سن الأربعين هو المرة الأولى التي تناقش فيها المرأة سرطان الثدي مع طبيبها".
خياراتٌأقل للنساء الأصغر سنًا
بالعودة إلىكيلسيكامينكي التي اكتشفت إصابتها بسرطان الثدي في سن 32؛ فقد تم اكتشاف إصابتها، ولحسن حظها، مبكرًا - في المرحلة 1 ب – لكن الخزعة أظهرت أنها من النوع العدواني الذي يُرجح أن يعود مرة أخرى. وبناءً على نصيحة أطبائها، خضعت لعملية استئصال الثديين وأشهر من العلاج الكيميائي أثناء رعاية إبنيها، اللذين يبلغان من العمر 3 و6 سنوات.
وعندما بدأت تفقد شعرها، طلبت من أبنائها الصغار مساعدتها في قصه. في بعض الأيام، شعرت أنها بالكاد تستطيع النهوض من الأريكة؛ ومع ذلك كان عليها الاستمرار بالعمل في وظيفة الموارد البشرية بدوام كامل، في إحدى شركات التكنولوجيا. لقد أفرغت مدخراتها التقاعدية ولا تستطيع تحمل المزيد من الإجازة الطبية غير مدفوعة الأجر.
"سيؤثر ذلك بنسبة 1000% على مسار حياتي وحياة أطفالي"، قالت كيلسي. "الأمر صعبٌ للغاية من الناحية المالية، وهو ما سيعيقني أنا وأطفالي؛ ولكن عاطفيًا، من الآن فصاعدًا، تغيرت حياتي".
يقول الخبراء إن النساء الأصغر سنًا، المصابات بسرطان الثدي؛ غالبًا ما يعانينَ من ضائقة عاطفية أكثر من النساء الأكبر سنًا. إذ يمكن لتشخيص المرض في مثل هذه السن المبكرة، أن يزيد من الشعور بالعزلة؛ لأنه قد لا يتماشى مع التوقعات المجتمعية للتقدم في العمل أو الزواج أو إنجاب الأطفال.
وبالمقارنة مع النساء الأكبر سنًا، فإن الشابات أكثر عرضةً لتشخيص الإصابة بسرطان الثدي في مرحلة متأخرة وعدوانية ؛ كما يواجهنَ خطرًا متزايدًا لعودة السرطان بعد الخضوع للعلاج.
وعلَق ويليام داهوت، كبير المسؤولين العلميين في جمعية السرطان الأمريكية على الأمر بالتالي: "من الواضح أن إصابة أي شخص بسرطان الثدي أمرٌ كارثي؛لكن الإصابة بسرطان شرس لدى شخص صغير السن، أمرٌ مدمر بشكل خاص."
لماذا لا يتم فحص النساء الأصغر سنًا
سؤالٌ تطرحه الكثير من السيدات؛ بحسب الخبراء، فإنه لا يوجد دليلٌ على فعالية التكلفة أو فائدة محتملة للتوصية بإجراء فحوصات شاملة لسرطان الثدي للنساء الأصغر من 40 عامًا. هناك مصدر قلق آخر، وهو الأضرار المحتملة للفحص؛ والتي تشمل الخسائر النفسية للإيجابيات الكاذبة والتعرض المستمر لجرعات صغيرة من الإشعاع.
تعتقد مونتيشيولو أنه في سن 25، يجب على جميع النساء الحصول على تقييم المخاطر. مضيفةً إن النساء اللاتي يتبين أنهنَ أكثر عرضةً للخطر؛ يجب أن يخضعنَ للفحص بانتظام، ويجب أن تتمكن جميع النساء من الوصول بسهولة إلى التصوير الشعاعي للثدي أو أدوات التشخيص الأخرى، في حال كانت لديهنَ مخاوف بشأن التغيرات في ثدييهن.
عوامل خطر متطورة لإصابة الشابات بسرطان الثدي
وفقًاللخبراء،ليس هناك تفسيراتٌ واضحة لسبب تشخيص إصابة المزيد من النساء بسرطان الثدي في سن أصغر؛ ولكن هناك عدة عوامل محتملة .وقالت إليزابيث سوه بورجمان، رئيسة قسم الأورام النسائية في منطقة شمال كاليفورنيا التابعة لكايزر بيرماننت، إن الوراثة عامل خطر معروف للإصابة بسرطان الثدي؛ ولكن لا يبدو أنه الدافع الذي يقود نحو هذا الاتجاه. مشيرةًإلى إن معظم النساء اللاتي يصبنَ بسرطان الثدي في سن مبكرة، ليس لديهن خطر وراثي.
وأضافتإن أحد العوامل المساهمة المحتملة، هو أن المزيد من النساء يؤخرنَ حملهنَ الأول. ويُعد الحمل لأول مرة في سن 35 عامًا أو بعد ذلك، أحد عوامل خطر الإصابة بسرطان الثدي. إحدى النظريات تقول أنه بعد سن 35 عامًا، يكون لدى الثدي المزيد من الوقت لتراكم الخلايا غير الطبيعية؛ وتشير سوه بورجمان إلى إن التغيرات في الثدي، التي تحدث أثناء الحمل، يمكن أن تُسرَع من تطور تلك الخلايا غير الطبيعية إلى سرطان.
وجود ثديين كثيفين هو عامل خطر آخر؛ كما يُعد الحيض المبكر وانقطاع الطمث المتأخر، من العوامل المسببة للإصابة النساء الأصغر سناً بسرطان الثدي، لأن الثديين يتعرضان لهرمون الاستروجين لفترة أطول. كذلك يمكن أن يؤثر نمط الحياة والنظام الغذائي والوزن واستهلاك الكحول والتعرض البيئي، على زيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي.
ليس ذلك فحسب، بل يمكن أن يكون العرق أيضًا عاملاً لتزايد الإصابة؛ فالنساء ذات البشرة الداكنةهنَ أكثر عرضةً للإصابة بسرطان الثدي في سن أصغر من النساء ذات البشرة البيضاء. كما أنهنَ أكثر عرضة للإصابة بنوع عدواني من السرطان، يدعى سرطان الثدي الثلاثي السلبي. لا يعرف الخبراء سبب حدوث ذلك، لكنهم يُرجحون إن العوامل الاجتماعية والاقتصادية والتعرض للتلوث، يمكن أن تلعب دورًا في هذا الصدد.
تجربة كاريزما ماكدوفي هي أصدق مثال: بعد أن بدأت تعاني من ألم حاد ومتكرر في صدرها؛ استغرق الأمر من كاريزما ذات البشرةالسوداء، سبعة أشهر وزيارات لأربعة أطباء منفصلين للحصول على التشخيص النهائي. وفي يناير 2020، تم تشخيص إصابتها بسرطان الثدي الثلاثي السلبي من المرحلة الثالثة، حينها كانت تبلغ من العمر 28 عامًا.
مثل العديد من الشابات الأخريات، قررت ماكدوفي، وهي من سكان بروكلين؛ تجميد بويضاتها قبل بدء العلاج لأن علاجات السرطان يمكن أن تؤثر على الخصوبة. حيث وجدت نفسها في عيادة الطبيب باستمرار، تتنقل بين علاجات الخصوبة والاختبارات والمواعيد المتعلقة بالسرطان. وبعد تجميد البويضات، خضعت ماكدوفي للعلاج الكيميائي والإشعاعي واستئصال الثديين والجراحة الترميمية.
تبلغ ماكدوفي 32 عامًا الآن؛ وقد شُفيت من السرطان لمدة ثلاث سنوات. لا تزال التجربة تؤثر عليها عقليًا وعاطفيًا. في بعض الأيام تكون بخير، وفي أيام أخرى يسيطر عليها الحزن والبكاء. وتقول عن ندوب استئصال الثدي: "لم أواجه أبدًا في السابق، مشاكل تتعلق باحترام الذات. أما الآن، فلديَ كل هذه المخاوف."
دعوة لمزيد من الأبحاث
عندما كانت فانيسا شابوي في 24 من عمرها، تحدثت إلى أحد مقدمي الرعاية الصحية عن الكتلة التي لاحظتها في ثديها. قيل لها إن سرطان الثدي لا يصيب النساء في سنها، وأنه حميد؛ ولم تكن تعلم في ذلك الوقت أن لديها تاريخًا عائليًا للإصابة بسرطان الثدي.وقالت: "لو كنتُاستمعتُ إلى ذلك الطبيب، لما كنتُ هنا اليوم".
تابعت تشابوي مع طبيب أمراض النساء والتوليد، الذي أعلمها بإصابتها بورم بحجم كرة الجولف في ثديها. كان سرطان الثدي لديها في المرحلة الثانية؛وبعد استئصال الورم، و16 جولة من العلاج الكيميائي واستئصال الثديين، أصبحت خاليةً تمامًا من السرطان.
تبلغتشابوي الآن 27 عامًا ولا تزال تتعافى؛ تتلقى العلاج الهرموني وتعاني أحيانًا من الهبات الساخنة أو الألم في جميع أنحاء جسدها، كما أنها لم تشعر بالنجاح في وظيفة المبيعات كما كانت تشعر من قبل.
"لقد أبطأ المرض مسيرتي المهنية"، تقول بحسرة: "الجزء الذي أشعر بعدم الأمان بشأنه هو دماغي الكيميائي وحقيقة أنه يؤثر على ذاكرتي"، في إشارة إلى ظاهرة قد يُسبَب فيها علاج السرطان ضبابيةً في الدماغ أو مشاكل في التركيز والذاكرة. وتضيف: "لا بد لي من العمل بجدية أكبر."
تشابوي التي لقيت الدعم من مجموعة فئات عبر الإنترنت، للشابات المصابات بسرطان الثدي؛ ليست وحدها، من تطالب بإجابات أكثر وضوحًا في مسألة إصابات الشابات بهذا المرض. ما يستدعي الحاجة لمزيد من الأبحاث والدراسات التي تشمل المريضات الأضغر سنًا؛ بحسب ما أفادت ليتيسيا فاريلا، أخصائية أورام الثدي في معهد دانا فاربر للسرطان.
وقالت: "لا ينبغي أبدًا إخبار الشابات بأنهنَ صغيرات جدًا على الإصابة بسرطان الثدي."
ختام القول، فإن مرض سرطان الثدي لا يعرف امرأةً كبيرة أو صغيرة في السن. وعليه، لا ينبغي إقناع كل سيدة لم تتعدى الأربعين من العمر، بأنها مُحصنَة تمامًا من هذا المرض؛ بل على العكس، وحسب ما قرأنا في هذه المقالة، فإن سرطان الثدي الشرس والعدواني قد يصيب الشابات بنسبة أغلى، وقد يُودي بحياتهنَ في حال الكشف المتأخر أو عدم الكشف بتاتًا.
فإذا كنتِ عزيزتي تخشين من تداعيات مرض سرطان الثدي، تتمتعين بصحة جيدة، لكنكِ تجدين أنه من المجزي عمل فحص دائم ومنتظم مع الدكتورة المختصة؛ قومي بذلك ولا تترددي أبدًا.