أُنقذ من الموت جراء أحد أمراض القلب: ما الذي نعرفه عن تضيَق الصمام الأبهري
هناك العديد من التطورات الطبية والصحية التي يشهدها عصرنا الحديث، والتي تنعكس إيجابًا على صحة المرضى، خاصةً أولئك الذين يعانون من أمراضٍ مزمنة أو خطيرة. وتأتي أمراض القلب في مقدمة هذه الأمراض، كونها تودي بحياة ما يقرب من 19 مليون شخص سنويًا. وتضيَق الصمام الأبهري، هو أحد أكثر اضطرابات صمامات القلب شيوعًا لدى الأشخاص فوق سن 75 عامًا؛ ويحدث بشكلِ متكرر عند الرجال، غالبًا بسبب تراكم الكالسيوم في الصمام الأبهري والذي ينتج عنالتقدم بالعمر.
لكن هذا لا ينفي إمكانية إصابة الأطفال الصغار وحتى الشباب بهذه الحالة الصحية؛ ومنها حالةٌ لمريضٍ شاب خضع مؤخرًا لجراحةٍ ناجحة في مستشفى "كليفلاند كلينك أبوظبي"، فيما يشبه الإنجاز الطبي الكبير. إذ نجح المستشفى في إنقاذ حياة الشاب من خلال جراحةٍ معقدة أجراها له الدكتورة محمود طرينة، استشاري طب القلب والأوعية الدموية بمعهد القلب والأوعية الدموية والصدرية في المستشفى المرموق في العاصمة الإماراتية أبوظبي.
قبل تسليط الضوء بشكلٍ مفصَل على هذه الجراحة الناجحة والتي تؤكد تميَز برنامج جراحة القلب الشامل في مستشفى "كليفلاند كلينك أبوظبي"، ويرسخ مكانته كمركزٍ للتميز في جراحة القلب للبالغين، وهو اعتمادٌ مرموق ناله المستشفى مؤخرًا من دائرة الصحة في أبوظبي؛ توجهنا بالأسئلة للدكتور طرينة لمعرفة المزيد حول مرض تضيَق الصمام الأبهري..
وإليكِ إجابات الدكتور المختص...
هل بالإمكان دكتور طرينة، أن تُطلعنا على أسباب وأعراض تضيَق الصمام الأبهري؟
تضيَق الصمام الأبهري هي حالةٌ صحية تظهر بسبب تضيَق أو انسداد الصمام الأبهري بشكلٍ يُعيق تدفق الدم الطبيعي للقلب. وبحدوث ذلك، ينخفض معدل تلَقي الجسم للأكسجين.
يُعتبر الصمام الأبهري أحد أربعة صمامات في القلب؛ وهذا الصمام تحديدًا هو آخر الصمامات الأربعة التي يتدفق الدم عبرها إلى القلب قبل ضخه مجددًا لباقي أعضاء الجسم. ويحتوي الصمام الأبهري عادةً على طياتٍ، تسمى الشرفات، والتي تفتح للسماح بمرور الدم، وتُغلق بإحكام لمنع تدفق الدم إلى الحجرة الأخيرة.
عندما لا تتدفق كميةٌ كافية من الدم عبر الصمام الأبهري بسبب عدم اكتمال عملية الفتح، تحدث حالة تدعى التضيَق. وفي بعض الحالات، يعجز الصمام نفسه عن الإغلاق بشكلٍ طبيعي، ما يُسبَب تدفق بعض الدم بطريقةٍ خاطئة، في حالةٍ تدعى قلس الأبهري. وتبقى في هاتين المشكلتين كميةٌ معينة من الدم في الحجرة الأخيرة من القلب، ما يؤدي إلى زيادة الضغط فيها، ويُجهد القلب، مُسبَبًا حدوث ضررٍ فيه.
ولهذه الحالة ثلاثة أسباب رئيسية:
- التلف الناجم عن التقدم بالعمر: مع التقدم بالسن، قد يتراكم الكالسيوم في الصمام، في حالةٍ مشابهة لتراكم الكولسترول في الأوعية الدموية الذي يُسبب تصلَب الشرايين؛ ما يُعيق تدفق الدم.
- التلف المرتبط بالعدوى: عند وصول البكتيريا من حالات عدوى غير مُعالجة إلى مجرى الدم، قد تتجمع في صمامات القلب؛ وهو ما يقود الجهاز المناعي لإلحاق الضرر بها.
- أمراضٌ أخرى موروثة أو مُزمنة: هناك حالاتٌ أخرى تُسبَب تضيَق الصمام الأبهري مثل مرض باجيت الذي يؤثر على العظام، والفشل الكلوي، وفرط كولسترول الدم المتوارث ضمن العائلات. ويرتبط هذا التضيق أيضًا بأمراض المناعة الذاتية والالتهابات مثل الذئبة الحمامية، والتهاب المفاصل الروماتويدي.
تتضمن أعراض تضيَق الصمام الأبهري الآتي:
- الإرهاق، لاسيما الذي يصل إلى حد يُعيق فيه النشاطات الاعتيادية، أو يحدث خلال نشاطاتٍ معينة لم تكن تُسبَب التعب سابقًا.
- خفقان القلب (حيث يشعر الشخص بنبضات قلبه بشكلٍ غير مريح).
- تورم القدمين والكاحلين أو أسفل الساقين.
- ألم الصدر (الذبحة) والتي يمكن أن تظهر أيضًا على شكل ضغطٍ أو انزعاج، ويمكن أن تمتد من الصدر إلى الرقبة أو الفك أو الذراع أو البطن.
- صعوبة التنفس.
- الدوار، أو الدوخة، أو الإغماء.
ما هي الإجراءات المُتخصصة، والتي تُركَز بشكلٍ رئيسي على استبدال أو إصلاح الصمام المتضرر؟
يُعدَ استبدال الصمام الأبهري المنهجية التقليدية، والتي تتسم بفاعلية بشكلٍ خاص عند علاج الحالات الشديدة. يتطلب هذا الإجراء عادةً جراحة القلب المفتوح، حيث يفتح الجرَاح الصدر للوصول إلى القلب ويستبدل الصمام المصاب بصمامٍ جديد. ويمكن أن تكون الصمامات البديلة ميكانيكية، وهي متينة؛ ولكنها تتطلب دواءً لتسييل الدم مدى الحياة لمنع التجلط، أو صماماتٍ اصطناعية حيوية، مصنوعة من أنسجةٍ حيوانية، والتي قد تحتاج في نهاية المطاف للاستبدال ولكنها لا تتطلب عادةً دواءً على المدى الطويل.
بالنسبة للمرضى المُعرَضين لمخاطر أعلى من عملية القلب المفتوح بسبب عمرهم، أو ضعفهم، أو معاناتهم من حالات صحية معينة؛ يُوفَر استبدال الصمام الأبهري عبر القسطرة خيارًا آخر يتسم بالفاعلية ويجري بأدنى حدود التدخل الجراحي. ويشتمل هذا الإجراء المبتكر على إدخال قسطرة، عادةً من خلال شق صغير في الفخذ أو الصدر وتوجيهها إلى القلب؛ ليتم بعد ذلك نشر صمامٍ بديل داخل الصمام الأبهري الموجود. ويساهم استبدال الصمام الأبهري عبر القسطرة بتقليص الوقت اللازم للتعافي بشكلٍ كبير،كما يرتبط بانخفاض المخاطر المباشرة مقارنةً بجراحة القلب المفتوح.
من الخيارات العلاجية الأخرى المتاحة، رأب الصمامات بالبالون؛ وينطوي هذا الإجراء على نفخ بالون داخل الصمام لتوسيعه. إلا أن هذا الحل يُعتبر مؤقتًا في العادة أو يُستخدم كجسرٍ لعلاجٍ أكثر تحديدًا مثل استبدال الصمام الأبهري الجراحي أو الاستبدال عبر القسطرة، حيث يميل الصمام إلى التضيّق مرةً أخرى بمرور الوقت.
وقد أظهر كل من إجرائي استبدال الصمام الأبهري الجراحي وعبر القسطرة، معدلات نجاحٍ لافتة؛ ليس على مستوى التخفيف من أعراض تضيَق الصمام الأبهري فحسب، وإنما أيضًا في تحسين وظائف القلب بشكلٍ عام ومعدلات بقاء المريض على قيد الحياة. وتساهم التطورات المستمرة في تقنيات الصمامات والتقنيات الجراحية أيضًا في تحسين المُخرجات العلاجية وسلامة هذه الإجراءات، بما جعلها خياراتٍ فعالة لمجموعةٍ واسعة من المرضى. ويعتمد اختيار الإجراء المناسب على عوامل عدة بما يشمل عمر المريض، وصحته عمومًا، وشدة تضيَق الصمام، حيث يتم اتخاذ القرار العلاجي بعد دراسةٍ متعمقة من قبل فريق أخصائيي القلب والأوعية الدموية.
ما الذي قد يحدث في حالأهمل المرضى علاج تضيَق الصمام الأبهري؟
يرتبط تضيَق الصمام الأبهري عادةً بالمرضى كبار السن، ويبقى غير مُشخَصٍ في معظم حالاته حتى وصوله لحالة شديدة، مُعرَضًا حياة المصاب للخطر. ويمكن للعديد من الأمراض أيضًا أن تُسبَب تطور هذه الحالة لدى الأشخاص عند وصولهم لمنتصف العمر. وفي حالاتٍ نادرة، قد يولد الأطفال بوجود خللٍ في الصمام الأبهري يُسبَب التضيق. بالنسبة لبعض الأشخاص، يمكن أن يتطور تضيَق الأبهري ببطء ويستغرق عدة سنوات؛ أما بالنسبة للآخرين، فإنه يمكن أن يتقدم بشكلٍ أسرع بكثير.
يمكن أن يحدث تطورٌ سريع في حالاتٍ خطيرة مثل قصور القلب وفشله واختلال وظائف الأعضاء إذا لم تتم معالجته في الوقت المناسب. وفي حالات تضيَق الأبهري الشديد، ترتفع مخاطر الموت المفاجئ؛ وبالتالي، من الأهمية الإصغاء بعناية لأجسامنا والتواصل مع مُقدم الرعاية الصحية بشكلٍ مسبق للتشخيص والعلاج في الوقت المناسب.
إنقاذ حياة شابٍ يعاني من تضيَق الصمام الأبهري
بالعودة إلى الجراحة المعقدة والناجحة التي سجلها مستشفى "كليفلاند كلينك أبوظبي"؛ فإنه وبعد وصوله للمستشفى، كانت حياة مريضٍ في منتصف الثلاثينيات من عمره مُهدَدةً بسبب فشل أعضاءٍ عديدة في جسمه نتيجة تضيَق الصمام الأبهري الناجم عن خللٍ خُلقي؛ إذ تعرَض قلبه بسبب حالته تلك لصعوباتٍ في ضخ الدم. وبعد خضوعه لتقييمٍ شامللعلاج حالته الطارئة تلك، تم وضعه سريعًا على جهاز أكسجة الغشاء خارج الجسم لدفعه نحو الاستقرار قبل خضوعه للجراحة. ومن اللافت أن المريض أظهر تحسنًا ملحوظًا بعد الجراحة، ليخرج من المستشفى في غضون أيامٍ قليلة، ويعود لعمله خلال أقل من عشرة أيام.
وحول العملية المُعقدة التي تمَ تنفيذها لإنقاذ حياة المريض، قال الدكتور محمود طرينة، استشاري طب القلب والأوعية الدموية في "كليفلاند كلينك": "في هذه الحالة بالتحديد، كان الصمام الأبهري للمريض متضيقًا بشكلٍ كبير، بما أعاق تدفق الدم وهدَد وظيفة القلب الرئيسية. كان عمره أيضًا عنصرًا غريبًا، إذ أن هذا المرض يصيب في العادة الأشخاص الأكبر في السن. واستغرقت عملية استبدال الصمام الأبهري أقل من ساعتينٍ بقليل، تضمنت إدخال صمامٍ بيولوجي مدعوم بإطار ٍفولاذي مقاوم للصدأ عبر القسطرة. وبعد التأكد من عمل الصمام، أزلنا القسطرة وقمنا بإغلاق الشق الذي بلغ طوله 5 مليمترات. ومثلَت الاستجابة السريعة لفريق الرعاية مع السرعة في اتخاذ القرار العلاجي باستخدام تقنيةٍ متقدمة، وهي جهاز أكسجة الغشاء خارج الجسم ومن ثم استبدال الصمام الأبهري عبر القسطرة، عناصر حاسمة لنجاح علاج المريض الشاب."
وحول الفوائد الأوسع لهذا الإجراء العلاجي، أضاف الدكتور طرينة: "إن هذا الإجراء العلاجي الناجح والمتمثل في استبدال الصمام الأبهري لا يُمثَل إنجازًا لنا فحسب، بل يمنح الأمل للعديد من المرضى في المنطقة ممن يعانون من هذه الحالة الصحية الخطيرة. فأثر مثل هذا الإجراء يتجاوز مجرد التعافي الفوري من المرض، إذ يُحسَن بشكلٍ كبير من جودة حياة المرضى ويتيح لهم العودة لنشاطهم اليومي مع تحسَن وظائف قلبهم وصحتهم بالعموم. وعلاوةًعلى ذلك، تؤكد هذه العملية على أهمية الفحوصات الدورية للوصول إلى التشخيص المبكر، وهو جانبٌ رئيسي من منهجية كليفلاند كلينك أبوظبي للرعاية الصحية، والتي تحرص على ضمان تقديم العلاج الفعال في الوقت المناسب". كما شدَد الدكتور طرينة أيضًا على أهمية تعزيز نشر الوعي العام وحرص كوادر الرعاية الطبية على تقديم العلاج الفعال بسرعة وفي الوقت المناسب.
ختام القول، أن الجميع عرضةٌ للمرض خاصةً تلك الأمراض التي لها علاقةٌ بالقلب. لكن الفحص الدوري خصوصًا للأفراد الذين لديهم تاريخٌ عائلي لتلك الأمراض، يمكن أن يساعد في الكشف المبكر عن الإصابة والحصول على العلاج المناسب الذي بات بتطوره الكبير حديثًا، يُسهم بشكلٍ فعال في إنجاح العمل الجراحي وتقليل مدة الاستشفاء وعودة المرضى لمزاولة حياتهم الطبيعية كما في السابق.