ثلاث دقائق من المشي.. كافيةٌ لضبط مستوى السكر بالدم
لا شك في أن المشي له ميزةٌ خاصة لا يدركها الكثيرون، وإلا لما كان مدرَسالفَلسَفَة الفَرنسي "فردريك كرو"يؤلف كتابًا كاملًا عن المشي يحمل عنوان "فلسفة المشي". يقول فيه: "المشي ليس رياضةً بل ممارسة، فالرياضة تتطلب الالتزام بقواعد أخلاقية معينة، وتتطلب -أيضًا_ بذل جهد محدد؛ ولكن ممارسة المشي أمرٌ مختلف، فهي الطريقة الأفضل لأن نُبطئ من تسارع حياتنا العصرية، التي على من يود مجاراتها، الانشغال مثلًا بقيادة سيارة سريعة، أو طائرة، وليس المشي!"
قد نختلف مع كرو في مسألة عدم تعلق المشي بالرياضة، لكن لا يمكننا إنكار ما قاله عن أن المشي يساعدنا في إبطاء حياتنا السريعة وما تتضمنه من تداعيات سلبية على الصحتين، الجسدية والنفسية.
من هذا المنطلق، ينسب الخبراء القدرة على ضبط مستوى السكر بالدم وضبط مرض السكري من خلال المشي. ولا تحتاجون لكثير من الوقت لفعل ذلك، بل يمكن الاكتفاء ب "3 دقائق" فقط من المشي، لتحقيق هذه المعادلة.
كيف ذلك؟ نجيب في هذا المقالة، التي تُلقي الضوء أيضًا على أنواع مرض السكري وطرق الوقاية منه؛ وذلك قبل حلول اليوم العالمي للسكري الذي يصادف 14 نوفمبر القادم.
ثلاث دقائق من المشي يمكن أن تساعدك في ضبط مرض السكري
هذا ما خلصت إليه دراسةٌ قامت بتمويلها جمعية مرضى السكري البريطانية، وأُجريت على 32 من مرضى السكري من النوع الأول؛ تضمنت قيامهم بممارسة المشي لعدة دقائق (تحديدًا 3 دقائق) كل نصف ساعة، الأمر الذي انعكس إيجابًا على ضبط مستوى السكر في الدم لديهم.
وهذه الدراسة وإن كانت صغيرة في الحجم، إلا أنها بيَنت أهمية المشي المنتظم في خفض نسبة السكر في الدم، والتي يؤدي ارتفاعها عن لمستويات غير مقبولة إلى العديد من المضاعفات الخطيرة.
وبحسب ما نقل موقع "بي بي سي" عربي عن رابطة مرضى السكري البريطانية الخيرية التي أجرت التجربة؛ فإن المشي لمدة 3 دقائق كل 30 دقيقة يسهم بشكل فعال في خفض نسبة السكر بالدم. وأيدت هذه النتائج جمعية مرضى السكري البريطانية، التي قالت أن الأنشطة الخفيفة وقصيرة المدى مثل المشي؛ يمكن أن تقدم تغييرات سهلة وغير مكلفة لمساعدة مرضى السكري، خاصةً من النوع الأول الذي يعتمد علاجه على حقن الأنسولين.
وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 40 ألف مصاب بالسكري من النوع الأول، يعيشون مع المرض في بريطانيا؛ والسكري عندما يصيب الجسم، فإن الأخير يتوقف عن إنتاج الأنسولين ما يتسبب بارتفاع نسبة السكر في الدم، وبالتالي يصبح أكثر اعتمادًا في الحصول على الأنسولين من الحقن.
تحدثي على الهاتف أثناء المشي
هذا ما أفعله تمامًا كل مرة أتحدثُ فيها مع زملائي في العمل، أو زوجي، أو حتى صديقاتي؛ والممتع في الأمر أن الوقت يمضي بسرعة، لأجدني في نهاية المطاف مشيتُ مسافةً لا بأس بها ولوقت جيد في كل مرة أكون فيها على الهاتف.
وهذا أفضلُ من استخدام الهاتف أثناء الجلوس، تؤكد إليزابيت روبرتسون؛ مديرة الأبحاث في جمعية مرضى السكري البريطانية الممولة للدراسة. وتقول روبرتسون في هذا الصدد، أن الخروج والمشي يومًا بعد يوم، يُحسَن من صحة مرضى السكري بنسبة كبيرة. وتضيف: "الأمر مشجعٌ بشكلِ لا يُصدق؛ فما وجدته الدراسة يجعل الأمر بسيطًا، وعمليًا، مثل أن تجري محادثاتك الهاتفية وأنت تتمشى، أو أن تضبط إنذار الهاتف ليذكركَ بالسير قليلًا كل نصف ساعة، وتجنب الجلوس لفترات طويلة، وهو ما يساعد على ضبط مستوى السكر في الدم."
بدوره، تحدث الدكتور ماثيو كامبل؛ كبير الباحثين في جامعة سندرلاند، عن تفاجئه بنتائج الدراسة خاصةً لمدة قليلة من الوقت في ممارسة المشي. وقال أنه بالنسبة لبعض مرضى السكري من النوع الأول، فإن فترات الرياضة القصيرة تصبح ذات أهمية قصوى وهي خطوةٌ أولى نحو ممارسة المزيد من النشاط البدني الذي يشجع عليه الأطباء والخبراء. أما بالنسبة للآخرين ممن لا يعانون من هذا المرض، فالمشي هو خير مثال على الطريقة الصحيحة الواجب اتباعها لضبط مستوى السكر في الدم بالعموم.
ماذا جاء في تفاصيل الدراسة؟
شارك 32 شخصأ بالغًا من مرضى السكري من النوع الأول في الدراسة؛ حيث قاموا وخلال المراحل الأولى منها، بقضاء فترتين من 7 ساعات من الجلوس. وفي إحدى الفترتين، بقي المشاركون جالسين؛ فيما عمدوا للمشي في الفترة الثانية لمدة 3 دقائق وبشكل بسيط كل نصف ساعة. وخلال الفترتين، عمل الباحثون على مراقبة مستوى السكر بالدم لديهم، لمدة 48 ساعة متواصلة؛ فيما تناول المشاركون نفس النوعية من الطعام وبذات الكميات خلال الساعات السبع، مع المحافظة على نسبة الأنسولين ذاتها في أجسامهم.
وبنتيجة المراقبة، توصل الباحثون إلى أن المشي لمدة 3 دقائق كل 30 دقيقة؛ أسهم في خفض مستوى السكر بالدم إلى 6.9 مليمول، في حين كان المستوى المعتاد هو 8.2 مليمول.
ويحدو القائمون الأمل في القدرة على إجراء دراسة أكبر وأشمل للموضوع ذاته؛ بغية التوصل إلى نتائج أكثر دقة في هذا الشأن. وعلق الدكتور كامبل في الختام قائلًا: ""الموضوع بسيط؛ فممارسة المشي فترات قصيرة خلال اليوم، تساعد غالبية الناس على ضبط مستوى السكر في الدم".
ما هو داء السكري؟
بحسب تعريفات موقع "مايو كلينك" الطبي، فالسكري هو مجموعةٌ من الأمراض التي تؤثر على كيفية استهلاك الجسم لسكر الدم (الغلوكوز). ويُعدَ الغلوكوز مصدرًا مهمًا لتزويد الخلايا التي تتكون منها العضلات والأنسجة،بالطاقة؛ كما أنه المصدر الرئيسي لإمداد الدماغ بالطاقة.
يختلف السبب الرئيسي للإصابة بداء السكري باختلاف نوعه. لكن وبغض النظر عن نوع داء السكري؛ فإنه يمكن أن يؤدي إلى زيادة مستوى السكر في الدم. وبالتالي قد تؤدي الزيادة المفرطة في مستوى السكر بالدم إلى حدوث مشكلات صحية خطيرة، منها الفشل الكلوي، مشاكل العيون، بتر الأطراف،والأزمات القلبية.
تشمل حالات داء السكري المُزمن النوعين الأول (وفيه يقوم نظام المناعة بمهاجمة الخلايا المنتجة للأنسولين وتدميرها) والثاني (ويقوم خلاله الجسم بالتوقف عن إنتاج الكمية الكافية من الأنسولين، أو تتوقف الحلايا المسؤولة عن استقبال الأنسولين في الجسم، عن الاستجابة له) وهو النوع الأكثر سيوعًا حول العالم؛فيما تشمل حالات داء السكري القابلة للعلاج، مقدمات السكري والسكري الحملي. تحدث مقدمات السكري عند زيادة مستويات السكر في الدم عن المعدل الطبيعي؛ لكن هذه الزيادة لا تكون كبيرةًلدرجة تجعلها تُشخَّص على أنها داء السكري. لكن يمكن أن تؤدي مقدمات السكري غير المعالج، إلى الإصابة بداء السكري؛ ما لم يتم اتباع الخطوات اللازمة للوقاية منه. أما سكري الحمل فيحدث أثناء الحمل، لكنه يختفي بعد الولادة.
كيف يمكنني الوقاية من داء السكري؟
للأسف، لا يمكن تفادي الإصابة بداء السكري من النوع الأول حسبما يشير موقع "مايو كلينك". لكن اتباع نمط حياة صحي، كفيلٌ بعلاج مقدمات السكري وداء السكري من النوع الثاني والسكري الحملي؛ كما أنهيساعد في الوقاية من هذه الأمراض.
وتشمل خيارات النظام الصحي ما يلي:
- التركيز على تناول الأطعمة الصحية، خاصةً منخفضة الدهون والسعرات الحرارية والغنية بالألياف؛ مثل الخضروات والفواكه والحبوب الكاملة. مع النصح بتناول مجموعة متنوعة من الأطعمة، لمنع الشعور بالملل.
- الإنتظام في النشاط البدني: ومنها المشي، والحرص على ممارسة معظم الأنشطة الهوائية المعتدلة لمدة 30 دقيقة تقريبًا كل يوم، خلال معظم أيام الأسبوع؛ أو السعي لممارسة الأنشطة الهوائية المعتدلة لمدة 150 دقيقة أسبوعيًا.
- التخلص من البدانة والوزن الزائد: خاصةً لمرضى السكري، إذ يساعد خفض الوزن في تقليل مضاعفات مرض السكري. ولغير المرضى، فإن إنقاص الوزن يسهم في تقليل خطر الإصابة بداء السكري بنسبة عالية. لكن يحذر الخبراء النساء من اتباع حميات إنقاص الوزن أثناء الحمل، ويجب على المرأة الحامل التحدث إلى طبيبها المختص بشأن زيادة الوزن المناسبة لصحتها أثناء فترة الحمل.
وفي الختام، فإن بعض الأدوية الموصوفة من قبل الطبيب المختص؛ قد تساعد في تقليل خطر الإصابة بالنوع الثاني من داء السكري، في حال كان لديكِ أي مقدمات للمرض. لكن وبصورة عامة، فإن خيارات الحياة الصحية التي ذكرناها أعلاه، هي أفضل وسيلة لدرء هذا المرض وغيره من الأمراض الأخرى التي تهدد صحتكِ وصحة من تحبين.
لذا لا تتواني عن تطبيق هذه النصائح وإدخالها ضمن نظامكِ اليومي، واعمدي لفحص نسبة السكر في الدم مرة واحدة على الأقل كل عام، في حال كنتِ مصابةً بمقدمات السكري؛ لتجنب الإصابة بالسكري من النوع الثاني الذي يصيب شريحةً كبيرة من الناس حول العالم.