ماذا بعد سرطان الثدي .. ابتكاراتٌ علاجية ثورية للوذمة اللمفية وترميم الثدي
سرطان الثدي مجموعةٌ غير متجانسة من الأمراض، ومعروفٌ أنه يبدأ موضعيًا في الثدي؛ وينتشر تدريجيًا إلى العقد اللمفاوية الإبطية ليصبح سرطانًا غازيًا، ثم يمتد انتشاره إلى الأعضاء الأخرى. وتلعب العديد من الأمور، دورًا في تحديد عوامل الخطورة التي تزيد احتمال الإصابة بسرطان الثدي، وأعراضه وعلاماته، وطرق مكافحته، وتشخيصه، وتحديد مراحل الإصابة به، وخيارات علاجه.
وبحسب موقع وزارة الصحة السعودية، يأتي سرطان الثدي في المرتبة الأولى بين أكثر أنواع السرطان شيوعًا؛ عالميًا، وإقليميًا، ومحليًا.وهو السرطان الأكثر انتشارًا على مستوى المملكة، وعند النساء بعمر 40 فما فوق.
ويضيف الموقع أن أكثر من 50% من حالات سرطان الثدي في المملكة، يتم كشفها في مراحل متقدمة، مقارنةً بـ20% في الدول المتقدمة؛ ما يرفع من معدل الوفيات ويُقلَل فرص الشفاء، فضلًا عن ارتفاع تكلفة العلاج. وعليه، فإن الفحص المنتظم والكشف المبكر لسرطان الثدي بواسطة التصوير الشعاعي للثدي بالماموغرام؛ يزيد وبشكل كبير من نسبة الشفاء والبقاء على قيد الحياة، كما يزيد من خيارات وفعالية العلاج.
أما في دولة الإمارات، فإن معدلات الشفاء من سرطان الثدي؛ تطابق مثيلتها في الولايات المتحدة الأمريكية، بحسب ما أفاد حميد بن حرمل الشامسي، رئيس جمعية الإمارات للأورام. وذلك بناءً على دراسة عن سرطان الثدي في الدولة، نشرتها جمعية السرطان الأمريكية أوائل العام الجاري.
وأضاف الشامسي، وهو أحد الباحثين الرئيسيين المشاركين في الدراسة، والتي ضمت 50 باحثًا ومتخصصًا في السرطان، واستغرقت أكثر من عامين؛ أن دراسة نتائج علاج مرضى سرطان الثدي في الدولة، كشفت عن نسبة نجاح تصل إلى 89% لجميع مراحل المرض، لمدة خمس سنوات من المتابعة، وهي النسبة الأعلى خليجيًا (معدل البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات في قطر يبلغ 71.95٪ والكويت 75.2%)، كما أنها موافقة لنسب النجاح في الولايات المتحدة.
ماذا بعد التعافي من سرطان الثدي؟!
على الرغم من هذه الأرقام المشجعة على الفحص والكشف المبكر عن سرطان الثدي وعلاجه، لا يمكن إنكار حقيقة تأثير مرض سرطان الثدي على ملايين النساء حول العالم، والذي لا تقتصر مشاكله على المستوى البدني فحسب؛ إذ يُلقي بظلاله على حياة النساء بشكل ظاهر وخفي في آن واحد، ويدفع لتدهور حياة المصابة بشكل كبير حتى بعد التعافي. إذ تعاني النساء المتعافيات من سرطان الثدي بالإجمال، من مشكلة الوذمة اللمفية وهي أحد أبرز مضاعفات سرطان الثدي؛ إضافة إلى التعامل مع الثدي المستئصل، جزئيًا أو كليًا.
حول هذا الموضوع؛يقدم الدكتور رافي جورونيان رئيس القسم، ورئيس الجراحة التجميلية في مستشفى "كليفلاند كلينك أبوظبي"، معلومات هامة يتناول فيها أحدث التقنيات الطبية الراهنة والأساليب الجراحية التي تُحيي آمال مريضات سرطان الثدي وتمنحهنَ حلولًا فعّالة؛ لما يُلقي به هذا المرض من تحديات، لاسيما على مستوى التعامل مع اثنتين من أبرز مضاعفات سرطان الثدي، المتمثلة في الوذمة اللمفية وإعادة بناء وترميم الثدي بعد الاستئصال.
المعركة الخفية ... سرطان الثدي والوذمة اللمفية!
تشهد معدلات الإصابة بسرطان الثدي، ارتفاعًا ملحوظًا في شتى أرجاء العالم. فوفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تم تشخيص 2.3 مليون إصابة بسرطان الثدي في عام 2020، ما يجعل هذا المرض الأكثر انتشارًا من بين أنواع السرطانات الأخرى حول العالم. وفي دولة الإمارات، كان سرطان الثدي أكثر أنواع السرطان شيوعًا في عام 2020، مع تسجيل 1030 إصابة جديدة في ذاك العام، حسب المرصد العالمي للسرطان التابع للمنظمة.
وفي الوقت الذي تواجه فيه المصابات بسرطان الثدي، معركةًضد مرض يهدد حياتهنَ ويلقي بآثار طويلة الأمد على صحتهنَ البدنية والنفسية؛ يتعرضنَ لمشاكل إضافية تستدعي القلق، حيث تشير الإحصائيات إلى أن واحدة من كل خمسة مصابات بسرطان الثدي تتعرض لخطر الإصابة بالوذمة اللمفية المرتبطة بسرطان الثدي؛ وهي حالة صحيةٌ تكون خفية في الغالب، إلا أنها تُثقل كاهل المريضات وتستنزف صحتهنَ. وتحدث هذه الحالة على شكل تورّم في أعلى الذراع، بعد استئصال العقد اللمفية التي انتشر إليها السرطان. ولا تقتصر آثار هذا التورم على عدم راحة المريضة وإرهاقها بدنيًا، بل يزيد من مخاطر إصابتها بالعدوى والالتهاب؛مُثقلاً كاهل المريضات بأعباء إضافية.
الخيارات الوقائية للوذمة اللمفية تُحيي الآمال
الجانب المشرق من هذه القصة، أن مستشفى "كليفلاند كلينك أبوظبي" قطع شوطًا طويلًا في التعامل مع الآثار الخفية لسرطان الثدي؛ حيث قدم الجراحة المجهرية الوقائية التحويلية للوذمة اللمفيةالعام الماضي في دولة الإمارات، وهي خطوةٌ وقائية من الإصابة بالوذمة اللمفية. وتهدف هذه الجراحة للتخفيف من آثار الوذمة اللمفية قبل تفاقمها.
وفي التفاصيل كما أفادنا بها الدكتور جورونيان؛ تجري الجراحة بالتعاون مع "كليفلاند كلينك" الولايات المتحدة، وهي مُصمَمةخصيصًا لمريضات سرطان الثدي، لاسيما اللاتي لديهنَ مخاطر عالية للإصابة بالوذمة اللمفية. وتجري الجراحة بشكل رئيسي، بالتزامن مع جراحات السرطان الأساسية على غرار استئصال الثدي؛ حيث تُعدَ هذه الجراحة خطوةً وقائية من حدوث الوذمة اللمفية، وبالتالي قد تحدَ من الحاجة لجراحات أخرى.
وأكد الدكتور جورونيان على أهمية هذه المنهجية الوقائية، قائلًا: "إن الأعباء التي تُلقيها الوذمة اللمفية على المريضات لا تقتصر على الجانب البدني، إذ يمكن أن تتسبب بالعزلة الاجتماعية، والمشاكل الحركية؛ إلى جانب العبء النفسي الكبير. لذلك فإن إدارة الآثار البدنية والنفسية لمرض السرطان وعلاجها، هو أمرٌ أساسي لنجاح الرحلة العلاجية بالكامل للمريضات."
إضافةً لذلك، ساهم التقدم في التقنيات الطبية بشكل كبير،في تحسين معدلات النجاة والتعافي بين مريضات سرطان الثدي. وحول ذلك، قال الدكتور جورونيان: "أثمرت التطورات الطبية في السنوات الأخيرة عن ظهور تقنيات تشخيصية وعلاجية متطورة لمرض سرطان الثدي؛ حيث ساهمت هذه التقنيات في زيادة معدلات التعافي من المرض، ووضعت في متناول المريضات مجموعة من الخيارات العلاجية حسب كل حالة على حدة. وبالنسبة للتقنيات العلاجية، تشتمل قائمة الخيارات العلاجية على العلاج الهرموني، والكيميائي، والعلاجات المستهدفة."
وأضاف: "نستخدم اليوم أيضًا العلاج المناعي لعلاج سرطان الثدي، حيث يتم تفعيل الجهاز المناعي لمهاجمة الخلايا السرطانية في الجسم. وبالنسبة للمريضات التي تستدعي حالتهنَ الخضوع للجراحة، يقوم فريقنا متعدد التخصصات عادةً بتطبيق منهجية شاملة تتضمن استئصال الورم مع إعادة بناء الثدي والنظام اللمفي، لتحسين التعافي والحد من الآثار الجانبية."
دور التقنيات المتقدمة في إعادة بناء الثدي
تُعتبر عملية إعادة بناء الثدي بعد استئصاله، جانبًا هامًا من علاج سرطان الثدي. ومن الخيارات المتطورة التي تكتسب شهرةً واسعة، تقنية "السديلة المثقوبة الشرسوفية السفلية العميقة" لترميم الثدي. وتستخدم هذه التقنية الجلد والدهون والأوعية الدموية في الجزء السفلي من البطن، لإعادة بناء الثدي مع الحفاظ على عضلات البطن.
تختلف معدلات نجاح عملية إعادة بناء الثدي بين مريضة وأخرى تبعًا لعدد من العوامل؛ منها الخبرة الجراحية، صحة المريضة، والأهداف الفردية لعملية الترميم. وقد أظهرت تقنية "السديلة المثقوبة الشرسوفية السفلية العميقة" نتائج واعدة، بما يشمل ارتفاع معدلات البقاء على قيد الحياة لتتخطى 95%، وانخفاض المضاعفات مثل الإبلاغ عن فتق أو انتفاخ في البطن؛ وذلك بفضل طبيعة هذه التقنية التي تحافظ على العضلات. وغالبًا ما تشعر المريضات بالرضا بشكل كبير بعد هذا الإجراء، نظرًا لنتائجه الطبيعية على المستوى الجمالي وانخفاض معدلات الإصابة بالمضاعفات على مستوى البطن. كما يقدم برنامج الجراحة التجميلية في مستشفى "كليفلاند كلينك أبوظبي" تقنية نقل العقد اللمفية؛ حيث يتم الجمع بين تقنيتي "السديلة المثقوبة الشرسوفية السفلية العميقة" والعقد اللمفية، لعلاج الوذمة الموجودة في الذراع.
وأشار الدكتور جورونيان: "في عالم اليوم الذي يشهد تطورات طبية لافتة، لا تُقاس جودة النتائج العلاجية بمعدلات النجاح والإحصائيات فحسب، بل بقدرتها على إحياء أمل المريضات وتمكينهنَ من استعادة ثقتهنَ بأنفسهنَ، وتحسين جودة حياتهنَ. وسواءً كان ذلك على مستوى الجراحة الوقائية المجهرية للوذمة اللمفية أو قدرة تقنية السديلة المثقوبة الشرسوفية السفلية العميقة على إحداث تحول جذري في حياة المريضات، فإن هدفنا دائمًا هو رسم ملامح جديدة كليًا لما هو ممكن، وتمكين المريضات من العودة لحياتهنَ بكل قوة وثقة بعد التغلب على المرض."
اعتبارات النجاح في عملية إعادة بناء وترميم الثدي
إن نجاح عملية إعادة بناء وترميم الثدي، سواءً بتقنية السديلة المثقوبة الشرسوفية السفلية العميقة أو عبر وسائل أخرى، تعتمد على عدة عوامل كما أشار الدكتور جورونيان:
- الخبرة الجراحية: إن المهارة والخبرة التي يتمتع بها الفريق الجراحي هي عناصر رئيسية، لاسيما وأن هذه العمليات تتسم بالتعقيد وتتطلب دقةً كبيرة.
- عوامل المريضة: الحالة الصحية للمريضة، مثل الجراحات السابقة وحالة الأوعية الدموية، يمكن أن تؤثر على معدلات النجاح.
- التفضيلات الشخصية: قد تفضل المريضات نتائج محددة على مستوى الندوب، أو الإحساس، أو الحاجة إلى عمليات جراحية إضافية، مما قد يؤثر على تصورهنَللنجاح المنشود.
خلاصة القول؛ إن سرطان الثدي ليس مجرد مرض مُشخَص، بل هو رحلةٌ مليئة بالتحديات. إلا أنه وعبر إدخال الحلول الوقائية وتقنيات إعادة بناء الثدي المتطورة، مثل تقنية السديلة المثقوبة الشرسوفية السفلية العميقة، ونقل العقد اللمفية؛يسعى المجتمع الطبي للتخفيف من الأعباء الملقاة على كاهل المصابات بالمرض. لذلك فإن هذه الابتكارات الوقائية والعلاجية تُحيَي الآمال وتُبشَر بمستقبل أكثر إشراقًا للناجيات من المرض، وتتيح لهنَ التركيز على التعافي واستعادة حياتهنَ الطبيعية من جديد.