تُعزَز الأمل بمستقبل خالٍ من سرطان عنق الرحم: أهمية التطعيم من فيروس الورم الحليمي البشري
كلما بدأنا بعامٍ جديد، نبدأ بالتخطيط للعديد من القرارات والأهداف التي ننوي القيام بها خلاله: خسارة الوزن، الحصول على وظيفةٍ أفضل بمرتبٍ جيد، متابعة الدراسات العليا في الجامعة، السفر للعديد من الدول.. وغيرها من الأمور التي نبقى نتأمل في تحقيقها سنةً تلو الأخرى.
لكن ماذا عن أهداف الصحة؟ ما الذي نخططه لتحسين صحتنا وتقوية أجسامنا وحمايتها من الأمراض، خاصة النسائية منها والتي يمكن أن تُهدَد حياة بناتنا وشاباتنا منذ عمرٍ صغير؟ هل فكرتِ عزيزتي كيف أن قرارات العناية بالصحة تأتي دومًا في المقام الأخير، اللهم ما عدا قرار إنقاص الوزن الذي يرتبط دومًا بتحسين الشكل الخارجي أكثر منه الوقاية من المرض؟
مع بداية العام الجديد، وكما هو الحال كل سنة خلال شهر يناير؛ ننضم إلى خبراء الصحة حول العالم، للتوعية من سرطان عنق الرحم الذي ترتبط جميع حالاته تقريبًا (99%) بالعدوى الناجمة عن الإصابة بفيروس الورم الحليمي البشري (HPV) عالي المخاطر، وهو فيروس شائعٌ للغاية ينتقل عن طريق الاتصال الجنسي. وأول مبادئ الوقاية هذه، تتمثل في الحصول على تطعيم فيروس الورم الحليمي البشري (بابيلوما) من عمر صغير، لكافة الفتيات والنساء.
وبالتزامن مع شهر التوعية بسرطان عنق الرحم خلال هذا الشهر؛يشير أخصائي من كليفلاند كلينك، نظام الرعاية الصحية العالمي، إلى أن العلاج المبكر وحفظ عوامل الخصوبة يساعدان في تحسين النتائج بصورة ملموسة.
تطعيم ضد فيروس الورم الحليمي يحمي من سرطان عنق الرحم
أظهرت إحصائيات منظمة الصحة العالمية، أن سرطان عنق الرحم يُعتبر رابع أكثر السرطانات شيوعًا بين النساء في جميع أنحاء العالم؛ ويكمن السبب الرئيسي له في العدوى المستمرة بالأنواع عالية الخطورة من فيروس الورم الحليمي البشري. وأشارت المنظمة في أحدث منشوراتها إلى تسجيل نحو 604,000 إصابةً جديدة بسرطان عنق الرحم ونحو 342,000 حالة وفاة نتيجة الإصابة بهذا المرض في عام 2020.
وأفادنا الدكتور أوين هيث، استشاري جراحة الأورام النسائية،الحاصل على بكالوريوس الطب وبكالوريوس الجراحة والعضو في الكلية الملكية لأطباء النساء والتوليد، والذي يعمل في مستشفى كليفلاند كلينك؛ أنه مع توافر التطعيم ضد فيروس الورم الحليمي البشري والقدرة على استئصال الخلايا غير الطبيعية قبل تطور الآفاتالسرطانية، فإن سرطان عنق الرحم قد يصبح مرضًا من الماضي بالنسبة لأجيال المستقبل.
وأضاف: "الخبر الجيد هو أنه يمكن الوقاية من سرطان عنق الرحم، كما أن احتمالات علاجه عاليةٌ للغاية خاصةً عند تشخيصه في مراحل مبكرة." مُشدَدا في الوقت ذاته على أهمية الجمع ما بين التطعيم ضد فيروس الورم الحليمي البشري وإجراء الفحوصات الدورية، بهدف القضاء على سرطان عنق الرحم، وعلق قائلًا: "على الرغم من تسليط دراسات أُجريت في كلٍ من المملكة المتحدة وأسترالياالضوء على فعالية برامج التطعيم ضد فيروس الورم الحليمي البشري في خفض الإصابات بسرطان عنق الرحم وأعراض ما قبل السرطان؛ إلا أن هناك حاجةً لإجراء المزيد من الأبحاث في هذا السياق. ويُعدَ الفحص الدوري حيويًا لدى الأفراد الذين قد يختارون عدم الحصول على التطعيم،أو في حالة الدول التي لا يغطي فيها التطعيم جميع الأنواع عالية الخطورة من الفيروس. بالإضافة إلى ذلك، فإن سرطان عنق الرحم قد يتطور في بعض الحالات النادرة جدًا دون أن يكون مرتبطًا بصورةٍ مباشرة بفيروس الورم الحليمي البشري."
غالبًا ما يُعطى التطعيم للأطفال في المدارس، والكبار حتى سن 45 عامًا؛وهو العمر الذي تنخفض معه احتمالات تطوَر السرطان بسبب فيروس الورم الحليمي البشري، ولكن على الرغم من ذلك يجب مواصلة إجراء الفحوصات الدورية. وأشار الدكتور هيث إلى أن التطعيم ليس مقتصرًا على النساء فقط، إذ يمكن للرجال نقل المرض؛ كما أنهم يُعتبرون عرضةً لمخاطر الإصابة بسرطانات الرأس والعنق بسبب بعض سلالات فيروس الورم الحليمي البشري.
تطوَر سرطان عنق الرحم داخل الجسم
أوضح الدكتور هيث أن سرطان عنق الرحم قد يتطور ببطءٍ ،إذ تتحول الخلايا ما قبل السرطانية إلى خلايا سرطانية بمرور الأعوام؛ولذلك فإن إجراء الفحص الدوري مهمٌ للغاية. وعلى الرغم من اختلاف الإرشادات الصحية من بلدٍ لآخر، إلا أن الدكتور هيث يُوصي بإجراء النساء للفحوصات بحسب الوتيرة التي تتناسب مع عوامل الخطورة الخاصة بكل منهنَ. وأشار الأخصائي من كليفلاند كلينك إلى أنه يمكن للنساء اللاتي تجاوزنَ سن الـ65، التوقف عن إجراء الفحوصات الدورية في حال كانت نتائج الفحوصات السابقة طبيعيةً؛ ولكن نظرًا لاحتمالية تطور سرطان عنق الرحم في أي عمر، فمن المهم مراجعة الطبيب المختص في حال ظهور أعراضٍلأمراضٍ نسائية.
وتابع الدكتور هيث أن الفحص الدوري الشائع في الوقت الحالي،يشمل إجراء اختبارٍ للكشف عن فيروس الورم الحليمي البشري ومسحةً لعنق الرحم؛ حيث يتم تحليل عينةً من عنق الرحم للكشف عن وجود أي أنواعٍ فرعية عالية الخطورة من فيروس الورم الحليمي البشري، وفي حال اكتشاف وجودها، يتم فحص الخلايا الموجودة في العينة للكشف عن أي عيوبٍ أو شذوذٍ فيها.
كيفية علاج سرطان عنق الرحم
بيّن الدكتور هيث أنه في حال اكتشاف نوعٍ عالي الخطورة من فيروس الورم الحليمي البشري لدى امرأة، فإنه يتوجب عليها مراقبة حالتها بعناية وذلك من خلال إجراء فحوصات سنوية، وقال: "عادةً ما يتمكن جهاز المناعة في الجسم من التخلص من العدوى في معظم الحالات، ولكن في حال استمرارها، فإنها قد تتسبب بتشوهاتٍ في خلايا عنق الرحم التي قد تتطور في حال تركها دون علاجٍإلى سرطان عنق الرحم. وفي حال وجود دليلٍ على استمرار الإصابة بفيروس الورم الحليمي البشري أو أي تشوهاتٍأو شذوذ في الخلايا، فإنه يتوجب حينها إجراء فحصٍ مُفصل لعنق الرحم يُعرف باسم التنظير المهبلي،والذي يُعتبر وسيلةً سريعة وفعالة للوصول إلى تشخيصٍ دقيق للحالة. كما يمكن البدء بعلاج المناطق ما قبل السرطانية في عنق الرحم في نفس الوقت من خلال استئصال هذه الخلايا وإزالتها."
وأوضح الدكتور هيث أنه في حال تشخيصالإصابة بسرطان عنق الرحم، فإن الاستئصال الجراحي للخلايا السرطانية ناجحٌ جدًا في حال تمَ اكتشاف السرطان في مراحل مبكرة. مضيفًا أنه يمكن تطبيق إجراءات حفظ عوامل الخصوبة في هذه المرحلة مثل استئصال عنق الرحم مع الإبقاء على الرحم؛ أما المراحل المتقدمة من السرطان فيتم علاجها بمزيجٍ من العلاج الإشعاعي والكيميائي.
تلَقي تطعيم فيروس الورم الحليمي البشري
في مقابلةٍ سابقة مع موقع "هي"، أوصت الدكتورة عذبة فرنجية، استشاري أمراض وجراحة نسائية وتوليد من مستشفى مركز كليمنصو الطبي دبي بضرورة إعطاء هذا لقاح فيروس الورم الحليمي البشري المهم منذ سن التاسعة حتى سن 11-؛ عند الفتيات والفتيان على حدٍ سواء، وذلك لمنع ظهور الثآليل وكي لا يكون الفتى شريكًا في نقل الفيروس إلى الفتاة بعد الزواج.
ويتم إعطاء اللقاح قبل سن 15 على جرعتين، يكون الفرق الزمني بينهما 6 أشهر. أما بعد سن 15، فيحتاج المراهقون لأخذ 3 جرعات، بمعدل جرعةٍ واحدة في المرة الأولى، تليها جرعةٌ ثانية بعد شهرين ثم جرعةٌ ثالثة بعد 6 أشهر.
ووفقًا للدكتورة فرنجية، فقد أثبتت الدراسات العديدة التي أُجريت على هذا اللقاح، فعاليته بشكلٍ كبير منذ سن التاسعة وحتى سن 26. لكن منظمة الصحة العالمية قدمت توصياتٍ جديدة بضرورة إعطاء لقاح فيروس الورم الحليمي البشري حتى عمر 45، نظرًا للمنافع التي يبقى الإنسان يحصل عليها من هذا اللقاح لغاية هذا السن.
مضيفةً أن اللقاح لن يحمي بشكل تامٍ من كافة أنواع الفيروس، بل هناك لقاحٌ يُغطي 9 أنواع من فيروس الورم الحليمي البشري، ولقاحٌ يُغطي عددًا أقل. إنما بالإجمال، فإن إعطاء اللقاح يساعد في تغطية الأنواع الخطرة من الفيروس والتي تُشكل خطورةً لجهة الإصابة بسرطان عنق الرحم. وهذه الضرورة تنطبق على الفتيات والفتيان معًا.
وفي حال لم تحصل الفتاة على لقاح فيروس الورم الحليمي البشري في عمرٍ صغير، يمكن لها أخذه عند بلوغها سن 26، كما يمكن لها تلَقيه قبل سن 45 حسب التوصية الجديدة. لكن يبقى الحصول على اللقاح في عمر أصغر أفضل، كونه يمنح الفتاة مناعةً من سرطان عنق الرحم في سن أبكر.
في الختام، ندعوكِ عزيزتي ومع بدء سنةٍ جديدة؛ اتخاذ قرار العناية بصحتكِ وصحة بناتكِ وأولادكِ بصورةٍ أكبر، وذلك من خلال التوجه لأخذ لقاح فيروس الورم الحليمي البشري الذي يحمي الجميع من سرطان عنق الرحم. كي تكوني أكثر اطمئنانًا على مستقبل أولادكِ وتقليل خطر إصابتهم بهذا المرض الخطير، إضافةً لحمايتكِ منه في الوقت الحالي.