الحمل والسكري.. معاناة مزدوجة تحكيها لنا إحدى المريضات بالسكري النوع الأول
الحمل مشقةٌ كبيرة لا يمكن إنكارها، وإن كانت بعض النساء لا يعانينَ كثيرًا خلال هذه الفترة الجميلة في حياتهنَ. لكن هذا لا ينفي أنها مرحلةٌ دقيقة وشاقة، تحمل الكثير من التحديات والمشاكل الصحية التي يمكن أن تلمَ بالمرأة، بعضها قد يتسبب لها بمتاعب شديدة طوال فترة الحمل.
لكن أن تكوني حاملًا وأنتِ مصابةٌ بداء السكري؛ فهذه معاناة مزدوجة الحقيقة، لا يمكن أن يفهمها إلا من يعاني منها. وهذا كان حال أماني الشحي، التي حملت بعد إصابتها بداء السكري من النوع الأول بعد محاولتين فاشلتين للحمل أدتا لإجهاضها. وساعدها في ذلك، تقنية
وأثناء التعرف على أماني وتجربتها القاسية للحمل بعد إصابتها بالسكري؛ لا بدَ من الخوض سريعًا في مضاعفات المرض على المرأة الحامل. وربما السؤال الأهم الذي يخطر على عقول الكثير من النساء، كيف يمكن للمرأة التخطيط للحمل والنجاح فيه أثناء الإصابة بداء السكري؟
هذه الأسئلة أجابتنا عليها الدكتور هبة الغيار،استشارية الغدد الصمّ والسكريفي مركز إمبريال كوليدج لندن للسكري في وقت سابق من هذا العام. ونعود اليوم لتلخيص بعضًا مما قالته في مقالة اليوم.
البداية مع أماني الشحي وتجربتها...
هلّا تخبرينا عن رحلتكِ مع مرض السكري من النوع الأول، ومحاولاتك الحمل؟
أصبتُ بالسكري من النوع الأول منذ حوالي خمس سنوات، عندما كنتُ أبلغ من العمر 23 عاماً، وكان تشخيص مرضي مفاجئًا بالنسبة لي. إلا أنني اعتدتُ على المرض، وأصبحتُ قادرةً على إدارته بنجاح وملتزمةً بأخذ حقن الأنسولين ومراقبة كميات تناولي للكربوهيدرات التي تُعتبر عاملًا حاسمًا في المحافظة على مستويات صحية لسكر الدم. ولكن المخاوف بدأت تراودني عندما تزوجتُ وبدأتُ بالتفكير في الإنجاب.
عندما حملتُ للمرة الأولى تعرضتُ للإجهاض، واعتقدتُ حينها أن السكري هو سبب ذلك؛ لتكشف الفحوصات أن حالتي الصحية مستقرةً من جانب السكري، وراودتني ذات الفكرة عندما تعرضتُ لإجهاضي الثاني.لذلك حجزت موعدًا مع الدكتور أحمد اللبودي الذي قام بمراجعة ملفي الطبي، فقد كان السكر التراكمي ممتازًا؛ فنصحني حينها بمضخة الأنسولينالذكية (780G) لأنها ستكون أفضل من حقنالانسولين، للمحافظة على استقرار مستويات السكر خلال فترة الحمل.
لكن الفحوصات كشفت أن المسؤول عن الإجهاض ليس السكري، وإنما نقصٌ في بروتين S الذي يزيد من معدلات تخثر الدم؛ لأبدأ بأخذ حقن سيولة الدم مع استخدام المضخة، وهو أمرٌ مكَنني من الحمل والإنجاب في المحاولة الثالثة.
خلال أول ثلاثة أشهر من حملي، كان سكر الدم مستقرً إلا أنه وبحلول الشهر الرابع، بدأتُ أرى اضطرابًا في سكر الدم، لأتوجه مجدداً إلى الدكتور أحمد الذي قام بتعديل إعدادات المضخة لأستعيد بعد ذلك استقرار مستويات السكر في دمي.
لقد كانت خاصية مراقبة السكر المستمرة ضمن المضخة، من الأمور التي ساعدتني على إدارة مرضي أثناء الحمل، إلى جانب مراقبة نظامي الغذائي وفق نصائح الطبيب لتجنب أي ارتفاع مفاجئ في سكر الدم. ويمكنني القول إن هذه المضخة جعلت من تجربة حملي أكثر سهولةً وراحة.
كيف تصفين ارتداء المضخة؟
كانت فكرة ارتداء المضخة في البداية أمرًا صعبًا، ولكن بعد فترة وجيزة اعتدتُ عليها وأدركتُ أنها أفضل بكثير من حقن الأنسولين التي كانت تُسبَب لي الحرج عندما أحتاجُ لحقنة في الأماكن العامة. غير أن المضخةسهَلت هذه المهمة، وهي أيضًا تقوم تلقائيًا (بالعمل مع جهاز قياس السكري المستمر والذكاء الاصطناعي) على استقرار مستويات السكر خلال اليوم. ما عليّ سوى تغيير عبوة الأنسولين كل ثلاثة أيام والمُستشعر كل سبعة أياممع حساب كمية النشويات قبل كل وجبة، بينما كان يتعين عليّ سابقًا أخذ نحو 6 حقن أنسولين يوميًا.
كيف أثرَ مرض السكري من النوع الأول عليكِ،عاطفيًا وجسديًا؟
شعرتُ في البداية بالقلق والخوف من فكرة الحمل مع مرض السكري من النوع الأول، ولا سيما أنني سمعتُ الكثير عن المخاطر المرتبطة بذلك مثل الإجهاض المبكر وزيادة وزن المولود وغير ذلك. ولكن استخدام المضخةالذكية جعل من حملي أكثر سهولةً وراحة، حتى أنني عندما عدتُ لاستخدام الحقن بعد الولادة، لم يمر أسبوع واحد إلا وعدتُ للمضخة لأنني اكتشفت أنها أفضل بالنسبة لي.
كيف عرفتِ عن المضخة 780G ؟ وهل راودتكِ أي مخاوف حيالها؟
قرأتُ الكثير من المعلومات عن هذه المضخة، واطلعت على العديد من آراء مستخدميها، وأدركتُ أنها أحد التطورات الطبية اللافتة لإدارة مرض السكري من النوع الأول. وفي الحقيقة، شجعني الدكتور أحمد على استخدامها بعد شرح كافة مزاياها وكيفية استخدامها؛ ولم يعطِني المضخة قبل أن يتأكد من قدرتي على حساب كمية الكربوهيدرات التي أتناولها.
هل راودتكِ أية مخاوف عند التحول من الإبر إلى المضخة؟
كان من الطبيعي أن أشعر ببعض القلق عند البدء باستخدام المضخة، فهي جهازٌ في نهاية المطاف. إلا أنني شعرتُ بالاطمئنان حيالها بعد فترة وجيزة، لأني لمستُ الفائدة التي تقدمها.
هل يمكنكِ مقارنة حملكِ باستخدام المضخة مع حمل سيدات أخريات استخدمن الحقن أثناء الحمل؟
بالطبع، فالمضخةالذكيةتقوم تلقائيًا (بالعمل مع جهاز قياس السكري المستمر والذكاء الاصطناعي) على ضمان استقرار مستوى السكري خلال اليوم، وهذا مهم جدًا في فترة الحمل، لأن الحمل يُمثَل تحديًا كبيرًا أمام استقرار مستويات السكر.
ماذا تنصحينالسيدات المصابات بالسكري من النوع الأول والمُقبلات على الحمل؟
أشجعهنَ على استشارة الطبيبقبل الإقدام على خطوة الحمل، والالتزام بنصائحه ومراقبة نظامهنَ الغذائي وضبط جرعات الأنسولين، وسيكون حملهنَّ خالياً من المشاكل بإذن الله.
مضخة 780GMiniMed™ للأنسولين
هي نظام مضخة الأنسولين الجديد ذاتية الضبط للأنسولين القاعدي مع خاصية التصحيح التلقائي، وتمتاز بالتالي:
- توقَع احتياجات الأنسولين.
- ضبط جرعات الأنسولينذاتيًّا حسب الحاجة؛ تصل إلى 288 مرة يوميًّا.
- تصحيح حالات ارتفاع مستويات سكر الدم تلقائيًّا، وفي نفس الوقت المساعدة على حماية مريضة السكري من حالات انخفاض مستويات سكر الدم .
كيفية التخطيط لتعزيز نجاح الحمل ودعم صحة الحامل
انطلاقًا من نصيحة أماني في الفقرة الأخيرة، كان لا بدَ من معرفة الأسس الصحيحة والجيدة لحمل ناجح وآمن أثناء الإصابة بالسكري. وهو ما أفادتنا به الدكتورة هبة بالقول:
يجب على المصاباتُ بمرض السكري بنوعيه الأول والثاني، التخطيط للحمل والإنجاب والاستعداد لذلك صحيًا قبل فترة مناسبة من الحمل؛ تبدأ من ثلاثة شهور وتصل إلى ستة أشهر. كما أنصح بتجنب محاولات الحمل واستخدام أساليب منع الحمل الموصى بها إلى أن تُستكمَلَ فترة الاستعداد المحددة.
تختلف إجراءات الاستعداد للحمل بين سيدة وأخرى، إذ يمكن أن تتناول بعض السيدات الفيتامينات أو حمض الفوليك. وإذا كانت المرأة مصابةً بداء السكري، يجب عليها تناول جرعةً أكبر من الجرعة المعتادة التي نعطيها للأمهات غير المُصابات بالسكري. كما يجب التنبه أيضًا لأهمية اتباع نظام غذائي صحي ومتكامل، من أجل ضمان حصول الجنين على التغذية اللازمة. ويُنصح بشكل أساسي أن تواظب المرأة الحامل على ممارسة الرياضة ومحاولة إنقاص الوزن أو عدم زيادته؛ لأن ذلك يُعزَز من قدرتها على إدارة مرض السكري بنجاح ومن ثَمَّ زيادة فرص الحمل وتحسين حالة الحمل بأكملها.
عوامل مساعدة للحوامل المصابات بداء السكري
وفقًا للدكتورة هبة أيضًا، من المهم مراجعة الطبيب المختص بمرض السكري بالإضافة إلى المتابعة الدورية مع الطبيب المشرف على الحمل، من أجل التأكد من استقرار الحالة صحيًا؛ لا سيما عند السيدات اللاتي يتناولنَ أدوية علاج السكري أو الأدوية المرتبطة بعلاجات أخرى قد تكون غير مناسبة لفترة الحمل.
كما أنّ مراجعة الطبيب بانتظام، أمرٌ ضروري حتى لمريضات السكري اللاتي يتمتعنَ بصحة جيدة ومستويات مستقرة من سكر الدم. ويجب عدم إهمال زيارات الطبيب نظرًا للأهمية البالغة لمراقبة الحالة ودورها في الكشف المبكر عن أية تغيرات تطرأ على صحة الأم أو الجنين.
الرياضة من أهم العوامل المُساعدة على التمتع بحمل صحي؛ وتنصح استشارية الغدد الصماء من مركز إمبريال كوليدج لندن للسكري بممارسة التمارين البسيطة والمعتدلة مدة 30 دقيقة يوميًا وعلى مدار 5 أيام في الأسبوع، بما في ذلك المشي السريع أو السباحة أو حتى اللعب مع الأطفال.
كما ينبغي على جميع الأمهات، إدراك أهمية الرضاعة الطبيعية بالنسبة لها وللطفل وخاصةً في عامه الأول؛ وذلك يشمل الأمهات المُصابات بمرض السكري المزمن بنوعيه، وحتى الأمهات اللاتي يتناولنَ جرعات الأنسولين.
وإذا ما اتبَعت الأم هذه التوصيات واستطاعت المحافظة على استقرار مستويات سكر الدم، نطمئنها بعدم احتمالية وجود أي صعوبات أو مخاطر عند الولادة بالنسبة لها أو للجنين. هذا ما أكدته الدكتورة هبة، والذي عليه نختم مقالتنا اليوم بدعوتكِ عزيزتي وقبيل حلول اليوم العالمي لداء السكري، باستشارة الطبيب المختص دومًا في حال كنتِ تعانين من السكري وترغبين في الحمل والإنجاب. فلا شيء يبدو مستحيلًا بعون الله، وبفضل التقنيات الحديثة التي نواكب تطورها يومًا بعد يوم.