بالتزامن مع اليوم العالمي للسُمنة: بحثٌ يؤكد فوائد جراحات إنقاص الوزن لمرضى السكري
لا يختلف إثنان على أن الصحة هي المعيار الأساسي للسعادة وراحة البال والطمأنينة للجميع في وقتنا الحاضر؛ خاصةً بعد جائحة كوفيد-19 التي أودت بحياة الملايين حول العالم، عدا عن إصابات بلغت حدود النصف مليار، وغيرها من الأمراض والمشاكل الصحية التي تزداد وضوحًا وتكشَفًا يومًا بعد يوم.
وربما تبقى السُمنة أكثر تلك الآفات، الحديثة والقديمة، التي يُصارع الأطباء والجسم الطبي قاطبةً للتخلص منها نظرًا للتداعيات الصحية الخطيرة التي تنجم عنها، وعلى رأسها داء السكري وأمراض القلب والسرطان.
وقد شهد العالم خلال العقود الماضية، توجهًا واسعًا نحو عمليات جراحة السُمنة لمحاربة مرض السكري. وبدأ إجراء جراحات المعدة في خمسينيات القرن الماضي، ومع تطوّر الطب وتقنيات الجراحة، يرى الأطباء أنها باتت من الجراحات الآمنة نسبياً، إذ تتراوح نسبة الوفيات عقبها بين 0.05-2.0%، بحسب مجلة "جراحة السمنة" المحكّمة والمختصة بنشر دراسات طبية من حول العالم عن تقنيات جراحات السُمنة.
هناك عدة أنواع من جراحات المعدة التي استُخدمت خلال العقود الماضية؛ منها ربط المعدة، تكميم المعدة (Gastric Sleeve)، تحويل مسار الأمعاء (Gastric Bypass)، ولكن أكثرها شيوعًا هي تكميم المعدة وتحويل المسار. وأظهر بحثٌ جديد أن جراحات المعدة هذه المقصود منها إنقاص الوزن، نجحت أيضًا في تحسين أوضاع المصابين بداء السكري.
بحثٌ يؤكد فوائد جراحات إنقاص الوزن لمرضى السكري
إذن وبالتزامن مع اليوم العالمي للسُمنة الذي يصادف 4 مارس من كل عام؛ قدمت دراسةٌ جديدة الأمل للأفراد الذين يعانون من السُمنة والسكري، حيث أظهرت أن جراحات علاج البدانة قادرةٌ على المساعدة في تحسين هاتين الحالتين المرضيتين، إلى جانب قدرتها في بعض الحالات على تخفيف حدة مرض السكري ، وذلك وفقاً لجرّاح أمراض السُمنة في كليفلاند كلينك، نظام الرعاية الصحية العالمي، والذي شارك في تأليف الدراسة.
وأوضح الدكتور علي أمينيان، مدير معهد السُمنة والتمثيل الغذائي لدى "كليفلاند كلينك" أن السُمنة والسكري متلازمان، إذ أن الشحوم الزائدة قد تؤدي إلى الإصابة بالسكري من النوع الثاني وتفاقمه. وأضاف "من المرجح عند تطبيق أسلوبٍ علاجي فعال للسُمنة، أن تشهد الحالات المرتبطة بها مثل مرض السكري وارتفاع الكوليسترول وارتفاع ضغط الدم تحسنًا ملموسًا؛ كما يمكن أن تؤدي جراحات السُمنة إلى تغيراتٍ هرمونية إيجابية تساعد في تحسين التحكم بمرض السكري. لقد أردنا من خلال هذه الدراسة مقارنة تأثير جراحة إنقاص الوزن على مرض السكري، بتأثير الأدوية أو تغييرات نمط الحياة المُستخدمة عادةً في إدارة مرض السكري."
تحمل الدراسة إسم "تحالف التجارب العشوائية للأدوية مقابل جراحات التمثيل الغذائي في علاج مرض السكري من النوع الثاني" (ARMMS-T2D)، وقد بحثت بشكل خاصٍ الآثار المديدة على التحكم بالسكري نتيجةً لجراحات إنقاص الوزن؛ وشملت النتائج التي تمَ جمعها من مرضى في كليفلاند كلينك وثلاثة مراكز طبية أخرى في الولايات المتحدة الأمريكية والذين تمت دراستهم على فترة امتدت لـ12 عامًا.
وعلَق الدكتور أمينيان على النتائج بالقول: "تُعتبر دراسة (ARMMS-T2D) مهمةً نظرًا لأن التجارب السريرية العشوائية التي أُجريت سابقًا على جراحة السُمنة، كانت محدودةً من حيث نطاقها ونوع الجراحات ومدة المتابعة. وأكدت النتائج التي توصلنا إليها، نتائج العديد من هذه الدراسات الصغيرة التي تمت سابقًا ، ما يدل على أن جراحات السُمنة تُسهم بتحقيق نتائج أفضل في السيطرة على مرض السكري مقارنةً بالتدخلات الطبية الأخرى والتغييرات في نمط الحياة. كما وجدنا أن المرضى احتاجوا بعد جراحة السُمنة إلى أدوية سكري أقل، وأن عدد المرضى الذين شهدوا تخفيفًا ملموسًا في حدة مرض السكري كان أكبر من نظيره لدى مرضى المجموعة التي استخدم أفرادها الأدوية والتغييرات في نمط الحياة فقط."
مستويات الجلوكوز واستخدام الأنسولين والتخفيف من حدة مرض السكري
قارنت الدراسة نتائج تحاليل الهيموغلوبين السكري A1C لدى المرضى؛ حيث تُقيس هذه التحاليل متوسط سكر الدم للمريض على مدى ثلاثة أشهر، وأي تسجيل معدل يبلغ 6.5% في هذه التحاليل يُصنّف المريض على أنه مصابٌ بالسكري. وأظهرت النتائج أن المرضى في مجموعة ما بعد جراحات السُمنة، سجلت نتائج أفضل في تحاليل الهيموغلوبين السكري A1C مقارنةً بمجموعة المرضى الذين تناولوا الأدوية أو أجروا تغييرات في نمط حياتهم فقط، وذلك بنسبة 1.4% أقل عند مستوى 7 أعوام، و1.1% أقل عند مستوى 12 عامًا.
كما كان استخدام الأنسولين أقل بشكلٍ ملحوظ في مجموعة جراحات السُمنة لدى قياسه بعد 7 سنوات وبنسبةٍ بلغت 16% مقابل 56%. وأشار الدكتور أمينيان إلى أن هذه الفائدة المُحققة، تتسم بأهميةٍ كبيرة خاصةً عند النظر إلى حقيقة صعوبة تعديل جرعات الأنسولين عند بعض المرضى، مع ما يترتب على ذلك من عواقب خطيرة في حال انخفاض السكر في الدم إلى مستوياتٍ متدنية جدًا. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأنسولين قد يؤدي في الواقع إلى زيادة الوزن، وهو دواءٌ باهظ الثمن.
وعاينت الدراسة كذلك عدد المرضى الذين سجلوا تخفيفًا ملموسًا في حدة مرض السكري، ولم يعودوا بحاجة إلى تناول الأنسولين أو أي أدويةٍ أخرى للتحكم بنسبة السكر في الدم. وكانت مستويات تخفيف حدة مرض السكري أكبر بعد جراحات السُمنة وبنسبة 18.2% التي حققها أفراد هذه المجموعة مقارنةً بنسبة 6.2% في المجموعة التي تناول أفرادها الأدوية أو أجروا تغييرات في نمط الحياة، وذلك بعد 7 أعوام. أما بعد 12 عامًا، فقد كان 12.7% من أفراد مجموعة جراحات السُمنة لا يزالون في حالة التخفيف الملموس في حدة مرض السكري مقارنةً بـ0.0% من المجموعة التي تناول أفرادها الأدوية أو أجروا تغييرات في نمط الحياة.
وتوصلت الدراسة إلى فائدتين إضافيتين طويلتي الأمد لجراحات السُمنة مقارنةً بالتغييرات في نمط الحياة وتناول الأدوية. وتمثلت هاتان الفائدتان في أن أفراد مجموعة جراحات السُمنة سجلوا مستويات كوليسترول صحية أكثر ، كما أصبح مرضى ارتفاع ضغط الدم بحاجة إلى تناول أدويةٍ أقل لضبط ضغط الدم لديهم.
في هذه الحال، قد يُسارع كل شخصٍ مصابٍ بالسُمنة وداء السكري للقيام بعمليات جراحة المعدة؛ فهل هذا الأمر مقبولٌ لدى جميع المرضى، ومتى يجب الخضوع لتلك العمليات؟...
أوضح الدكتور أمينيان أن الدراسة لا توُصي بمسارعة مرضى السُمنة والسكري إلى إجراء جراحات سُمنة، وقال في هذا السياق: "تُعدَ التغييرات في نمط الحياة وتناول الأدوية خط العلاج الأول، إلا أنه في حال عدم تحقيق الاستجابة الكافية مع تطبيق هذين المعيارين، فقد تكون جراحات السُمنة خيارًا جيدًا للمرضى. كما يجب في حال الحاجة إليها عدم تأخير إجرائها لفترةٍ طويلة، لأن السكري مرضٌ تقدمي وقد تفضي عدم إدارته بشكل صحيح إلى مضاعفاتٍ خطيرة طويلة المدى، قد تؤدي إلى الموت. بالإضافة إلى ذلك، كلما كانت مدة إصابة المريض بالسكري أقصر زادت احتمالية الشفاء على المدى الطويل بعد جراحة السُمنة."
وعلى الرغم من توافر فئاتٍ جديدة من أدوية السكري مؤخرًا والتي تساعد في إنقاص الوزن، إلا أن الدراسة تُوضح أن هذه الأدوية قد تكون مُكلفة ويجب استخدامها على المدى الطويل؛ كما أن مدى فعاليتها على المدى الطويل لم يتم قياسها على نحوٍ دقيق حتى الآن.
واختتم الدكتور أمينيان بالقول: "يمكن لجراحات السُمنة أن تكون الخيار الأفضل للمرضى المصابين بالسكري والسُمنة، خاصةً أولئك الذين لديهم مؤشر كتلة جسم مرتفع جدًا ولم يستجيبوا بشكلٍ جيد للأدوية . لقد أصبحت العمليات الجراحية أكثر أمانًا بكثير من ذي قبل، كما أن جراحات السُمنة قادرةٌ على الوقاية من التبعات الصحية طويلة الأمد للسُمنة والسكري."
ختام القول، فإن السُمنة والسكري متلازمان بشكلٍ وطيد؛ ويمكن لزيادة الوزن المُفرطة أن تتسبب في زيادة خطر الإصابة بالسكري. وبالتالي تساعد عمليات إنقاص الوزن في تقليص هذا الخطر، فضلًا عن تحسين أوضاع مرضى السكري على المدى الطويل. لكن الطبيب المختص وحده من يقرر ما إذا كانت مريضة السكري بحاجةٍ لإجراء هذه الجراحة أم لا، لذا ننصح جميع قارئاتنا ممن يعانينَ من داء السكري والسُمنة في الوقت ذاته، اتباع إرشادات الطبيب المعالج لتحسين أوضاعهنَ الصحية ومساعدتهنَ في اختيار الأنسب لهنَ.