لمنع تكرار الإصابة بسرطان الثدي الثلاثي السلبي.. اكتشاف توقيعٍ جيني ذو فائدة كبيرة
كلما ذُكرت عبارة "سرطان"، يخطر على بالنا نحن النساء سرطان الثدي؛ الذي يُعدَ من أكثر الأمراض شيوعًا عند الإناث، وهو مرضٌ تنمو فيه خلايا الثدي غير الطبيعية بشكلٍ خارج عن السيطرة وتُشكَل أورامًا. ويمكن لتلك الأورام، في حال تُركت دون علاج، أن تنتشر في جميع أنحاء الجسم وتصبح مهددةً للحياة.
عادةً ما تبدأ خلايا سرطان الثدي داخل قنوات الحليب و/أو الفصيصات المُنتجة للحليب في الثدي. والشكل الأولي لها لا يُشكَل خطرًا لجهة الوفاة؛ لكن يمكن أن تنتشر الخلايا السرطانية إلى أنسجة الثدي القريبة (سرطان الثدي الغزوي)، وهو ما قد يخلق أورامًا تُسبَب كتلًا أو سماكة.
كما يمكن أن تنتشر السرطانات الغازية إلى العُقد الليمفاوية القريبة أو أجهزة الجسم الأخرى (النقيلة)، والأخيرة يمكن أن تكون قاتلة. فيما يعتمد العلاج بالعموم على حالة المريض ونوع السرطان وانتشاره، ويجمع العلاج بين الجراحة والعلاج الإشعاعي والأدوية.
ليست كل أنواع سرطان الثدي مميتة، وتنجح نسبةٌ كبيرة من المصابات بهذا المرض في التعافي والشفاء التام منه بعد الخضوع للعلاجات المناسبة. لكن هناك بعض أنواع سرطان الثدي النادرة، والتي تُعتبر خطيرةً للغاية؛ منها سرطان الثدي الثلاثي السلبي TNBC الشديد الذي تكون فيه جميع اختبارات المُستقبلات الثلاثة سلبية. وهو الورم الأكثر عدوانيةً مع معدل نموٍ أسرع ومخاطر أعلى للتكرار، كما يصعب علاجه أكثر من الأورام الموجبة للهرمونات.
يمكن أن تشمل خيارات العلاج لسرطان الثدي الثلاثي السلبي كلًا من العلاج الكيميائي، العلاج الإشعاعي، العلاج الموجه والجراحة. وفيما قد يصعب التعايش مع هذا السرطان، لكن هناك العديد من المواد المتاحة لمساعدة المصابين به على التأقلم مع تشخيصهم وعلاجهم.
ويتابع الباحثون في مختلف أنحاء العالم، المزيد من الدراسات والأبحاث حول كيفية تحسين حياة المريضات بعد العلاج من سرطان الثدي الثلاثي السلبي. منهم باحثون من "مايو كلينك" في الولايات المتحدة، ممن نجحوا في اكتشاف نمط مميز من الجينات، يُسهم في منع الهدأة التي تُصاب بها معظم المريضات بعد الخضوع للعلاج.
فما هي الهدأة، وما نوع الاكتشاف الذي توصل إليه هؤلاء الباحثون؟ هذا ما سنستعرضه سويًا في مقالة اليوم.
الهدأة..
يشير موقع "ويكيبيديا" إلى أن الهدأة (بالإنجليزية: Remission) هي حالة غياب فعالية المرض عند مريضٍ،تُعرف إصابته بمرضٍ مزمن لا يمكن الشفاء منه. ويُستخدم مصطلح الهدأة في حالات الأورام وداء الأمعاء الالتهابي، فيما يُتوقع عودة هذه الأمراض للظهور لاحقًا في المستقبل.
توقيع جيني مرتبط بالهدأة التالية لعلاج سرطان الثدي الثلاثي السلبي
بالعودة إلى ما توصل إليه الباحثون في "مايو كلينك"، فقد اكتشف الباحثون مايو نمطًا مميزًا في مجموعةٍ معينة مكونة من 17 جينًا، قد يكون لهم ارتباطٌ بحدوث هدأة بعد الخضوع لعلاج سرطان الثدي الثلاثي السلبي وتسلط دراسة متعددة الأومكس، نُشرت في مجلة أبحاث سرطان الثدي، الضوء على إمكانية إجراء المزيد من الأبحاث على هذا التوقيع، كهدفٍ لنهج الطب الفردي.
يقع ما يقرب من 10-15٪ من سرطانات الثدي ضمن فئة "السرطان الثلاثي السلبي"، مما يشير إلى أن نموها لا يكون مُحفزًا من خلال مُستقبلات هرمون الإستروجين أو البروجسترون، ولا من خلال مُستقبل عامل نمو البشرة البشري 2 (بروتين HER2). في المقابل، تحتوي سرطانات الثدي الأخرى على واحدٍ على الأقل من هذه المُستقبلات، ما يُتيح للعلاجات التي بإمكانها استهدافها أو عرقلتها، تثبيط تقدم السرطان.
يُعرف سرطان الثدي الثلاثي السلبي بمقاومته للعلاجات الاستهدافيّة، ما يجعل المُعالجة الكيميائية خيار العلاج الأساسي. وعلى الرغم من أن أغلب المريضات يستجبنَ في البداية بشكلٍ جيد للعلاج الكيميائي القبلي المُساعد والقياسي، فإن ما يقرب من 20% من المريضات تتكرر إصابتهنَ بالمرض بعد العلاج.
وتقول كريشنا راني كالاري، حاصلة على الدكتوراه، والمؤلفة الرئيسية للدراسة وأستاذٌ مساعد في المعلوماتية الطبية الحيوية في مركز الطب الفردي: "من المهم للغاية ابتكار أدواتٍ من شأنها مساعدة اختصاصيي الرعاية السريرية في اتخاذ قراراتٍ علاجية مُبنية على معلومات. يُعدَ هذا التوقيع المكون من 17 جينًا، أحد الأدوات المُرشحة التي تُظهر فوائد محتملة؛ ولكن لكي يكون لهذا التوقيع فائدةٌ سريرية، ستكون هناك حاجةٌ لعمل دراسات تُقيّم ما إذا كان مزيج الأدوية البديلة قد ينجح مع هذه المجموعة من المريضات."
فك شفرة النمط المكون لفهم تكرار الإصابة بالورم
في دراستهم، فحص الباحثون من "مايو كلينك" عينات الورم قبل وبعد علاج المصابات بسرطان الثدي الثلاثي السلبي اللاتي لم يُظهرن استجابةً للعلاج الكيميائي القبلي المُساعد. وباستخدام التحليل متعدد الأومكس وتقنيات التعلم الآلي، فحصوا التغيرات في التعبير الجيني لفهم الأسس الجزيئية التي تؤدي إلى تكرار الإصابة بالورم.
جدير بالذكر إلى متعدد الأومكس هو مجالٌ ناشئ متعدد التخصصات للعلوم البيولوجية، يشمل علم الجينوم، علم البروتيوميات، علم ما فوق الجينوم، علم النسخ الوراثي، وعلم الأيض والمزيد. وقد نجح الفريق في تحديد 17 جينًا مرتبطًا بالبقاء على قيد الحياة دون حدوث انتكاسة، ووجدوا أن العديد من الجينات قد تلعب دورًا في تحفيز الالتهاب لبدء استجابة الجهاز المناعي. وتشير الدكتورة كريشنا راني كالاري، إلى إن الفشل في بدء استجابة الجهاز يمنع إزالة خلايا الورم الضعيفة، ما يسمح بتشكيل مقاومةٍ ضد العلاج ومن ثم عودة المرض.
السعي لعلاجاتٍ فردية لمريضات سرطان الثدي الثلاثي السلبي
تُعدَ هذه الدراسة امتدادًا للدراسة السريرية الاستطلاعية لسرطان الثدي، التي أجرتها مايو كلينك والمعروفة باسم دراسة العلاج المُوجه بالجينوم لسرطان الثدي (BEAUTY). والهدف من الدراسة هو تحديد سبب استجابة أورام بعض المريضات للمعالجة الكيميائية، في حين لا يستجيب البعض الآخر، واستخدام هذه المعرفة كحافزٍ لتطوير علاجاتٍ طبية فردية. وبعدها يخطط الفريق لإجراء مزيدٍ من الدراسات على التوقيع الجيني واختبار الأساليب العلاجية.
يبقى أن نشير إلى أن المؤلفين الرئيسيين المشاركين في الدراسة هم الباحثون في "مايو كلينك"كريشنا راني كالاري، دكتوراه في الطب؛جودي بوجي، دكتورة في الطب؛ وماثيو جويتز، دكتور في الطب، كما يشمل المؤلفين الإضافيين شياو جيا تانغ، دكتوراه؛وكيفن طومسون، دكتوراه.