خبيرة صحة نفسية تُطلعَنا على أسباب وطرق علاج الوسواس القهري

خبيرة صحة نفسية تُطلعَنا على أسباب وطرق علاج الوسواس القهري

جمانة الصباغ

يُمكن أن يتعرض أي شخص لأزمة نفسية، بغض النظر عن عمره أو موطنه أو طبيعة حياته. والمرء منا عرضةٌ للإصابة بالأزمات، لأن أمرًا سيئًا للغاية قد حدث (وفاة شخصٍ عزيز مثلًا، أو وقوع شخصٍ في خطرٍ داهم...)؛ كما يُمكن أن يتعرض الشخص لأزمةٍ إذا عانى من أحداثٍ سيئة لفترةٍ طويلة، أو كان يعاني من مرضٍ نفسي قوي (كالاكتئاب أو اضطرابات القلق).

بالإمكان دومًا التخلص من تداعيات الأزمات النفسية، من خلال العلاج المناسب وتحت إشراف طبيبٍ مختص؛ لكن بعض تلك الأزمات تبقى راسخةً في العقل الباطني للإنسان، وقد لا يستطيع التغلب عليها بشكلٍ تام. من تلك الأزمات، الوسواس القهري الذي يُعدَ أحد اضطرابات القلق المزمنة، ويؤدي لسلوكياتٍ قهرية لا يستطيع المرء تجنَبها، ويملك حاجةً قوية للقيام بها مرارًا وتكرارًا؛وتساعده هذه السلوكيات على خفض شعور القلق والتوتر الذي يتملكه.

للوقوف أكثر على أسباب هذا الاضطراب، أعراضه وطرق علاجه، خاصةً فيما يتعلق بالشائعات التي تتحدث عن إمكانية علاج الوسواس القهري بواسطة الأعشاب؛ كان لنا هذا اللقاء الممتع مع الآنسة خديجة القطامي، مستشارة الأزمات النفسية ورئيسة المجلس العربي، والتي أجابت مشكورةً على كافة أسئلتنا..

خديجة القطامي مستشارة الأزمات النفسية ورئيسة المجلس العربي
خديجة القطامي مستشارة الأزمات النفسية ورئيسة المجلس العربي

بدايةً، هل يمكن أن تُعرَفينا على طبيعة الوسواس القهري

الوسواس القهريObsessive-Compulsive Disorder OCD هو اضطرابٌ يمكن محاولة فهمه عن طريق تحليل مسماه، والذي يحتوي على مفاتيح توضح طبيعة الاضطراب؛ حيث يتكون من الوساوس أو الهواجس التي تظهر على شكل أفكارٍ متكررة تؤدي إلى الإكراهات، وهي سلوكياتٌ قهرية يقوم بها الأفراد في محاولةٍ للتخفيف من الهواجس أو تقليل الضيق المرتبط بها. ويُعتبر هذا الاضطراب واحدًا من الاضطرابات المتعلقة بالقلق.

بالنظر إلى الأعراض؛ نجد أنها تتألف من الهواجس، والتي تشمل مجموعةً من الأفكار أو الصور أو الدوافع التي تتكرر بشكلٍ مستمر والتي يعجز المصاب في السيطرة عليها. فيكون الأفراد الذين يعانون من اضطراب الوسواس القهري، غير راغبين في تواجد هذه الأفكار ويجدونها مزعجةً. وفي معظم الحالات، يدرك الأفراد الذين يعانون من اضطراب الوسواس القهري أن تلك الأفكار غير منطقية.

وغالبًا ما تترافق الأفكار بمشاعر قوية وغير مريحة مثل الخوف، والاشمئزاز، وعدم اليقين والشك، أو الشعور بأن الأمور يجب أن تتم بطريقةٍ "صحيحة تمامًا". وفي سياق اضطراب الوسواس القهري، تأخذ الأفكار الوقت وتعيق الأنشطة والمهام التي يجب على المصاب القيام بها؛ وقد يحاول الفرد التخلص منها عن طريق القيام بسلوكياتٍ أو طقوس معينة.

تشير بعض الأبحاث إلى أن مواضيع الهواجس، غالبًا ما تكون مرتبطةً مباشرةً بما يُقدِره الشخص أكثر في حياته؛ ولهذا السبب تدور الهواجس حول مواضيع ذات خصوصيةٍ للمصابين بشكل خاص. ومن بعض الأمثلة عليها:

  • هواجس التلوث: الخوف من التعرض أو الاتصال ببعض المواد الملوثة، مثل الفضلات الجسدية أو الإصابة بالأمراض كفيروس كورونا، الإيدز، الكبد الوبائي، وغيرها.
  • الهواجس الدينية/الأخلاقية: الخوف من الكفر، أو الإساءة للذات الإلهية، اللعنة، الخوف المفرط من الخطأ والمواضيع الأخلاقية.
  • هواجس العنف: الخوف من القيام بما يؤذي الذات أو الآخرين، والصور العقلية المتعلقة بالعنف.
  • هواجس المسؤولية: الخوف من أن يكون الفرد مسؤولًا عن وقوع شيءٍ مروع أو فاجعة مثل حادث سير، حريق، أو الخوف من إيذاء الآخرين بسبب عدم الحرص الكافي؛كالتعرض لسرقة المنزل بسبب نسيان قفل الباب.
  • هواجس الهوية: القلق المفرط بشأن التوجه الجنسي أو الهوية الجنسية.
    هاجس النظافة أحد أبرز أعراض اضطراب الوسواس القهري
    هاجس النظافة أحد أبرز أعراض اضطراب الوسواس القهري

    كما قد تكون هناك هواجس أخرى لها علاقةٌ بالعلاقات، مثل العلاقات العاطفية والأصدقاء وغيرها.

وجود هذه الأفكار المزعجة، يدفع المصاب لمحاولة التخلص منها عن طريق إجراء بعض السلوكيات القهرية، التي قد تكون غير منطقية؛ ولكن يشعر فيها الفرد بالانقياد للقيام بها، كما أنها قد تعطيه شعورًا مؤقتًا من الراحة قصيرة المدى، حيث أنها تهدف إلى تخفيف القلق المتعلق بالأفكار والهواجس. ومن أمثلة هذه الأفكار التالي:

  • الغسيل والتنظيف المتكرر: الاستحمام أو غسل اليدين بشكلٍ مفرط، أو بطريقةٍ مُعينة، الاعتناء المفرط بالنظافة الشخصية أو روتين استخدام المرحاض، وغيرها.
  • التكرار: التأكد المفرط من عدم ارتكاب الأخطاء، أو عدم وقوع شيءٍ مروع.
  • التحقق: تكرار الأنشطة الروتينية بصورة مفرطة، مثل تكرار الخروج والدخول من الباب، إطفاء وإعادة إشغال إضاءة الغرفة، أو التأكد من أداء المهمة مراتٍ عدة.
  • الاكراهات العقلية: المراجعات العقلية المتكررة للأحداث لتجنب الضرر أو النتائج السيئة، العد أثناء أداء مهمةٍ معينة للانتهاء عند رقمٍ صحيح أو آمنٍ بالنسبة للفرد، أو محاولة إلغاء الكلمة السيئة عن طريق كلمةٍ جيدة مما قد يعني للمصاب بأنه قام بإلغاء الكلمة السيئة.

المصاب بالوسواس القهري قد يقوم بتكرار السلوكيات القهرية عدة مرات، مثل تكرار المهام أو الأنشطة الروتينية ثلاث مرات، أو غسل اليدين والعد التسلسلي حتى يصل إلى رقمٍ معين. على سبيل المثال، تكرار العد إلى الرقم الثلاثة عند القيام بمهمة، حيث يُمثَل هذا الرقم للمصاب رقمًا صحيحًا أو جيدًا أو آمنًا.

عند مواجهة الأفكار، يلجأ الأفراد غالبًا إلى وضع قواعد أو طقوسٍ تهدف لتخفيف قلقهم. ومع ذلك، فإن هذه السلوكيات غالبًا ما تفتقد إلى صلةٍ منطقية مع المشكلة التي تُثيرها الأفكار والهواجس. وعلى إثره ينشأ الإكراه (السلوك) كردٍ فعل على الضيق الذي تسببت به الهواجس، ولكن ليس هناك دائمًا صلةٌ مباشرة بين الاثنين. في بعض الحالات، تظهر الإكراهات، مثل الغسيل الزائد ردًا على هواجس التلوث، في حين يفتقر البعض الآخر إلى علاقةٍ واضحة، كما يحدث عند بعض الحالات كتقليب الطاولة أربع مرات (السلوك) لحمايةٍ شخص عزيز (الفكرة أو الهاجس). هذه السلوكيات تؤثر على حياة المصاب حيث يقضي معظم الوقت في ممارستها، ما يؤثر سلبًا على أدائهم اليومي.

ما هي الأسباب الكامنة وراء اضطراب الوسواس القهري؟

أسباب اضطراب الوسواس القهري متعددةٌ ومتنوعة؛ وتشمل العوامل البيولوجية كالخلل في توازن المواد الكيميائية في الدماغ، الضغوطات الحياتية، الوراثة، وبعض السلوكيات المكتسبة، إضافةً إلى ارتباطه بوجود بعض الاضطرابات النفسية الأخرى.

ومن الممكن أن تزيد العوامل الوراثية والبيئية من خطر الإصابة به، ولكن الاستعداد الوراثي وحده لا يعني بالضرورة الإصابة بالاضطراب؛ فالعوامل السابقة قد تتداخل مؤثرةً على بعضها البعض.

من عوامل الخطر التي قد تسهم في ظهور هذا الاضطراب:

يفرض الوسواس القهري مجموعة سلوكيات قهرية على المصابين بهذا الاضطراب
يفرض الوسواس القهري مجموعة سلوكيات قهرية على المصابين بهذا الاضطراب
  1. العوامل الجينية، والتي تشمل تاريخ الأسرة المرضي بهذا الاضطراب، ما يُنتج لدى الفرد استعدادًا وراثيًا.
  2. العوامل البيئية، والتي تتضمن الإصابة بالأمراض والعدوى، أو التعرض للضغوطات أو الصدمات.

هل يمكن التخلص من الوسواس القهري بدون أدوية؟

تتباين أساليب علاج اضطراب الوسواس القهري؛ حيث تتضمن جلسات العلاج النفسي واستخدام العلاج الدوائي، ويعتمد الخيار المناسب على درجة شدة الاضطراب. ففي الحالات البسيطة والمتوسطة، يمكن الاكتفاء بالعلاج النفسي. ومن بين الطرق الفعّالة لعلاج اضطراب الوسواس القهري، العلاج المعرفي السلوكي الذي يتميز بفاعليته وكفاءته.

يُعَدُّ هذا النهج من العلاج الخيار الأمثل، خاصةً في حالات الاضطراب البسيطة إلى المتوسطة؛ حيث يمكن تحقيق تحسنٍ لدى المريض دون الحاجة إلى استخدام الأدوية. وتتمثل عملية العلاج التي تعتمد على النهج المعرفي السلوكي، في توجيه المصاب من قبل معالجٍ نفسي مختص ومرخص لتطبيق علاج “التعرض ومنع الاستجابة”؛ حيث يتم توجيه المريض خلاله لمواجهة الموقف المُمثَلة للهواجس المُثيرة للقلق لديه، وتقبَل المشاعر التي تثيرها، والثبات فيه، ومقاومة الرغبة في الانخراط في السلوك القهري. ويتضمن جزء التعرض في علاج "التعرض ومنع الاستجابة"، ممارسة مواجهة الأفكار والصور والأشياء والمواقف التي تُثير القلق و/أو تُحفَز الوسواس لدى المصاب. وجزء منع الاستجابة يعني اتخاذ قرار بعدم القيام بسلوكٍ قهري بمجرد "تحفيز" القلق أو الوسواس، ويتم ذلك تحت إشراف أخصائي في البداية؛ ومع الوقت يتعلم المصاب تنفيذ تمارين خاصةٍ به لمساعدته في إدارة أعراضه، وستقوم هذه العمليات بـ "إعادة تدريب الدماغ" تدريجيًا حتى لا تُشكَل مواضيع الوسواس بعد ذلك تهديدًا.

في الحالات الشديدة، قد يقوم الطبيب نفسي بوصف دواءٍ مضادٍ للقلق للمريض، بالإضافة إلى استكماله بجلسات العلاج النفسي، على أن يتم تقليل جرعات الدواء تدريجيًا بناءًا على تحسَن حالة المريض، مع استمرار متابعة الجلسات النفسية والتقييم المستمر.

علاج الوسواس القهري بالأعشاب والمكملات الغذائية، هل هو ممكن؛ أم هناك علاجاتٌ طبية فقط لهذه المشكلة؟

بالنسبة للعلاجات باستخدام الأعشاب والمكملات الغذائية؛ فعلى الرغم من أن البعض قد يرى أنها قد تساعد في السيطرة على بعض الأعراض، إلا أنه لا توجد أبحاثٌ أو أدلة علمية تدعم فعالية هذا النهج في علاج الاضطراب.