يعاني منه معظم الناس.. نصائح تحميكِ من الإصابة بالإنزلاق الغضروفي
قبل الخوض في تفاصيل العنوان الرئيسي لهذه المقالة، دعوني أخبركم قليلًا عن تجربتي مع الديسك والعملية التي خضعتُ لها.
فمنذ ما يزيد عن ربع سنوات مضت؛ عانيتُ من وجع شديد في أسفل الظهر، امتد إلى ساقي اليمنى مسبَبًا لي أوجاعًا غير محمولة سواء عند الجلوس أو المشي أو الإستلقاء. بالطبع، توجهتُ إلى الطبيب المعالج، الذي أجرى لي فحص MRI تبيَن بموجبه، انزلاق القرص الموجود بين الفقرات نحو الخارج، ما جعله يضغط على الأعصاب الموجودة في الساق ويصيبها بالتورم. وهو ما كان يولَد تلك الآلام الشديدة، التي كانت مصحوبةً بتنميل قوي في الساق وخدر في القدم وتحديدًا في منطقة الكاحل.
ولأن فكرة العملية الجراحية كانت مستبعدةً من قبلي بشكل تام، فقد لجأ الطبيب لإعطائي بعض المسكنات والأبر لتخفيف الألم. مع الطلب مني بالراحة التامة قدر الإمكان، وهو ما كان ممكنًا، نظرًا لتفاقم الألم حتى عند النوم أو المشي.
لفترة أسبوعين، كانت الآلام تزداد حدةً عوضًا عن الاختفاء جراء تناول المسكنات؛ وكانت القدم تزداد تنميلً وخدرًا بشكل لا يمكن وصفه. وفي محاولة بائسة للتخلص من الألم، أخضعني الطبيب المعالج لعملية بسيطة، حقن خلالها إبرة Epidural مكان الوجع؛ على أمل أن تساعد في تقليل الألم.
لكن وفي اليوم التالي، عادت الآلام والتنميل والخدر بشدة وأقوى من السابق؛ ما حتَم نقلي وعلى وجه السرعة بسيارة الإسعاف إلى المستشفى، حيث خضعت مرةً ثانية لفحص MRI ليجد الطبيب أن القرص قد انزلق بشكل تام إلى الخارج، وأنه يجب عليَ الخضوع لعملية جراحية وإلا سيُصاب الكاحل في قدمي اليمنى بالشلل جراء تورم وموت الأعصاب بسبب ضغط القرص عليها.
وهكذا كان.. دخلتُ غرفة العمليات، أجريتُ العملية بنجاح وتمت إزالة القرص المزعج. استطعتُ المشي في اليوم التالي للعملية (وهو الأمر الذي لم يكن ممكنًا خلال الأيام العشر الأخيرة قبل العملية). أخذتُ وقتًا طويلًا في التعافي والعودة لحياتي الطبيعية بعد هذه العملية، ويمكنني القول اليوم بأن ألم الإنزلاق الغضروفي الذي داهمني منذ أربع سنوات، قد اختفى بالكامل.
لماذا أشارككِ تجربتي اليوم عزيزتي القارئة؟
ليس بقصد الشفقة والتضامن والدعم، وإنما لأؤكد لكِ ولجميع القارئات، أن الإنزلاق الغضروفي يمكن أن يصيب أيًا منا؛ وأنه بالفعل مشكلة العصر. لكن بالتأكيد هناك حلولٌ كثيرة، أهمها يتمثل في العلاج الطبيعي والعمل الجراحي في حال استفحل الإنزلاق كما حصل معي.
وهو ما يؤكده الدكتور مهند قحوش، استشاري جراحة العظام وتركيب المفاصل والجراحات الرياضية ورئيس قسم جراحة العظام والتاهيل الفيزيائي بالمستشفى الكندي التخصصي في دبي. مشيرًا إلى أن الانزلاق الغضروفي يمكن الوقاية منه باتباع بعض النصائح والخطوات الحياتية العملية. كما أن العمليات الجراحية للانزلاق الغضروفي، وغيره من علاجات هذه المشكلة، يمكن أن تساعد المرضى في استعادة حياتهم الطبيعية من جديد.
فلنتعرف سويًا في موضوعنا اليوم، على أسباب وأعراض الانزلاق الغضروفي، وطرق علاجه والوقاية منه؛ كما أفادنا بها الدكتور قحوش مشكورًا.
والبداية دومًا مع تعريف المشكلة...
ما هو الانزلاق الغضروفي؟
يُعتبر الانزلاق الغضروفي، المعروف أيضًا باسم انزلاق القرص الفقري، واحدًا من الاضطرابات الشائعة في العمود الفقري. ويحدث هذا الانزلاق عندما يتحرك الغضروف القرصي الذي يعمل كوسادة بين الفقرات القريبة من بعضها البعض، نتيجةً للإجهاد أو التآكل؛ مما يؤدي إلى ضغط على الأعصاب الشوكية المحيطة والأوعية الدموية.
ما هي أسباب الانزلاق الغضروفي؟
بالنسبة لي، فقد كان الجلوس لوقت طويل (بحكم عملي) وحملي للأشياء الثقيلة دون توخي الحذر والطرق الصحيحة لذلك؛ أبرز الأسباب التي أدت لانزلاق الغضروف لديَ.
وهي عوامل أساسية في حدوث الانزلاق الغضروفي، يؤكد الدكتور قحوش؛ إضافةً لأسباب أخرى يمكن تلخيصها بالآتي:
- الشيخوخة: مع تقدم العمر، يمكن أن يتعرض القرص الغضروفي للتآكل والفقدان التدريجي لقدرته على الامتصاص.
- الإجهاد والإصابات: يمكن لبعض الأنشطة الرياضية الشاقة أو الرفع الشديد للأثقال، أن تزيد من خطر الانزلاق الغضروفي خاصةً عند الرجال.
- التشوهات الهيكلية:بعض الأشخاص يكونون عرضةً للانزلاق الغضروفي، بسبب وجود تشوهاتٍ هيكلية في العمود الفقري لديهم.
بالإضافة إلى أسباب أخرى، منها لف أسفل الظهر بطريقة خاطئة؛ التعرض للصدمات الرضحية في أسفل الظهر؛ التهاب المفاصل التنكسي في العمود الفقري؛ الجنس، إذ يُعدَالرجال أكثر عرضةً للإصابة بالانزلاق الغضروفي القطني من النساء؛ السمنة أو زيادة الوزن؛ كثرة قيادة المركبات والجلوس لفترة طويلة، فضلًا أن الاهتزازات الناجمة عن محرك السيارة وعوامل الطريق، تضع المزيد من الضغط على أقراص الفقرات القطنية.
ما هي الأعراض التي تُنبأ بالإصابة بالانزلاق الغضروفي؟
وفقًا للدكتور قحوش، فإن الانزلاق الغضروفي غالبًا ما يترافق مع الأعراض التالية:
- ألم الظهر: يمكن أن يكون الألم في منطقة الظهر السفلية أو الرقبة، ويمتد إلى الساقين أو الذراعين؛ وقد يتفاقم عند الجلوس لفترات طويلة أو عند الضغط على الظهر.
- الخدر والتنميل:يمكن للانزلاق الغضروفي أن يتسبب فيالضغطعلى الأعصاب، مؤديًا للشعوربالخدر والتنميل في الأطراف السفلية أو العلوية.
- ضعف العضلات: بسبب تأثير الضغط على الأعصاب، يمكن أن يترتب عن الانزلاق الغضروفي ضعف العضلات في مناطق معينة من الجسم.
- صعوبة في التحكم بالأمعاء والمثانة: في حالاتٍ نادرة، يمكن أن يؤدي الانزلاق الغضروفي الشديد إلى مشاكل في التحكم بوظائف الأمعاء والمثانة.
كيف أحمي نفسي من الانزلاق الغضروفي؟
على الرغم من بعض العوامل "اللاإرادية" التي قد تضغط لجهة الإصابة بالانزلاق الغضروفي، حتى مع اتخاذ الإجراءات الوقائية؛ إلا أنه لا يمكن تجاهل أهمية الوقاية التي تبدأ منذ عمر صغير، ويمكن لها أن تُقلَل من خطر إصابتكِ بهذه المشكلة.
حتى ومع التقدم بالسن، هناك بعض النصائح الحياتية التي تلعب دورًا محوريًا في تجنب الإصابة بالانزلاق الغضروفي؛ يقدمها لنا الدكتور قحوش كالآتي:
- الحفاظ على الوزن الصحي: إذ أن الوزن الزائد يزيد من الضغط على القرص الغضروفي، لذا من المهم الحفاظ على وزن صحي.
- ممارسة التمارين الرياضية: تقوية عضلات الظهر والبطن يمكن أن يساعد في دعم العمود الفقري والوقاية من الانزلاق الغضروفي.
- تقنيات رفع الأوزان:عند رفع أشياء ثقيلة، يجب استخدام تقنيات صحيحة لتجنب الإصابة. منها عدم الإنحناء أبدًا لحمل الأغراض الثقيلة، وإنما ثني الركبتين للاقتراب من الحمل ثم استخدام عضلات الرجلين، لا الظهر، عند الرفع.
ما هي طرق العلاج المتبعة في حال أُصبتُ بالانزلاق الغضروفي؟
لا تقلقي عزيزتي؛ فالانزلاق الغضروفي، كغيره من مشاكل الظهر، يمكن علاجها بالعديد من الطرق التي شهدت الكثير من التطور والتحسن في السنوات الأخيرة بحيث يمكنكِ استعادة القدرة على المشي في اليوم التالي للعملية، كما حدث معي.
وتشمل أساليب علاج الانزلاق الغضروفي التي يشاركنا إياها استشاري جراحة العظام وتركيب المفاصل والجراحات الرياضية في المستشفى الكندي التخصصي بدبي، التالي:
- العلاج التحفظي: ويتضمن استخدام الأدوية المسكنة للألم، والعلاج الطبيعي، والتمارين الخاصة بالعمود الفقري.
- العلاج التدخلي: يمكن استخدام الحقن القرصية أو الجراحة الصغيرة، للتخفيف من الألم واستعادة وظيفة العمود الفقري.
- الجراحة: في حالاتِ شديدة ومعقدة من الانزلاق الغضروفي، قد تكون الجراحة ضروريةً لإزالة الأنسجة المتضررة واستعادة الاستقرار.
في الختام، لا يمكن إنكار أهمية العمود الفقري على صحتنا ككل؛ وبالتالي فالعناية القصوى به، تحمينا من العديد من المشاكل الصحية التي يمكن أن تلمَ به مثل الانزلاق الغضروفي. وكما نقول دومًا، أن الوقاية خيرٌ من قنطار علاج؛ لكن حتى وإن أصيب أحدنا بهذه المشكلة، فهناك علاجاتٌ متوفرة وقادرة على تخفيف حدة الألم الناجم عنه، وحلَ المشكلة بشكل جذري.